Explanation of the Book of Fasting from Sahih al-Bukhari
شرح كتاب الصوم من صحيح البخاري
Publisher
مكتبة العلوم والحكم
Edition Number
الأولى
Publication Year
١٤٣١ هـ - ٢٠١٠ م
Genres
شرح كتاب الصَّوْم
من صَحِيح البُخَارِيّ
لفضيلة الشَّيْخ
أبي مُحَمَّد عبد الله بن مَانع الروقي
أعتنى بِهِ
بندر بن تركي بن سعد البقمي
الناشر
مكتبة الْعُلُوم وَالْحكم
Unknown page
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
المقدمة
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:
فقد جرت عادة أهل العلم على الكلام على أحكام بعض العبادات عند مواسمها كالصوم والحج ونحوها، وقد كان لشيخنا أبي محمد عبد الله بن مانع الروقي حفظه الله نصيب من ذلك، فقد شرع في شرح كتاب الصيام من صحيح الإمام البخاري ﵀، في اليوم السابع والعشرين من شهر رجب لعام ألف وأربعمائة وأربع وعشرين للهجرة النبوية على صاحبها الصلاة والسلام وانتهى منه في اليوم الثامن والعشرين من شهر شعبان من العام نفسه.
ولما كان هذا الشرح المبارك حافلًا بفوائد عديدة، وتحقيقات رصينة، ونقولات عن أهل العلم مفيدة، طلبت من شيخنا الإذن بتفريغ الأشرطة المسموعة إلى كتاب مقروء، فإذن حفظه الله، فكان هذا الكتاب الذي بين يديك.
سائلًا الله أن يجزي الشيخ على ما قدم خير الجزاء وأن ينفع به، إنه ولي ذلك والقادر عليه. وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
وكتب
بندر بن تركي بن سعد البقمي
1 / 5
١ - باب وجوب قوم رمضان
وقول الله تعالى: ﴿يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ﴾ [البقرة: ١٨٣].
١٧٩٢ - حدثنا قتيبة بن سعيد حدثنا إسماعيل بن جعفر عن أبي سهيل عن أبيه عن طلحة بن عبيد الله:
أَنَّ أَعْرَابِيًّا جَاءَ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ ﷺ ثَائِرُ الرَّاسِ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَخْبِرْنِي مَاذَا فَرَضَ اللَّهُ عَلَيَّ مِنَ الصَّلاةِ؟ فقَالَ: «الصَّلَوَاتُ الْخَمْسُ إِلا أَنْ تَطَوَّعَ شَيْئًا» فَقَالَ: أَخْبِرْنِي مَا فَرَضَ اللَّهُ عَلَيَّ مِنَ الصِّيَامِ؟ فقَالَ: «شهر رَمَضَانَ إِلا أَنْ تَطَوَّعَ شَيْئًا»، فقَالَ: أَخْبِرْنِي بمَا فَرَضَ اللَّهُ عَلَيَّ مِنَ الزَّكَاةِ فقَالَ: فَأَخْبَرَهُ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ شَرَائِعِ الإِسْلامِ قَالَ: وَالَّذِي أَكْرَمَكَ لا أَتَطَوَّعُ شَيْئًا وَلا أَنْتَقِصُ ممَا فَرَضَ اللَّهُ عَلَيَّ شَيْئًا فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: «أَفْلَحَ إِنْ صَدَقَ - أَوْ - دَخَلَ الْجَنَّةَ إِنْ صَدَقَ».
[٤٦]
١٧٩٣ - حدثنا قتيبة بن سعيد حدثنا إسماعيل بن جعفر عن أبي سهيل عن أبيه عن طلحة بن عبيد الله:
أَنَّ أَعْرَابِيًّا جَاءَ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ ﷺ وَهُوَ ثَائِرُ الرَّاسِ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ أَخْبِرْنِي مَاذَا فَرَضَ اللَّهُ عَلَيَّ مِنَ الصَّلاةِ؟ فقَالَ: «الصَّلَوَاتُ الْخَمْسُ إِلا أَنْ تَطَوَّعَ شَيْئًا» فَقَالَ: أَخْبِرْنِي مَاذَا فَرَضَ اللَّهُ عَلَيَّ مِنَ الصِّيَامِ فقَالَ: «شَهْرَ رَمَضَانَ إِلا أَنْ تَطَوَّعَ شَيْئًا» فقَالَ: أَخْبِرْنِي بمَا فَرَضَ اللَّهُ عَلَيَّ مِنَ الزَّكَاةِ فقَالَ: فَأَخْبَرَهُ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ شَرَائِعِ الإِسْلامِ قَالَ: وَالَّذِي أَكْرَمَكَ لا أَتَطَوَّعُ شَيْئًا وَلا أَنْقِصُ مَمَّا فَرَضَ اللَّهُ عَلَيَّ شَيْئًا فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: «أَفْلَحَ إِنْ صَدَقَ - أَوْ - دَخَلَ الْجَنَّةَ إِنْ صَدَقَ».
