Explanation of Al-Bayquniyyah - Muhammad Hassan Abdul Ghaffar
شرح البيقونية - محمد حسن عبد الغفار
Genres
شرح المنظومة البيقونية - مدخل إلى علم المصطلح
علم الحديث من أشرف العلوم، وهو أنواع كثيرة فصلها أهل العلم، ومعرفة علومه من أهم ما يجب على طالب العلم، حتى يعرف الصحيح والحسن والضعيف والموضوع، ويعرف أنواع الأسانيد، ومراتب الرواة، وكيفية التحمل والأداء، وغير ذلك مما يدرس في علم مصطلح الحديث.
1 / 1
شرف علم الحديث
إن الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا، وسيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله.
﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ﴾ [آل عمران:١٠٢].
﴿يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا﴾ [النساء:١].
﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا﴾ [الأحزاب:٧٠ - ٧١].
أما بعد: فإن أصدق الحديث كتاب، الله وأحسن الهدي هدي محمد ﷺ، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار.
ثم أما بعد: فنبدأ في شرح المنظومة البيقونية للشيخ طه بن محمد البيقوني.
قال الناظم ﵀: [أبدأ بالحمد مصليًا على محمد خير نبي أرسلا وذي من اقسام الحديث عده وكل واحد أتى وحده أولها الصحيح وهو ما اتصل إسناده ولم يشذ أو يعل يرويه عدل ضابط عن مثله معتمد في ضبطه ونقله] علم الحديث علم شريف، قال علماؤنا: أشرف الناس على الإطلاق هم الذين يكثرون من الصلاة على النبي ﷺ، وهؤلاء هم أهل الحديث، فما من كتابة حديث أو إلقاء حديث أو إملاء حديث إلا وهم يصلون على رسول الله ﷺ، وقد قال النبي ﷺ: (من صلى علي مرة صلى الله بها عليه عشرًا).
وقال النبي ﷺ: (لا تزال طائفة من أمتي على الحق ظاهرين)، قال بعض العلماء: هم أهل الحديث، وهم الطائفة المنصورة، وهم الذين يرفع الله ذكرهم.
والحديث له إسناد ومتن، فمثلًا: قول النبي ﷺ: (من كذب علي متعمدًا فليتبوأ مقعده من النار)، هذا متن وله إسناد.
فعلم الحديث علم دراية ورواية، فعلم الرواية هو علم الإسناد؛ ينظرون في إسناد الحديث من المصنف إلى الصحابي، مثلًا يروي البخاري عن عبد الله بن مسلمة القعنبي عن مالك عن نافع عن ابن عمر.
فهذه سلسلة الإسناد يعتني بها أهل الحديث، وبينوا في علم الرجال حال الرواة من التوثيق والتضعيف حتى يحفظوا حديث النبي ﷺ.
والإسناد خصيصة فاضلة لهذه الأمة وليست لغيرها من الأمم السابقة؛ لأن له قيمة كبرى في دين الله ﷿، ولهذا سميت الأمة الإسلامية بأمة الإسناد، ولا تجد أمة من الأمم لها إسناد، ولا يروون كتابهم عن نبيهم بإسناد متصل، فمثلًا الإنجيل إسناده منقطع بعدة قرون بين الذي يروي الإنجيل وبين عيسى ﵇، وكذلك موسى ﵇.
1 / 2
جهود علماء الحديث في حفظ السنة
إن الله امتن على هذه الأمة بأن خلق جهابذة يعيشون لهذه السنة ويحفظونها، قال الله تعالى: ﴿إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ﴾ [الحجر:٩]، فكانوا يعتنون بالرجال الذين يروون حديث النبي ﷺ، فمنهم من أنفق كل ماله، ومنهم من أنفق عمره وجهده، وأسهر ليله، وأتعب نفسه من أجل هذا الإسناد.
