قَالَ تَعَالَى:
﴿مَن ذَا الَّذِي يَشْفَعُ عِنْدَهُ إِلاَّ بِإِذْنِهِ﴾
فَنَفْيُ الشَّفَاعَةِ بِلَا إِذْنٍ إثباتٌ لِلشَّفَاعَةِ مِنْ بَعْدِ الْإِذْنِ.
قَالَ تَعَالَى عَنِ الْمَلَائِكَةِ:
﴿وَكَم مِّن مَّلَكٍ فِي السَّمَاوَاتِ لَا تُغْنِي شَفَاعَتُهُمْ شَيْئًا إِلاَّ مِن بَعْدِ أَن يَأْذَنَ اللَّهُ لِمَن يَشَاء وَيَرْضَى﴾ (١) .
فبيَّن اللَّهُ الشَّفَاعَةَ الصَّحِيحَةَ، وَهِيَ الَّتِي تَكُونُ بِإِذْنِهِ، وَلِمَنْ يَرْتَضِي قَوْلَهُ وَعَمَلَهُ.
وَأَمَّا مَا يتمسَّك بِهِ الْخَوَارِجُ وَالْمُعْتَزِلَةُ فِي نَفْيِ الشَّفَاعَةِ مِنْ مِثْلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿فَمَا تَنفَعُهُمْ شَفَاعَةُ الشَّافِعِينَ﴾ (٢)، ﴿وَلاَ يُقْبَلُ مِنْهَا عَدْلٌ وَلاَ تَنفَعُهَا شَفَاعَةٌ﴾ (٣)، ﴿فَمَا لَنَا مِن شَافِعِينَ﴾ (٤) .. إلخ؛ فَإِنَّ الشَّفَاعَةَ المنفيَّة هُنَا هِيَ الشَّفَاعَةُ فِي أَهْلِ الشِّرْكِ، وَكَذَلِكَ الشَّفَاعَةُ الشِّرْكِيَّةُ الَّتِي يُثْبِتُهَا الْمُشْرِكُونَ لِأَصْنَامِهِمْ، وَيُثْبِتُهَا النَّصَارَى لِلْمَسِيحِ وَالرُّهْبَانِ، وَهِيَ الَّتِي تَكُونُ بِغَيْرِ إِذْنِ اللَّهِ وَرِضَاهُ.
وَأَمَّا قَوْلُهُ: «أَمَّا الشَّفَاعَةُ الْأُولَى؛ فَيَشْفَعُ فِي أَهْلِ الْمَوْقِفِ حَتَّى يُقضى بَيْنَهُمْ»؛ فَهَذِهِ هِيَ الشَّفَاعَةُ الْعُظْمَى، وَهِيَ الْمَقَامُ الْمَحْمُودُ الَّذِي يَغْبِطُهُ بِهِ النبيُّون، وَالَّذِي وَعَدَهُ اللَّهُ أَنْ يَبْعَثَهُ إِيَّاهُ بِقَوْلِهِ:
(١) النجم: (٢٦) .
(٢) المدثر: (٤٨) .
(٣) البقرة: (١٢٣) .
(٤) الشعراء: (١٠٠) .