[٤٦]
١٧٩٣ - حدثنا مسدد حدثنا إسماعيل عن أيوب عن نافع عن ابن عمر ﵃ قال: صام النبي ﷺ عاشوراء وأمر بصيامه فلما فرض رمضان ترك وكان عبد الله لا يصومه إلا أن يوافق صومه. [١٨٩٦، ٤٢٣١]
١٧٩٤ - حدثنا قتيبة بن سعيد حدثنا الليث عن يزيد بن أبي حبيب أن عراك أن مالك حدثه أن عروة أخبره عن عائشة ﵂:
1 / 6
أن قريشًا كانت تصوم يوم عاشوراء في الجاهلية ثم أمر رسول الله ﷺ بصيامه حتى فرض رمضان وقال رسول الله ﷺ: «مَنْ شَاءَ فَلْيَصُمْهُ وَمَنْ شَاءَ أَفْطَرَ». [ر ١٥١٥]
قول المؤلف «كتاب الصوم»:
المؤلف: جعل كتاب الصوم بعد كتاب الحج، وحديث ابن عمر الذي فيه «بني الإسلام على خمس» أخرجه المصنف في مواضع، أول موضع أخرج فيه البخاري هذا الحديث فيه تقديم الحج على الصيام وأخرج مسلم حديث ابن عمر هذا «بني الإسلام على خمس» من طريق «البخاري» ولكن على الترتيب المعروف «صيام رمضان وحج بيت الله الحرام». وفي سياق مسلم ما يدل على أن هذا السياق هو المحفوظ فقد قال رجل لابن عمر: الحج وصيام رمضان!! فقال ابن عمر: «لا؛ صيام رمضان والحج» هكذا سمعته من رسول الله ﷺ. والبخاري: مشي في هذا الحديث على طريقته وهي الرواية بالمعنى.
وهل يقال باحتمال تعدد سماع ابن عمر لهذا الحديث من النبي ﵊؟
الجواب: هذا الاحتمال بعيد.
فالصحيح ما وقع في مسلم وهو كالصريح في أن الصوم قبل الحج وهذا هو الذي ينبغي وذلك لعدة أمور:
١ - أن هذه الرواية التي في مسلم صريحة؛ فإن ابن عمر لما قال له
1 / 7
الرجل: الحج وصيام رمضان!! قال: «لا صيام رمضان والحج».
٢ - أن صيام رمضان سابق لفرض الحج فإن صيام رمضان شرع وأوجب في السنة الثانية للهجرة بالاتفاق واختلف في الحج متى فرض على أقوال أصحها في السنة الثانية للهجرة بالاتفاق واختلف في الحج متى فرض على أقوال أصحها في السنة التاسعة أو العاشرة، وقد بسطنا الكلام على هذا في شرح كتاب الحج من بلوغ المرام فليراجعه من شاء.
٣ - أن صيام رمضان مقدم قبل الحج في الوقت فإن الصيام في الشهر التاسع من الشهور الهلالية في السنة، والحج هو آخر شهر من الشهور الهلالية عند المسلمين في سنتهم. فالصحيح ما مشى عليه الإمام مسلم في صحيحه ومشى عليه النسائي والترمذي وابن ماجه أن الصيام قبل الحج، وأما أبو داود: فقد أخر الصيام بعد البيوع وقدم الحج، وعامة من ألف من أهل العلم في السنن والصحاح يقدمون الصيام قبل الحج وهذا هو الصحيح.