فمثلًا يحيى بن معين كان رجلًا فاضلًا فحلًا في علم الأسانيد وعلم النقد والرجال، كان يمتلك ألف ألف درهم أو ألف ألف دينار فأنفقها عن بكرة أبيها في علم الإسناد، وكان يجوب مشارق البلاد ومغاربها حتى ينقي حديث النبي ﷺ، ويعلم من الثقة الذي يأخذ منه الحديث ومن الضعيف الذي لا يأخذ منه الحديث.
ومن ذلك القصة المشهورة عن البخاري عندما دخل بغداد، وهذه القصة قال الحافظ ابن حجر: إسنادها فيه كلام، لكن هذه القصة تبين لك أن المحدثين كانوا يعتنون جدًا بضبط المحدث وعدالة المحدث.
لما دخل البخاري عليهم قلبوا له الأسانيد والمتون في مائة حديث؛ يأخذون إسناد الحديث الأول ويجعلونه لمتن الثاني، ومتن الثاني يجعلونه في إسناد الأول إلى آخر المائة حديث، والتف الناس حول البخاري يسمعون عنه، فصيته قد وصل إليهم، فوقف أمامهم وكل منهم يسرد عليه عشرة أحاديث، والبخاري في كل حديث يقول: هذا الحديث لا أعرفه، فقال الأغرار الأغمار الذين لا يعرفون عن العلم شيئًا: هذا البخاري من أجهل الناس، ما من حديث يمر عليه إلا ويقول: لا أعرفه! ثم بعدما انتهت المائة قال البخاري: انتهيتم؟ قالوا: نعم، فقال للأول: أما أحاديثك فالأسانيد كذا والمتون كذا، فأخذ متون هذه الأسانيد فركبها تركيبًا صحيحًا، ثم أخذ العشرة الثانية ثم الثالثة ثم الرابعة، إلى تمام المائة.
قال الحافظ ابن حجر: ليس العجب من أن البخاري يعلم بأن الأحاديث مركبة في غير أسانيدها؛ لأن له حافظة قوية، وإنما العجب كل العجب أن يحفظ العشرة الأولى والعشرة الثانية والثالثة إلى تمام المائة، ثم يأتي بالمتون الصحيحة فيركبها على الأسانيد الصحيحة!! وقد كان دأب المحدثين اختبار المحدث في ضبطه وإتقانه، من ذلك أن يحيى بن معين عندما دخل على الفضل بن دكين وهو ثقة ثبت حافظ، فسأله يحيى عن بعض الأحاديث، فكان يسرد الأحاديث فانتبه وقال: أدخل علي في حديث، ثم وقف فنظر إلى أحمد بن حنبل فقال له: أنت أورع من أن تفعل ذلك، ثم نظر إلى يحيى بن معين فرفسه برجله فألقاه في الأرض وقال: أنت تجرؤ على ذلك، فلما لامه أحمد بن حنبل قال: دع قولك، والله لرفسته عندي أفضل من مائة حديث أحفظه؛ لأنه تأكد أن هذا جهبذ يحفظ للأمة حديث النبي ﷺ.
وللمحدثين طرق يعدلون بها الراوي أو يضعفونه، منها أن ينظروا إلى حفظ الراوي، فأنفقوا الغالي والنفيس من أجل حفظ حديث النبي ﷺ، ومنهم أبو حاتم وأبو زرعة الرازي وعلي بن المديني ويحيى بن معين ويحيى بن سعيد القطان وشعبة، فهؤلاء وغيرهم اهتموا جدًا بعلم الحديث، وصنفوا في ذلك كتب الجرح والتعديل.
فـ علي بن المديني صنف كتبًا في علل الحديث، وابن القطان أيضًا له كلام في الجرح والتعديل، وصنف أبو زرعة، وصنف ابن أبي حاتم، ونقل أقوال أبي زرعة وأقوال أبيه أبي حاتم في كتابه الجرح والتعديل، والبخاري صنف كتاب التاريخ الكبير وكتاب التاريخ الصغير.
