وإن قلتم: إنه عبارة لم يصح؛ لأن العبارة هي اللفظ الذي يعبر به عن المعنى، وهنا حروف ومعان يعبر بها عن المعنى القديم عندكم.
وإن قلتم: هذه الحروف وحدها عبارة عن المعنى، بقيت المعاني القائمة بقلوبنا، وبقيت الحروف التي عبر بها أولًا عن المعنى القائم بالذات التي هذه الحروف المنظومة نظيرها عندكم لم تدخلوها في كلام الله"١.
وهو كلام الله حروفه، ومعانيه ليس كلام الله الحروف دون المعاني ولا المعاني دون الحروف.
وهذا هو "الصواب الذي عليه سلف الأمة كالإمام أحمد، والبخاري صاحب الصحيح في كتاب خلق أفعال العباد، وغيره، وسائر الأمة قبلهم، وبعدهم أتباع النصوص الثابتة، وإجماع سلف الأمة، وهو أن القرآن جميعه كلام الله حروفه، ومعانيه ليس شيء من ذلك كلامًا لغيره، ولكن أنزله على رسوله، وليس القرآن اسمًا لمجرد المعاني، ولا لمجرد الحروف بل لمجموعهما، وكذلك سائر الكلام ليس هو الحروف فقط، ولا المعاني فقط، كما أن الإنسان المتكلم الناطق ليس هو مجرد الروح، ولا مجرد الجسد بل مجموعهما"٢.
"والله – تعالى – قد سمى نفس مجموع اللفظ، والمعنى قرآنًا، وكتابًا، وكلامًا، فقال – تعالى –: ﴿تِلْكَ آيَاتُ الْكِتَابِ وقرآن مُبِينِ﴾ [الحجر: ١]، وقال: ﴿طسم تِلْكَ آيَاتُ الْكِتَابِ الْمُبِينِ﴾ [الشعراء: ١- ٢]، وقال: ﴿وَإِذْ صَرَفْنَا إِلَيْكَ نَفَرًا مِّنَ الْجِنِّ يَسْتَمِعُونَ الْقُرْآنَ﴾ [الأحقاف: ٢٩] إلى قوله – تعالى-: ﴿قَالُوا يَا قَوْمَنَا إِنَّا سَمِعْنَا كِتَابًا﴾ فبين أن الذي سمعوه
١ التسعينية (٣/٩٦٦ – ٩٦٧) .
٢ المصدر السابق (٢/٥٤١)، وانظر: مجموع الفتاوى (١٢/٤٥٦، وما بعدها) .