قول المؤلف: «باب وجوب قوم رمضان» نقول: وجوب صوم رمضان قد أجمع عليه أهل الإسلام وربنا جل وعلا يقول: ﴿يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ﴾ فالصيام فرض بالنص والإجماع، والصيام فرض على جميع العالمين كما قال تعالى في الآية المتقدمة: ﴿كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ﴾.
تعريف الصيام: هو التعبد لله بالإمساك عن المفطرات من طلوع الفجر الثاني إلى غروب الشمس.
وفرض الله جلَّ وعلا الصيام لحكمة: وهي امتحان للعباد وتكليف لهم كسائر الواجبات.
1 / 8
والتكاليف أحيانًا تكون منعًا من محبوب، وتكون أحيانًا بذلًا لمحبوب، وتكون أحيانًا أعمالًا بدنية، فمثال المنع من المحبوب كالصيام، والبذل للمحبوب كالزكاة وهي بذل المال، والأعمال البدنية كما يكون في الصلاة والجهاد، وقد يشترك العمل البدني مع بذل المحبوب كالجهاد فإن فيه عملًا بدنيًا وفيه بذل للنفس والمال فإن الجهاد عبادة مالية وبدنية.
1 / 9
الحديث الأول: حديث طلحة بن عبيد الله.
هذا الحديث يرويه مسلم من طريق البخاري سواء من طريق قتيبة عن إسماعيل بن جعفر. ووقع فيه زيادة وهي: «أفلح وأبيه إن صدق» وهذه الزيادة تفرد بها إسماعيل بن جعفر، والبخاري: هنا رواه من طريق إسماعيل غير أنه حذف هذه اللفظة، وأيضًا روى هذا الحديث مالك عن أبي سهيل عن أبيه عن طلحة ليس فيه زيادة «أفلح وأبيه إن صدق» فالصحيح أن هذه اللفظة «وأبيه» شاذة غير محفوظة، وقد تكلف بعضهم لها وقال: إن كانت محفوظة فإنها محرفة فبدل «أفلح وأبيه إن صدق» تكون «أفلح والله إن صدق»، وهذا التحريق قبل تنقيط الحروف ولكن هذا الكلام فيه نظر فإن نسخ الحديث وضبط ألفاظ النبي ﷺ لا يدخلها الغلط بهذه السهولة فيقال فيها مثل هذا، فهذا الوجه ضعيف. وقيل: إن هذا مما يجري على اللسان وهذا فيه نكارة فإن هذا لا يمكن أن ينسب إلى النبي ﷺ. وقيل: إن الحديث منسوخ يعني قوله: «أفلح وأبيه إن صدق»، وبكل حال يخرج هذا الحرف تخريجًا صحيحًا.
والبخاري: قد حذفها عمدًا وإلا هي قد وقعت له فإنه يروي هذا الحديث من طريق إسماعيل بن جعفر، فالبخاري حذفها عمدًا على طريقته أحيانًا في الاختصار وحذف بعض الألفاظ.
هذا الحديث فيه من الفوائد:
١ - بيان فرضية عدة أمور منها الصلاة وهي الصلوات الخمس وفرض صوم رمضان وكذلك الزكاة.
1 / 10
٢ - أن من اقتصر على الواجبات فهو من السعداء في الآخرة والناجين؛ لأن النبي ﷺ قال: «أفلح إن صدق» والفلاح هو القطع بالفوز ومنه قولهم: الحديد بالحديد يُفلّح أي: يقطع، فمن اقتصر على الواجبات وترك المحرمات فهو من الناجين يوم القيامة والسعداء غير أنه تفوته درجة السابقين، وأهل النجاة ثلاثة كما في قوله تعالى: ﴿ثُمَّ أَوْرَثْنَا الْكِتَابَ الَّذِينَ اصْطَفَيْنَا مِنْ عِبَادِنَا فَمِنْهُمْ ظَالِمٌ لِنَفْسِهِ وَمِنْهُمْ مُقْتَصِدٌ وَمِنْهُمْ سَابِقٌ بِالْخَيْرَاتِ بِإِذْنِ اللَّهِ ذَلِكَ هُوَ الْفَضْلُ الْكَبِيرُ﴾ [فاطر: ٣٢] فهؤلاء هم طائفة الناجين وهم:
(١) السابقون.
(٢) المقتصدون.
(٣) الظالمون لأنفسهم ظلمًا لا يصل إلى حد الشرك.