فكانوا يهتمون برجال الإسناد، وكانوا يقولون: سموا لنا رجالكم، حتى نرى هل هذا الحديث يمكن أن ينسب للنبي ﷺ أم لا.
قال عبد الله بن المبارك: الإسناد من الدين، ولولا الإسناد لقال من شاء ما شاء.
وقال ابن سيرين: كانوا في الزمن الأول لا يسألون عن الإسناد، فلما وقعت الفتنة سألوا عن الإسناد؛ لكي يأخذوا أحاديث أهل السنة ويتركوا أحاديث أهل البدعة.
وقد بذل المحدثون غاية الجهد في تتبع الأسانيد وتقصيها حتى رحلوا من أجلها في البلاد، وجابوا الآفاق لكي يعثروا على الإسناد، وقد لاقوا المشاق والمصاعب في هذه الرحلات.
قال الإمام النووي: علم الحديث علم شريف يناسب مكارم الأخلاق ومحاسن الشيم، وهو من علوم الآخرة لا من علوم الدنيا، ومن حرمه فقد حرم خيرًا كثيرًا، ومن رزقه الله هذا العلم فقد نال فضلًا جزيلًا.
1 / 3
تدوين السنة النبوية
إن الله امتن على هذه الأمة بأن خلق جهابذة يعيشون لهذه السنة ويحفظونها، قال الله تعالى: ﴿إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ﴾ [الحجر:٩]، فكانوا يعتنون بالرجال الذين يروون حديث النبي ﷺ، فمنهم من أنفق كل ماله، ومنهم من أنفق عمره وجهده، وأسهر ليله، وأتعب نفسه من أجل هذا الإسناد.
فمثلًا يحيى بن معين كان رجلًا فاضلًا فحلًا في علم الأسانيد وعلم النقد والرجال، كان يمتلك ألف ألف درهم أو ألف ألف دينار فأنفقها عن بكرة أبيها في علم الإسناد، وكان يجوب مشارق البلاد ومغاربها حتى ينقي حديث النبي ﷺ، ويعلم من الثقة الذي يأخذ منه الحديث ومن الضعيف الذي لا يأخذ منه الحديث.
ومن ذلك القصة المشهورة عن البخاري عندما دخل بغداد، وهذه القصة قال الحافظ ابن حجر: إسنادها فيه كلام، لكن هذه القصة تبين لك أن المحدثين كانوا يعتنون جدًا بضبط المحدث وعدالة المحدث.
لما دخل البخاري عليهم قلبوا له الأسانيد والمتون في مائة حديث؛ يأخذون إسناد الحديث الأول ويجعلونه لمتن الثاني، ومتن الثاني يجعلونه في إسناد الأول إلى آخر المائة حديث، والتف الناس حول البخاري يسمعون عنه، فصيته قد وصل إليهم، فوقف أمامهم وكل منهم يسرد عليه عشرة أحاديث، والبخاري في كل حديث يقول: هذا الحديث لا أعرفه، فقال الأغرار الأغمار الذين لا يعرفون عن العلم شيئًا: هذا البخاري من أجهل الناس، ما من حديث يمر عليه إلا ويقول: لا أعرفه! ثم بعدما انتهت المائة قال البخاري: انتهيتم؟ قالوا: نعم، فقال للأول: أما أحاديثك فالأسانيد كذا والمتون كذا، فأخذ متون هذه الأسانيد فركبها تركيبًا صحيحًا، ثم أخذ العشرة الثانية ثم الثالثة ثم الرابعة، إلى تمام المائة.
