Sharḥ Ṣaḥīḥ Muslim - Ḥasan Abūʾl-Ashbāl
شرح صحيح مسلم - حسن أبو الأشبال
Genres
تحريم طاعة ولي الأمر في معصية الله وبيان حكم الخروج عليه
هناك فرق بين أمرين: الأمر الأول: تحريم طاعتهم في معصية الله.
الأمر الثاني: والخروج عليهم، فما دام هذا الأمر الموجه إلي بمعصية الله ليس أمرًا يؤدي إلى الكفر البواح -أي: المخرج من الملة- وما دام الوالي موحدًا فلا يجوز الخروج عليه البتة؛ لذا يا إخواني! لا بد أن نفرّق بين أمرين: أن يأمرني الوالي أو السلطان أو الحاكم بأمر فيه معصية لله فحينئذ يحرم عليّ طاعته في هذا الأمر، لكن أمره بمعصية الله لا يسوغ لي الخروج عليه وقتاله ما لم يكفر بذلك كفرًا مخرجًا من الملة، وقد تظاهرت الأحاديث بمعنى ما ذكرت، وأجمع عليه أهل السنة، أنه لا ينعزل السلطان بالفسق أو مجرد الظلم، وأما الوجه المذكور في كتب الفقه لبعض الشافعية أنه ينعزل فهو محكي عن المعتزلة لا عن أهل السنة، ومع ذلك فهو غلط من المعتزلة، ومخالف لإجماع العلماء.
قال النووي: (وسبب عدم انعزاله وتحريم الخروج عليه ما يترتب على ذلك من الفتن وإراقة الدماء، وفساد ذات البين، فتكون المفسدة في عزله أكثر منها في بقائه).
فالوالي إما أن يكون كافرًا كفرًا مخرجًا من الملة، وإما أن يكون ظالمًا أو فاسقًا ليس كافرًا، أو يكون مؤمنًا موحدًا، فإذا أمر بمعصية الله تعالى ففي كل هذه الأحوال يحرم طاعته، وفرق بين عدم طاعته فيما أمر بمعصية الله وبين الخروج عليه، فلا يحل الخروج عليه ولا قتاله لمجرد كونه ظالمًا أو فاسقًا؛ لأن الخروج عليه وقتاله يؤدي إلى مفسدة عظيمة جدًا وإراقة للدماء، فلو بقي في مكانه مع فسقه وظلمه لكان ذلك أحقن لدماء المسلمين، وأقل خطرًا من الخروج عليه بالقتال أو المحاربة.
(قال القاضي عياض: أجمع العلماء على أن الإمامة لا تنعقد لكافر).
وهذا من مسائل الإجماع، لقول الله تعالى: ﴿وَلَنْ يَجْعَلَ اللَّهُ لِلْكَافِرِينَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ سَبِيلًا﴾ [النساء:١٤١] فلا يولى كافر قط على مسلم، ولذلك إذا أسلمت امرأة كافرة ولم يُسلم من أوليائها أحد، تولّت آحادًا من المسلمين، رجلًا من أصحاب الوجاهة كالعالم أو السلطان أو القاضي أو غير ذلك لا بد أن تتخذ لها وليًا في الزواج من المسلمين، أما أن تزوج نفسها أو تتخذ لها وليًا من الكافرين من أوليائها فلا وألف لا.
قال: (أجمع العلماء على أن الإمامة لا تنعقد لكافر، وعلى أنه لو طرأ عليه الكفر انعزل).
إذًا: يحرم ابتداءً عقد الولاية لكافر، وإذا كان مسلمًا فطرأ عليه الكفر في أثناء الولاية وجب على المسلمين عزله عن هذه الولاية.
قال: (وكذلك لو ترك إقامة الصلوات والدعاء إليها).
يعني: لو أمر أمته بأن لا تصلي، أو أغلق في وجهها المساجد، أو جعل المساجد كنائس، أو غير ذلك من الأماكن العامة أو الخاصة فحينئذ وجب عزله.
قال: (وكذلك عند جمهورهم -أي جمهور العلماء- صاحب البدعة).
أي: الوالي صاحب البدعة.
(وقال بعض البصريين: تنعقد لصاحب البدعة الإمامة ابتداءً، وتستدام له -أي: يستمر فيها ما دامت بدعته لا يكفر بها- لأنه متأول).
أي: يظن أنه على الحق.
(قال القاضي عياض: فلو طرأ عليه كفر أو تغيير للشرع -تغيير عام للشرع كله- أو بدعة خرج عن حكم الولاة، وسقطت طاعته، ووجب على المسلمين القيام عليه وخلعه حينئذ).
لكن هذا القيام وإسقاط الولاية يجب أول ما يجب على أهل الحل والعقد، والخطاب يوجه إلى الأمة في صورة أهل الحل والعقد.
قال: (ووجب عليهم نصب إمام عادل إن أمكنهم ذلك، فإن لم يقع ذلك إلا لطائفة وجب عليهم القيام بخلع الكافر، ولا يجب في المبتدع إلا إذا ظنوا القدرة عليه، فإن تحققوا العجز لم يجب القيام).
فإن تحققوا من عجزهم وعدم نجاحهم في خلع هذا الكافر أو المبتدع بدعة مكفرة حينئذ لا يجب القيام.
قال: (وليهاجر المسلم عن أرضه إلى غيرها، ويفر بدينه، ولا تنعقد لفاسق ابتداء، فلو طرأ على الخليفة فسق قال بعضهم: يجب خلعه إلا أن تترتب عليه فتنة وحرب.
وقال جماهير أهل السنة من الفقهاء والمحدثين والمتكلمين: لا ينعزل للفسق والظلم وتعطيل الحقوق، وإنما ينعزل بالكفر، ولا يخلع ولا يجوز الخروج عليه بذلك، بل يجب وعظه وتخويفه؛ للأحاديث الواردة في ذلك.
قال القاضي: وقد ادعى أبو بكر بن مجاهد في هذا الإجماع، وقد رد عليه بعضهم هذا بقيام الحسن وابن الزبير وأهل المدينة على بني أمية، وبقيام جماعة عظيمة من التابعين والصدر الأول على الحجاج بن يوسف الثقفي مع ابن الأشعث وغير ذلك.
وتأول هذا القائل قوله: ألا ننازع الأمر أهله في أئمة العدل).
أي: بايعنا رسول الله ألا ننازع الأمر أهله العدول، أما إذا كفروا أو فسقوا فينازعوهم الأمر.
قال: (وحجة الجمهور أن قيامهم على الحجاج ليس بمجرد الفسق؛ بل لما غيّر من الشرع وظاهر من الكفر.
قال القاضي: وقيل: إن هذا الخلاف كان أولًا، ثم حصل الإجماع على منع الخروج عليهم.
والله أعلم.
وأنتم تعلمون أن الإجماع بعد الخلا
20 / 19