1 / 11
شرح الحديث الثاني: حديث ابن عمرو والحديث الثالث حديث عائشة:
المؤلف: ذكر صيام يوم عاشوراء من حديث ابن عمر وحديث عائشة، ولقد كان عاشوراء في أول الإسلام مأمورًا به إما أمر إيجاب وإما أمر استحباب، والصحيح أنه كان مأمورًا بصيام عاشوراء أمر إيجاب، فلما فرض رمضان ترك النبي ﷺ صيام عاشوراء أي ترك التشديد في صيامه والأمر به أمر إيجاب، وكان يصومه اليهود والمشركون، وكان المشركون يصومونه تبعًا لليهود، وكان تشبههم بأهل الكتاب كثيرًا بما عندهم من شرائع وذلك لأنهم كانوا مجاورين لهم.
الفوائد:
١ - بيان حصول النسخ في الشريعة، والنسخ هو رفع حكم شرعي بمقتضى دليل شرعي متأخر، وهذا ثابت في كتاب الله وسنة رسوله والأمر فيه معروف.
وأحوال النسخ ثلاثة:
أ- قد يكون النسخ من الأخف إلى الأثقل كما هو هنا فإنه نسخ صيام يوم واحد - وهو عاشوراء - إلى صيام رمضان شهر كامل.
ب- وقد يكون النسخ من الأثقل إلى الأخف كما في الدرجة الثانية في فرضية الصيام حيث كانوا منهيين عن الأكل والشرب إذا نام أحدهم بعد وقت الإفطار ثم نسخ بأن الليل كله محلٌّ للأكل والشرب.
ج- وقد يكون متساويًا في النسخ أي الحكم كما في مسألة القِبْلة، وكانوا مأمورين باستقبال بيت المقدس فأمروا بالتحول إلى الكعبة.
وأما الكلام على صيام عاشوراء فسيأتي مفصلًا في باب مستقل، والله أعلم.
1 / 12
٢ - باب فضل الصوم
١٧٩٥ - حدثنا عبد الله بن مسلمة عن مالك عن أبي الزناد عن الأعرج عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ ﵁:
أَنَّ رَسُولُ اللَّه ﷺ: «الصُّيَامُ جُنَّةٌ، فَلَا يَرْفُثْ وَلَا يَجْهَلْ وَإِنِ امْرُؤٌ قَاتَلَهُ أَوْ شَاتَمَهُ فَلْيَقُلْ إِنِّي صَائِمٌ مَرَّتَيْنِ وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَخُلُوفُ فَمِ الصَّائمِ أَطْيَبُ عِنْدَ اللهِ تَعَالَى مِنْ رِيحِ الْمِسْكِ، يَتْرُكُ طَعَامَهُ وَشَرَابَهُ وَشَهْوَتَهُ مِنْ أَجْلِي، الصِّيَامُ لِي وَأَنَا أَجْزِي بِهِ، وَالْحَسَنَةُ بِعَشْرِ أَمْثَالِهَا». [١٨٠٥، ٥٥٨٣، ٧٠٥٤، ٧١٠٠]
الشرح:
هذا الحديث أيضًا أخرجه مسلم من طريق أبي الزناد عن الأعرج عن أبي هريرة وقال أبو هريرة رواية ولم يذكر النبي ﷺ، ومعنى رواية أي أنه يبلغ بالحديث إلى النبي ﷺ فإذا جاء بالحديث وقال الصحابي: رواية أو قال: ينميه أو قال: يبلغ به أو يرفعه فهذه كلها من صيغ الرفع الحكمية وتأخذ حكم الرفع وفي هذا الحديث مصرح به أن رسول الله ﷺ قاله.
معاني المفردات:
الصيام جنة: الجنة هي الوقاية، والصوم جنة في الدنيا من الآثام، وفي الآخرة من النار.
الرفث: هو الجماع ودواعيه وقيل: ما يتعلق ببذاءة اللسان من رديء القول.