قال الحافظ ابن حجر: ليس العجب من أن البخاري يعلم بأن الأحاديث مركبة في غير أسانيدها؛ لأن له حافظة قوية، وإنما العجب كل العجب أن يحفظ العشرة الأولى والعشرة الثانية والثالثة إلى تمام المائة، ثم يأتي بالمتون الصحيحة فيركبها على الأسانيد الصحيحة!! وقد كان دأب المحدثين اختبار المحدث في ضبطه وإتقانه، من ذلك أن يحيى بن معين عندما دخل على الفضل بن دكين وهو ثقة ثبت حافظ، فسأله يحيى عن بعض الأحاديث، فكان يسرد الأحاديث فانتبه وقال: أدخل علي في حديث، ثم وقف فنظر إلى أحمد بن حنبل فقال له: أنت أورع من أن تفعل ذلك، ثم نظر إلى يحيى بن معين فرفسه برجله فألقاه في الأرض وقال: أنت تجرؤ على ذلك، فلما لامه أحمد بن حنبل قال: دع قولك، والله لرفسته عندي أفضل من مائة حديث أحفظه؛ لأنه تأكد أن هذا جهبذ يحفظ للأمة حديث النبي ﷺ.
وللمحدثين طرق يعدلون بها الراوي أو يضعفونه، منها أن ينظروا إلى حفظ الراوي، فأنفقوا الغالي والنفيس من أجل حفظ حديث النبي ﷺ، ومنهم أبو حاتم وأبو زرعة الرازي وعلي بن المديني ويحيى بن معين ويحيى بن سعيد القطان وشعبة، فهؤلاء وغيرهم اهتموا جدًا بعلم الحديث، وصنفوا في ذلك كتب الجرح والتعديل.
فـ علي بن المديني صنف كتبًا في علل الحديث، وابن القطان أيضًا له كلام في الجرح والتعديل، وصنف أبو زرعة، وصنف ابن أبي حاتم، ونقل أقوال أبي زرعة وأقوال أبيه أبي حاتم في كتابه الجرح والتعديل، والبخاري صنف كتاب التاريخ الكبير وكتاب التاريخ الصغير.
فكانوا يهتمون برجال الإسناد، وكانوا يقولون: سموا لنا رجالكم، حتى نرى هل هذا الحديث يمكن أن ينسب للنبي ﷺ أم لا.
قال عبد الله بن المبارك: الإسناد من الدين، ولولا الإسناد لقال من شاء ما شاء.
وقال ابن سيرين: كانوا في الزمن الأول لا يسألون عن الإسناد، فلما وقعت الفتنة سألوا عن الإسناد؛ لكي يأخذوا أحاديث أهل السنة ويتركوا أحاديث أهل البدعة.
وقد بذل المحدثون غاية الجهد في تتبع الأسانيد وتقصيها حتى رحلوا من أجلها في البلاد، وجابوا الآفاق لكي يعثروا على الإسناد، وقد لاقوا المشاق والمصاعب في هذه الرحلات.
قال الإمام النووي: علم الحديث علم شريف يناسب مكارم الأخلاق ومحاسن الشيم، وهو من علوم الآخرة لا من علوم الدنيا، ومن حرمه فقد حرم خيرًا كثيرًا، ومن رزقه الله هذا العلم فقد نال فضلًا جزيلًا.
1 / 4
أول من دون السنة النبوية
أول من اعتنى بجمع الأحاديث النبوية وتدوين الأحاديث محمد بن مسلم الزهري، وكان بحرًا في العلوم ثقة، لكن قال العلماء: كان مدلسًا، وهذا التدليس الذي نسب للزهري من المرتبة الثانية، وهي طبقة المكثرين؛ لأن الإمام الزهري كان واسع العلم في الحديث، ولما اتهم بالتدليس قال العلماء: هذا التدليس يغتفر في كثرة أحاديثه، فهو أول من دون الأحاديث بأمر من الخليفة عمر بن عبد العزيز.
1 / 5
نبذة مختصرة عن أهم دواوين السنة
الكتب الستة هي البخاري ومسلم وسنن أبي داود وسنن النسائي وسنن الترمذي وسنن ابن ماجة.
والكتب التسعة هي الستة السابقة مع الموطأ ثم المسند ثم سنن الدارمي، ويجمع الكتب التسعة كتاب يساعد المرء على تخريج الأحاديث، وهو كتاب المعجم المفهرس لألفاظ الحديث النبوي.
