205

Explanation of Lāmiyya by Ibn Taymiyyah

شرح لامية ابن تيمية

Genres

مذهب المعتزلة في كلام الله والرد عليهم أما المعتزلة فيذهبون إلى أن كلام الله مخلوق من مخلوقات الله تعالى، وهذا الكلام باطل لا شك في بطلانه، ويستدلون لذلك بدليل من القرآن، ولا شك أن لهؤلاء قاعدة يقولون: (إن أهل السنة والجماعة يوفقون بين النصوص، أما المبتدعة فإنهم يضربون النصوص بعضها ببعض) وهذه من رحمة الله تعالى أن وفق أهل السنة والجماعة للتوفيق بين النصوص، ولا يعارضون بعضها ببعض. ومما استدل به هؤلاء قالوا: قول الله تعالى: ﴿اللَّهُ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ﴾ [الزمر:٦٢] ويسألون: أليس القرآن شيئًا؟ نقول: نعم، قالوا: إذًا هو مخلوق، وكلامهم هذا لا شك في بطلانه، وبطلانه من القرآن ومن سنة النبي ﷺ واضح وبين، فقول الله تعالى: ﴿اللَّهُ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ﴾ [الزمر:٦٢] نجد أن (كل) لا تدل على العموم على إطلاقها، والدليل على ذلك قول الله تعالى: ﴿تُدَمِّرُ كُلَّ شَيْءٍ بِأَمْرِ رَبِّهَا فَأَصْبَحُوا لا يُرَى إِلَّا مَسَاكِنُهُمْ﴾ [الأحقاف:٢٥] فهل دمرت المساكن؟ وهل دمرت السماوات والأرض؟ لا، وإنما تدمر كل شيء أمر الله بتدميره، ولذلك قال الله تعالى: ﴿فَأَصْبَحُوا لا يُرَى إِلَّا مَسَاكِنُهُمْ﴾ [الأحقاف:٢٥] أي: مساكنهم هي التي بقيت ولم يحدث فيها شيء من التدمير. ثم نقول: في قوله: ﴿اللَّهُ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ﴾ [الزمر:٦٢] (كل) ليس على إطلاقها، وإنما ترد في بعض الأحيان، وبعضها لا ترد على إطلاقها، نجد أن قول الله تعالى: ﴿وَأُوتِيَتْ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ وَلَهَا عَرْشٌ عَظِيمٌ﴾ [النمل:٢٣] أوتيت من كل شيء، هل الآن أوتيت ملك سليمان ﵇؟ لا، هل أوتيت ملك السماوات والأرض؟ لا، إنما أوتيت من كل شيء يحتاج إليه الملوك من القوة والجبروت والسلاح والطاعة وغير ذلك، لكنها لم تؤت ملك سليمان ﵊، فأصبحت الآن (كل) في كل موضع بحسبها تعرف بما دلت عليه القرائن، وليس على إطلاقه كما قال هؤلاء. الآن قوله تعالى: ﴿اللَّهُ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ﴾ [الزمر:٦٢] الأصل عندنا (كل شيء) أي: مخلوق، والكلام صفة لله تعالى وصفات الله ليست مخلوقة. ثم لو جئنا الآن على إطلاق هؤلاء المعتزلة قبحهم الله ماذا يلزمهم، نسألهم: السمع شيء أم ليس شيئًا؟ البصر شيء أم ليس شيئًا؟ فإن قالوا: شيء قلنا: إذًا يصبح مخلوقًا، وهم لا يقولون به، فلو أجرينا الكلام على قاعدتهم، للزم عليه أن يكون سمع الله وكلام الله ويد الله وقدرة الله وقدم الله كلها مخلوقة، وهذا الكلام باطل، بل إن الله ﷾ كما أن ذاته ليست مخلوقة فكذلك صفاته تليق بجلاله وعظمته ليست مخلوقة، فبطل ما قال هؤلاء. ومما استدل به هؤلاء قوله تعالى: ﴿إِنَّهُ لَقَوْلُ رَسُولٍ كَرِيمٍ﴾ [الحاقة:٤٠] قالوا: إن الله قد قال: ﴿إِنَّهُ لَقَوْلُ رَسُولٍ كَرِيمٍ﴾ [الحاقة:٤٠] والرسول مخلوق أم ليس مخلوقًا؟ نقول: نعم مخلوق، قالوا: إذًا هذا (قوله) فهو مخلوق، ولكن هذا الاستدلال باطل، وقد ذكرنا أن القرآن أضيف إلى الله، وأضيف إلى الرسول ﷺ، وأضيف إلى جبريل، وقلنا: إن إضافته إلى الله إضافة حقيقة؛ لأنه هو المتكلم به، وإضافته إلى جبريل وإضافته إلى محمد ﷺ إضافة تبليغ وليس إضافة ابتداء. ثم نسأل: ﴿إِنَّهُ لَقَوْلُ رَسُولٍ كَرِيمٍ﴾ [الحاقة:٤٠] هذا القرآن إذا كان مخلوقًا كيف يكون مخلوقًا في وقت واحد في جبريل وفي محمد؟ هذا الكلام غير صحيح، ولكن إذا قلنا: إن جبريل ومحمدًا مبلغون له، فلا شك أنه هو قولهم على اعتبار قضية التبليغ. عندنا الله ﷾ كفَّر من قال: إنه قول البشر، ولذلك بين تكفيره في سورة المدثر، فلو قيل: إنه قول بشر للزم أن يكون من قال به كافرًا، وهذا الكلام غير صحيح، بل كلام الله منه ابتدأ ﷾، أي: أن الله هو المبتدئ له وهو القائل له ﷾، ليس كما قاله هؤلاء المبتدعة. ثم نجد أن الرسول ﷺ كان يقول للعرب حين يعرض نفسه على القبائل: (ألا رجل يحملني إلى قومه لأبلغ كلام ربي) ما قال: كلامي أنا، وإنما كان يريد أن يبلغ كلام الله ﷾، ولذلك حصل فيه قضية التبليغ، ولم يحدث شيئًا من عنده، بل إن الله قد قال: ﴿وَلَوْ تَقَوَّلَ عَلَيْنَا بَعْضَ الْأَقَاوِيلِ * لَأَخَذْنَا مِنْهُ بِالْيَمِينِ * ثُمَّ لَقَطَعْنَا مِنْهُ الْوَتِينَ﴾ [الحاقة:٤٤-٤٦] فلو كان محمد أحدث شيئًا ولو حرفًا واحدًا فقد أخبر الله تعالى أنه سيأخذ منه الوتين، ثم لم يكن أحد من الخلق حاجزًا عنه أن يؤتيه عقوبة من عند الله تعالى بسبب أنه زاد شيئًا من عنده. هذا بعض ما يتعلق ببعض أدلة الأشاعرة والمعتزلة.

12 / 5