1 / 13
ولا يجهل: أي ولا يتعدى على أحد ولا يفعل فعل أهل السفه والجهل، والجهل هنا من الجهالة لا الجهل الذي هو ضد العلم ومن ذلك قول الشاعر:
ألا لا يجهلن أحد علينا ... فنجهل فوق جهل الجاهلينا
يعني لا يعتدي أحدٌ علينا فنعتدي عليه بأزيد مما اعتدى به علينا، والجهالة تطلق على المعصية لقوله تعالى: ﴿إِنَّمَا التَّوْبَةُ عَلَى اللَّهِ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السُّوءَ بِجَهَالَةٍ ثُمَّ يَتُوبُونَ مِنْ قَرِيبٍ﴾ [النساء: ١٧]، فكل من عصى الله فهو جاهل.
قوله: «وإن امرؤ قاتله» المقاتلة هي المضارية.
«شاتمه»: أي واجهه بالسب.
فليقل: «إني صائم» ظاهر هذا اللفظ أنه يجهر به لقوله: «فليقل» وهذا خلافٌ لمن قال: إنْ كان الصوم فرضًا فإنه يجهر، وإن لكان الصوم نفلًا فليسَّره فهذا التفريق لا دليل عليه، ونقول: إنَّ الأصل في كلمة «قال» و«يقول» الجهر، وعلى ذلك فليقل جهرًا: إني صائم مرتين وجاء أيضًا أن يقولها مرة واحدة، وجاء أيضًا أن يقولها مرة واحدة، وجاء أيضًا أنه يقول: «إني امرؤ صائم» فهذا الذي حفظ في السنة وأما قول البعض: «اللهم إني صائم» فهذا لا نعلم أنه جاء عن الرسول ﷺ.
وفي قول الإنسان لمن سابه أو شاتمه: «إني صائم» فيه فوائد:
١ - فيه الانتصار النفسي للشخص حينما يقول لشاتمه: إني صائم فهذا فيه نوع انتصار واستعلاء عن المواجهة بمثل هذا الخنا والقبح.
٢ - فيه توبيخ لهذا السابِّ والمقاتل.
1 / 14
وفي الحديث أيضًا: أن رائحة فم الصائم وهي خُلُوفُ فمه مع كون الإنسان ينفر منها ويكرهها؛ لأنها تشبه «البخر» وهو الداء المعروف فإنها عند الله أطيب من رائحة لامسك لأنها ناتجة عن أثر عبادة عظيمة.
واستنبط بعض أهل العلم من هذا الحديث كراهية الاستياك آخر النهار وهو وقت خروج هذه الرائحة الكريهة، فقال: ينبغي إبقاؤها لأنها محبوبة إلى الله.
والصحيح أن الأمر ليس كذلك؛ لأن السواك سنة مطلقة في أول النهار وآخره، وقد عقد المؤلف: بابًا ذكر فيه السواك للصائم وسوف يأتي الكلام عن هذا حينما يأتي هذا الباب.
وقد قيل: إن الرائحة تخرج وتنبعث من المعدة ولا علاقة لها بالسواك، وهذا فيه نظر؛ لأنه في الحديث قوله: «لخُلُوف فم الصائم» فالخُلوف في الفم ليس في غيره.
واستنبط بعض أهل العلم أنه في هذا الحديث يثبت لله صفة الشم، وقالوا: إن استطابة الروائح من الله تدل على اتصافه بهذه الصفة، ولكن قد يقال: إن هذا الحديث ليس بصريح في إثبات هذه الصفة، ومعلوم أن الصفات لابُدَّ في إثباتها أن تكون النصوص فيها صحيحة صريحة.
وأيضًا قد يكون إدراك الله لهذه الرائحة عن طريق العلم فإن الله يعلم بها، فيكون المعنى أن الله يعلم هذه الرائحة وهذا قول شيخنا ابن عثيمين ﵀، وبكل حال نقول: إن دل الحديث على هذه الصفة فنثبتها لله ﷿، وإن لم يدل عليها لا نثبتها وهذا القول الأخير هو قول شيخينا ابن باز وابن عثيمين رحمهما الله.
1 / 15
وفي هذا الحديث: تفاضل الأعمال وأن بعض الأعمال أفضل من بعض.
مسألة: هل استطابة فم الصائم في الحال أو المآل؟
الجواب: قال بعضهم: إن الاستطابة تكون في الحال وأنها أطيب عند الله في الحال، وقال بعضهم: إن هذه مثل دم الشهيد؛ فإن دم الشهيد يوم القيامة يكون لونه لون الدم وريحه ريح المسك؛ فقالوا: هذا الحديث المطلق إنما يكون في يوم القيامة يأتي بهذه الرائحة ويكون عند الله أطيب من ريح المسك، والله أعلم.