وكتاب البخاري يسمى الجامع الصحيح، وصحيح مسلم اسمه الجامع الصحيح المسند، وسنن الترمذي اشتهر على ألسنة الناس تسميته بالسنن، واسمه الحقيقي الجامع الصحيح، والبقية تسمى سننًا: وهي سنن ابن ماجة وسنن النسائي، وسنن أبي داود.
وترتيبها في الصحة: البخاري ثم مسلم، خلافًا للمغاربة الذي يقدمون مسلمًا على البخاري، ثم سنن أبي داود ثم الترمذي ثم النسائي ثم ابن ماجة.
قال العلماء: مراتب الصحة كالتالي: ما اتفق عليه الشيخان، ثم ما انفرد به البخاري، ثم ما انفرد به مسلم، ثم ما كان على شرطهما -شرط البخاري ومسلم -، ثم ما كان على شرط البخاري، ثم ما كان على شرط مسلم، ثم ما كان في السنن الأربع.
وسنن أبي داود تقدم على سنن الترمذي، مع أن سنن أبي داود اهتمت بأحاديث الأحكام، وليس فيها أحاديث الفضائل والزهد، وسنن أبي داود تجمع الصحيح والحسن والضعيف.
لكن هناك نكتة في كتاب سنن أبي داود، وهي الأحاديث التي سكت عنها، فـ النووي يعتمد على سكوت أبي داود ويجعله تصحيحًا لما سكت عنه، والصحيح الراجح أن سكوت أبي داود ليس تصحيحًا للحديث، بل لا بد أن يبحث في الأحاديث التي سكت عنها ليحكم عليها بالصحة أو الضعف.
وبعده سنن الترمذي، فقد اهتم الترمذي كثيرًا بالعلل؛ لأنه كان تلميذًا للبخاري، والبخاري كان أقوى الناس في مسألة العلل، واستفاد ذلك من شيخه علي بن المديني، فكان الترمذي يأخذ منه هذا العلم؛ ولذلك ترى شرح علل الترمذي لـ ابن رجب مستقى من هذا الكتاب.
وأما النسائي فإنه يأتي بالأسانيد الكثيرة؛ والباحث الذي يريد أن يبحث عن أسانيد كثيرة يجدها في سنن النسائي.
أما سنن ابن ماجة فهو أقل السنن الأربع مرتبة على الإطلاق؛ لكثرة الأحاديث الضعيفة فيه كما ذكر ذلك شيخ الإسلام ابن تيمية.
أما الموطأ للإمام مالك فقد قال فيه الشافعي: أصح كتاب بعد كتاب الله هو موطأ الإمام مالك، وهو كتاب عظيم جليل لكن فيه بلاغات، والبلاغ هو إسقاط السند فيروي عن ابن عباس أو عن أبي هريرة أو عن نافع، فيقول: بلغني عن نافع، بلغني عن ابن عباس، بلغني عن أبي هريرة، ولا يذكر الإسناد، وهذه البلاغات ضعيفة إلا إذا نظرنا إلى الإسناد فنحكم عليه بالصحة أو الضعف.
وتوجيه قول الشافعي: أصح كتاب بعد كتاب الله هو موطأ الإمام مالك، أن الشافعي من طبقة شيوخ الإمام البخاري، فلم يصنف الإمام البخاري كتابه في حياة الشافعي.
ومسند الإمام أحمد بن حنبل من أجمع الكتب للمسانيد، بدأ فيه بمسند أبي بكر ثم بقية العشرة المبشرين بالجنة، ثم بعد ذلك مسانيد الصحابة، قال أحمد لابنه عبد الله: إن هذا الكتاب سيكون مصدرًا يرجع إليه الناس في سنة النبي ﷺ، وقد كان ذلك، لكن أخذ عليه بعض العلماء أن فيه أحاديث موضوعة، وقد ذكرها ابن الجوزي، ورد عليه ابن حجر في كتاب الذب المسدد عن المسند، والصحيح أن فيه الصحيح والحسن والضعيف، ويغلب عليه الصحة والحسن، والمسند فيه كثير من الأحاديث الصحيحة والحسنة، وفيه أيضًا بعض الأحاديث الضعيفة.