1 / 16
٣ - باب الصوم كفارة
حدثنا علي بن عبد الله حدثنا سفيان حدثنا جامع عن أبي وائل عن حذيفة قال: قال عمر ﵁ من يحفظ حديثنًا عن النبي ﷺ في الفتنة قال حذيفة: أنا سمعته يقول: «فِتْنَةُ الرَّجُلِ فِي أَهْلِهِ وَمَالِهِ وَجَارِهِ تُكَفِّرُهَا الصَّلاةُ وَالصَّدَقَةُ» قال: ليس اسأل عن ذه إنما اسأل عن التي تموج كما يموج البحر قال: وإن دون ذلك بابًا مغلقًا قال: فيفتح أو يكسر؟ قال: يكسر قال: ذاك أجدر أن لا يغلق إلى يوم القيامة. فقلنا لمسروق: سله أكان عمر يعلم من الباب؟ فسأله فقال: نعم كما يعلم أن دون غدٍ الليلة.
شرح الحديث:
«الباب» في الحديث المقصود به في قوله: «دون ذلك بابًا مغلقًا» عمر ابن الخطاب ﵁ كما قال حذيفة، وعمر كان يعلم ذلك.
«الكسر» هو القتل، ولهذا لما قتل عمر انفتحت أبواب الفتن على مصراعيها ولما قتل عثمان زادت الفتن وإلا فإن الفتن قد بدأت منذ مقتل عمر ﵁، وقد روي عنه أنه إذا بلغه منكر قال: أما وأنا وهشام بن حكيم أحياء فلا يكون (١). وكان هشام ممن ينكر المنكرات .. وقد صح عن عمر كما أخرجه وكيع في كتاب الزهد عن إسماعيل بن أبي خالد عن زيد بن وهب عن حذيفة «أن عمر سأله هل عدني رسول الله ﷺ في المنافقين» إسناده صحيح، فانظر إلى تكامل شخصية هذا الرجل فلله دره ﵁.
(١) وقال أسد السنة في عصره نحو هذه الكلمة، فقد سئل شيخنا إمام الدنيا في الزهد والسنة والأمر والنهي عن إحداث فصول مختلطة في بعض صفوف الابتدائية فقال: سمعنا هذا، ولكن لا يكون إن شاء الله.
1 / 17
الفوائد:
١ - ما ترجم له المؤلف وهو أن الصوم كفارة وذلك لأنه قال: «فتنة الرجل في أهله» والمقصود بالفتنة هنا الخطايا المتعلقة بالأهل والمال، مثل أن يسب أولاده أو عبيده أو أهله أو جيرانه أو يخطئ عليهم من الأخطاء الصغيرة، فإن هذه من الصغائر تكفِّرها الصلاة والصيام والصدقة وقد تعمل هذه الأعمال الصالحة فتكفر الكبائر على القول المرجح فتخففها؛ بل إذا كانت الأعمال الصالحة كبارًا قد تمحوها أصلًا إذا كانت تتعلق بين العبد وربه، فكبار الأعمال الصالحة قد تمحو الكبائر، وصغار الأعمال تمحو الصغائر، ففيه أن الصوم مع كونه ثوابًا وطاعة فإن يكفر الخطايا، ولكن قال شيخ الإسلام وغيره من أهل العلم: إن الذي يعمل في السيئات ويكفرها من الأعمال الصالحة من الصلاة والصيام والصدقة والحج هو المقبول منها فقط هو الذي يُكَفَّرُ، وأما العمل الذي وقع فيه النقص أو لم يكن فيه إقبال من صاحبه فحسبه أن ينجو كفافًا رأسًا برأس، ويسلم من الحساب فكيف يكون بعد ذلك مكفرًا له؟! وقد تكلمنا في مذاهب العلماء في تكفير الأعمال الصالحة للسيئات وبسطنا المقام في كتابنا «نفح العبير» «ج٣/ ٢٤» فارجع إليه إن شئت.
1 / 18
٤ - باب الريان للصائمين
١٧٩٧ - حدثنا خالد بن مخلد حدثنا سليمان بن بلال قال: حدثني أبو حازم عن سهل ﵁،
عن النبي ﷺ قال: «إِنَّ فِي الْجَنَّةِ بَابًا يُقَالُ لَهُ الرَّيَّانُ يَدْخُلُ مِنْهُ الصَّائِمُونَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ لَا يَدْخُلُ مِنْهُ أَحَدٌ غَيْرُهُمْ يُقَالُ أَيْنَ الصَّائِمُونَ فَيَقُومُونَ لَا يَدْخُلُ مِنْهُ أَحَدٌ غَيْرُهُمْ فَإِذَا دَخَلُوا أُغْلِقَ فَلَمْ يَدْخُلْ مِنْهُ أَحَدٌ». [٣٠٨٤]
١٧٩٨ - حدثنا إبراهيم بن المنذر قال: حدثني معن قال: حدثني مالك عن ابن شهاب عن حميد بن عبد الرحمن عن أبي هريرة ﵁:
أن رسول الله ﷺ قال: «مَنْ أَنْفَقَ زَوْجَيْنِ فِي سَبِيلِ اللَّهِ نُودِيَ مِنْ أَبْوَابِ الْجَنَّةِ يَا عَبْدَ اللَّهِ هَذَا خَيْرٌ، فَمَنْ كَانَ مِنْ أَهْلِ الصَّلَاةِ دُعِيَ مِنْ بَابِ الصَّلَاةِ وَمَنْ كَانَ مِنْ أَهْلِ الْجِهَادِ دُعِيَ مِنْ بَابِ الْجِهَادِ وَمَنْ كَانَ مِنْ أَهْلِ الصِّيَامِ دُعِيَ مِنْ بَابِ الرَّيَّانِ وَمَنْ كَانَ مِنْ أَهْلِ الصَّدَقَةِ دُعِيَ مِنْ بَابِ الصَّدَقَةِ».
فقال أبو بكر ﵁: بأبي أنت وأمي يا رسول الله ما على من دعي من تلك الأبواب من ضرورة فهل يدعى أحد من تلك الأبواب كلها؟ قال: «نَعَمْ وَأَرْجُو أَنْ تَكُونَ مِنْهُمْ». [٣٤٦٦]
الشرح:
باب الريان: يدخل منه الصائمون إلى الجنة من جميع الأمم، من هذه الأمة
1 / 19
وغيرها والجنة لها ثمانية أبواب، كما في حديث عقبة بن عامر عن عمر فيمن توضأ وأحسن الوضوء وقال: «أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله إلا فتحت أبواب الجنة الثمانية يدخل من أيها شاء».
وأحد هذه الأبواب الثمانية هو باب الريان، وفي حديث حميد بن عبد الرحمن عن أبي هريرة أن فيها باب الصلاة وباب الجهاد وباب الصدقة.
وجاء في حديث أبي الدرداء أنه قال: سمعت رسول الله ﷺ يقول: «الوالد أوسط أبواب الجنة» فالخلاصة أن أبواب الجنة ثمانية صح تسمية بعضها وينظر في الباقي.
وناسب باب الصيام أن يسمى باب الريان ولم يناسب أن يسمى باب الصيام؛ لأن الصيام هو الإمساك والحبس وقد كان التكليف في الدنيا والانقطاع عن المحبوبات أما في الآخرة فهي دار الجزاء وتنعيم الطائعين والريان هو الري الكثير يحتمل أن يكون هذا باب الري الكثير أو باب الشخص الريان، والظاهر - والله أعلم - أنه باب الرس الكثير.
قوله: «من أنفق زوجين في سبيل الله» المراد بالزوجين هنا اثنين لقوله تعالى: ﴿احْمِلْ فِيهَا مِنْ كُلٍّ زَوْجَيْنِ اثْنَيْنِ﴾ فلا يقال لزوج: اثنين بل يقال لزوج: واحد ولزوجين: اثنين وهذا هو التحرير في هذه المسألة فيكون المعنى أنفق زوجين في سبيل الله مثل تفاحتين وتمرتين وغيرهما، فإنه ينادى من أبواب الجنة يا عبد الله هذا خير يعني: الواقفين من الملائكة على الأبواب يقولون: تعال ينادون إلى بابهم يكرمونهم بذلك يا عبد الله هذا خير فيحبون أن يدخل من عندهم أي يحبون أن يدخل من الباب الذي يليهم.