وسنن الدارمي فيه الصحيح والحسن والضعيف، ويغلب عليه الحسن والضعيف.
1 / 6
الرد على من يطعن في صحيحي البخاري ومسلم
أصح الكتب بعد كتاب الله جل في علاه هما صحيحا البخاري ومسلم، وقد خرج بعض الرعاع الذين لا يعرفون من دين الله شيئًا، يهرفون بما لا يعرفون، وصاروا يطعنون في الجبال التي نستند عليها، يطعنون في البخاري، ويطعنون في مسلم، ويقولون: صحيح البخاري مليء بالأحاديث الضعيفة، ومسلم مليء بالأحاديث الضعيفة.
وبعضهم متنطع أخرج خمسة وعشرين حديثًا زعم أنها موضوعة وهي في صحيح البخاري، وذكر من ذلك حديث أم حرام أن النبي ﷺ: (كان يدخل على أم حرام فتفلي رأسه)، قال هذا المتنطع: النبي ﷺ قد صح عنه أنه نهى عن الخلوة بالمرأة الأجنبية، فكيف يخلو بالمرأة الأجنبية؟! والأمر الثاني: أن النبي ﷺ نهانا عن لمس المرأة الأجنبية وقال: (لأن يطعن أحدكم بمخيط في رأسه خير له من أن يمس امرأة لا تحل له)، وقد مسته هذه المرأة، فكيف نصحح هذا الحديث؟! أيضًا رد حديث لطم موسى لملك الموت، وقال: هو حديث ضعيف جدًا؛ لأن موسى لا يستطيع أن يجابه قوة ملك الموت ويلطمه على وجهه.
أيضًا رد أهل البدع حديث الرؤية، ردوه إما بالتأويل وإما بالتضعيف، فهؤلاء خرجوا علينا ليطعنوا في الأسس والثوابت وهي كتب الصحاح وكتب السنن، فكيف نرد عليهم إن لم نعلم هذه الدرجات، ونعلم أن صحيح البخاري هو أصح الكتب بعد كتاب الله جل في علاه؟! منذ مدة قريبة كان الناس يقسمون بـ البخاري، ويحسبونه قرآنًا، فعندما يأتي هذا ليهدم علينا هذا الأصل فمعناه أنه لا هوية إسلامية عندنا، ولا قوة لنا في استدلالنا، وهذا يعني أن نرجع إلى القرآنيين ولا نأخذ بأحاديث النبي ﷺ.
ومنهم خالد الجندي قال: البخاري يروي أن النبي ﷺ تزوج عائشة في سن السادسة، وأنا عندي عقل يقبل ويرد، فهذا الحديث لا يمكن أن يقبل، ولا يمكن أن يكون صحيحًا؛ لأن النبي ﷺ الشفوق الرحيم بالأمة لا يمكن أن يتزوج طفلة عمرها ست سنوات! فإذا لم تتعرفوا على هذه الكتب كيف ستردون على هؤلاء المبتدعة الذي تمكنوا الآن، وهم يضربون السنة في قلبها بتضعيف أحاديث في البخاري أو في مسلم.
1 / 7
مصطلحات حديثية
1 / 8
الحديث النبوي
الحديث النبوي هو كل ما أضيف إلى النبي ﷺ من قول أو فعل أو تقرير أو صفة خلقية أو صفة خلقية.
مثال القول: قال رسول الله ﷺ: (من كذب علي متعمدًا فليتبوأ مقعده من النار).