1 / 20
قوله: «فإن كان من أهل الصلاة» المراد بأهل الصلاة أي أهل الإكثار منها وإلا لابد أن يقوم بالأعمال الأخرى من فرائض الإسلام وشرائع الدين، ولكنه له عناية وإكثار ومحبة لهذه الصلاة فصار من أهل الصلاة فيدعي من باب الصلاة.
قوله: «وإن كان من أهل الجهاد» يعني مكثر من الجهاد فإنه يدعى من باب الجهاد، وهكذا في الصيام يدعى من باب الريان وإن كان من أهل الصدقة فيدعى من باب الصدقة.
قوله: «قال أبو بكر: بأبي أنت وأمي» يعني أفديك بأبي أنت وأمي يا رسول الله وذلك؛ لأن حق رسول الله ﷺ أعظم وأولى من حق الأبوين فالتفدية بالأبوين لا تجوز إلا لرسول الله ﷺ؛ لأنه حقه فوق حق الأبوين أما غير رسول الله فإنه لا يجوز أن يفدى بالأب والأم؛ لأن حق الأبوين فوق آحاد الناس ولو كان من أصلح الناس.
وقال بعضهم: إنه يجوز أن يقال: فلان فداه أبي وأمي وأن هذا مما يجري على اللسان ولا يراد قصده كقوله: «تربت يمينه» وغيرها.
والصحيح أنها لا تطلق إلا على رسول الله ﵊.
مسألة: فإن قيل: أن رسول الله قال: «ارم سعدًا فداك أبي وأمي» فهو فدّى بعض أصحابه بأبويه؟
الجواب: نقول: أبواه ﷺ ماتا على دين قومهما فناسب أن يفدي بهما مسلمًا، هذا هو الصحيح.
قوله: «ما على من دعي من تلك الأبواب من ضرورة ... الخ» يعني أنه
1 / 21
قد يدعى أحد من تلك الأبواب الثمانية جميعًا وهو المكثر من الصلاة والصدقة والجهاد فهو يدعى من تلك الأبواب كلها، ولكن لا يدخل إلا من باب واحد ولكن حصل له التكريم بالدعوى من تلك الأبواب كلها.
1 / 22
٥ - باب يقال رمضان أو شهر رمضان؟ ومن رأى كله واسعًا
وقال النبي ﷺ: «مَنْ صَامَ رَمَضَانَ» [ر ١٨٠٢]
وقال: «لاَ تَقَدَّمُوا رَمَضَانَ» [ر ١٨١٥]
١٧٩٩/ ١٨٠٠ حدثنا قتيبة حدثنا إسماعيل بن جعفر عن أبي سهيل عن أبيه عن أبي هريرة ﵁:
أن رسول الله ﷺ قال: «إِذَا جَاءَ رَمَضَانَ فُتّحَتْ أَبْوَابُ الْجَنّةِ».
(١٨٠٠) - حدثني يحيى بن بكير قال: حدثني الليث عن عقيل عن ابن شهاب قال: أخبرني ابن ابي أنس مولى التيميين أن أباه حدثه أنه سمع أبا هريرة ﵁ يقول: قال رسول الله ﷺ: «إِذَا دَخَلَ شَهْرُ رَمَضَانُ فُتّحَتْ أَبْوابُ السَّمَاءِ، وَغُلّقَتْ أَبْوابُ جَهَنّمَ، وَسُلْسِلَتِ الشّياطِينُ». [٣١٠٣]
١٨٠١ - حدثنا يحيى بن بكير قال: حدثني الليث عن عقيل عن ابن شهاب قال: أخبرني سالم بن عبد الله بن عمر أن ابن عمر ﵁ قال:
سمعت رسول الله ﷺ يقول: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ يَقُولُ: «إذَا رَأَيْتُمُوهُ فَصُومُوا وَإِذَا رَأَيْتُمُوهُ فَأَفْطِرُوا فَإِنْ غُمَّ عَلَيْكُمْ فَاقْدُرُوا لَهُ».
وقال غيره عن الليث: حدثني عقيل ويونس: لهلال رمضان. [١٨٠٧، ١٨٠٩، ١٨١٤، ٤٩٩٦].
1 / 23