مثال الفعل: وصف عثمان بن عفان ﵁ وأرضاه لوضوء النبي ﷺ وفيه: (توضأ فغسل يديه ثلاثًا، ثم مضمض واستنشق ثلاثًا، ثم غسل وجهه ثلاثًا، ثم غسل يديه إلى المرفقين ثلاثًا، ثم مسح برأسه، ثم غسل رجليه ثلاثًا)، وهذا الحديث متفق عليه، وفيه أنه مسح رأسه، وجاءت رواية أنه مسح رأسه ثلاثًا، والصحيح أنها ليست بشاذة، فيصح مسح الرأس ثلاثًا.
ومعنى التقرير: إقرار النبي ﷺ لصحابي يراه يفعل شيئًا أو يقول شيئًا، مثاله ما في سنن أبي داود بسند صحيح أن عمار بن ياسر وعباد بن بشر كانا مرابطين، فنام عمار وقام عباد بن بشر يصلي الليل، فضربه كافر بسهم فجعل جرحه يثعب دمًا ولم يقطع الصلاة، ولم يوقظ عمار بن ياسر حتى انتهى من صلاته، ثم ذهب إلى النبي ﷺ فقص عليه القصة، فأقر النبي ﷺ صلاة عباد بن بشر وهو يثعب دمًا.
فهذه سنة تقريرية، حيث قرر النبي ﷺ الصلاة مع وجود الدماء، وهذه مسألة خلافية فقهية، لكن هذا الحديث فاصل في النزاع، فإن النبي ﷺ ما أنكر عليه، بل أقره على ذلك.
ومثال الصفة الخلقية حديث أنس رضي الله وأرضاه: (نظرت إلى وجه النبي ونظرت إلى القمر، فرأيت رسول الله ﷺ أجمل من القمر).
وكما وصف علي بن أبي طالب رسول الله فقال: (كان أكحل العينين، وكان ربعة؛ ليس بالطويل البائن، وليس بالقصير).
ومثال الصفة الخُلقية: سئلت عائشة ﵂ وأرضاها عن خلق النبي ﷺ فقالت: (كان خلقه القرآن).
1 / 9
السند
السند لغة: المعتمد، وسمي إسناد الحديث بذلك لأن الحديث يستند إليه ويعتمد عليه، لأن الإنسان لا يستطيع أن يقول حديثًا إلا بنقل السند.
نقل عن الزهري بسند صحيح أنه كان إذا حدث بالحديث قال: حدثني فلان عن فلان عن النبي ﷺ، وقال: لا أحدث بحديث عن النبي ﷺ إلا بسند، لا أستطيع أن أرتقي السطح إلا بالدرج، والسطح هو المتن، والدرج هو السند.
1 / 10
المتن
المتن لغة: ما ارتفع من الأرض.
واصطلاحًا: ما ينتهي إليه السند من الكلام، مثاله: قال رسول الله ﷺ: (لا يمس القرآن إلا طاهر)، فهذا حكم من الأحكام النبوية أنه لا يجوز لغير المتوضئ أن يمس القرآن، فهذا هو المتن.
فالمتن هو القول الذي خرج من فم النبي ﷺ.
1 / 11
المسنَد
المسنَد لغة: اسم مفعول من أسند الشيء إليه، بمعنى عزاه ونسبه إليه.
واصطلاحًا: له تعريفات ثلاثة: التعريف الأول: كل كتاب جمع فيه مرويات كل صحابي على حدة، مثل مسند أحمد ابتدأه بمسند أبي بكر.
الثاني: الحديث المرفوع، فيطلق على الحديث الذي اتصل سنده، سواء كان قولًا أو فعلًا أو تقريرًا أو صفة خلقية أو صفة خلقية.
وهذا وصف زائد، يعني: كل تلميذ حدث عن شيخه بقوله: سمعت أو حدثني، مثاله: قال مالك: حدثني نافع، حدثني ابن عمر قال سمعت النبي ﷺ.
هذا معنى اتصال السند.
مثال آخر: قال مالك: حدثني الزهري، حدثني أنس، حدثني النبي ﷺ.
فهذه سلسلة الإسناد المتصلة.
التعريف الثالث للمسند: أن يراد به السند نفسه، أي سلسلة رجال السند، مثلًا: البخاري يروي الرباعيات عن عبد الله بن مسلمة عن مالك عن نافع عن ابن عمر عن النبي ﷺ.
وأعلى شيء عند البخاري الثلاثيات، وتوجد رسالة مطبوعة فيها ثلاثيات البخاري.
1 / 12
المسنِد
المسنِد بالكسر اسم فاعل، وهو من يروي الحديث بسنده، سواء كان عنده علم به أو ليس له إلا مجرد الرواية، وهو الذي قال فيه النبي ﷺ: (نضر الله امرأ سمع مقالتي فوعاها فأداها كما سمعها).
1 / 13
المحدث
المحدث، مثل محدث ديار الشام الألباني، ومفخرة المصريين المحدث أحمد شاكر، فما معنى المحدث في الاصطلاح؟ المحدث هو: من تضلع في علم الحديث رواية ودراية، وما علمه من السنة أكثر مما غاب عنه.
1 / 14
الحافظ
الحافظ قيل: هو مرادف للمحدث، أي: من تضلع في علم الحديث دراية ورواية، وما علمه أكثر مما غاب عنه.
وعند أهل التحقيق أنه أرفع درجة من المحدث، بحيث يكون ما يعرفه في كل طبقة أكثر بكثير مما يجهله.
1 / 15
الحاكم
الحاكم: هو من أحاط علمًا بجميع الأحاديث حتى لا يفوته منها إلا اليسير، وهذه يمكن أن تطلق على الإمام الألباني، وما أحد أطلق عليه ذلك، ونحن نقول: حق له أن يطلق عليه هذا الوصف.
فالحاكم أكثر اطلاعًا من المحدث ومن الحافظ، ويمكن أن يوصف ابن حجر بالحاكم، وكذلك ابن تيمية يمكن أن يطلق عليه ذلك، والذهبي في ترجمة شيخ الإسلام ابن تيمية قال فيه: كل حديث لا يعرفه ابن تيمية فليس بحديث!
1 / 16
لقب أمير المؤمنين في الحديث
لقب أمير المؤمنين في الحديث أطلق على شعبة وسفيان الثوري يقدم على شعبة.
وأمير المؤمنين في الحديث لا بد أن يكون ضابطًا ثقة ثبتًا في الجرح والتعديل، ولا يقال: أمير المؤمنين في الحديث إلا أن يجتمع فيه وصفان: الوصف الأول: سعة الحفظ والاطلاع.
الوصف الثاني: أن يكون ناقدًا قويًا ثبتًا في الجرح والتعديل، وهذا الوصف ما قيل إلا في شعبة والثوري، وهما في طبقة واحدة.
1 / 17
الثلاثيات والرباعيات
كتب السنة فيها الثلاثيات وفيها الرباعيات.
فالثلاثيات في البخاري، والرباعيات في سنن أبي داود وسنن ابن ماجة فقط، والترمذي ليس فيه غير حديث واحد رباعي، ومسلم فيه رباعيات، وليس فيه ثلاثيات.
وفي سنن ابن ماجة ثلاثيات، لكنها كلها بأسانيد ضعيفة، وهذا الذي يميز البخاري عن غيره، فثلاثياته كلها صحاح، ورباعيات أبي داود فيها الضعيف وفيها الحسن.
1 / 18
شرح المنظومة البيقونية - المقدمة
اختلف العلماء في تعريف الأثر والخبر، وفي علاقتهما بالحديث الذي أضيف إلى النبي ﷺ، فالأثر والحديث -على قول بعض أهل العلم- بينهما عموم وخصوص، فكل حديث أثر لا العكس، وأما الخبر فيأتي عامًا على تعريف عند العلماء، ويأتي مرادفًا للحديث في تعريف آخر.
2 / 1
الفرق بين الحديث والأثر والخبر
2 / 2