Sharḥ al-ʿAqīda al-Ṭaḥāwiyya - Khālid al-Muṣliḥ
شرح العقيدة الطحاوية - خالد المصلح
Genres
قضاء الله وقدره ليس فيه ظلم
قال ﵀: [وكل شيء يجري بمشيئة الله تعالى وعلمه وقضائه وقدره، غلبت مشيئته المشيئات كلها، وغلب قضاؤه الحيل كلها، يفعل ما يشاء وهو غير ظالم أبدًا، تقدس عن كل سوء وحين، وتنزه عن كل عيب وشين، لا يسأل عما يفعل وهم يسألون] .
هذا فيه تقرير ما تقدم من الإيمان بالقدر، قال رحمه الله تعالى: (وكل شيء في الكون يجري بمشيئة الله تعالى وقضائه وقدره)، ولا يؤمن أحد بالقدر حتى يؤمن أن كل شيء بعلم الله وكتابته وخلقه ومشيئته، فلا شيء خارج عن هذا، (غلبت مشيئته المشيئات كلها)، قال جل وعلا: ﴿وَمَا تَشَاءُونَ إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ﴾ [التكوير:٢٩]، فمشيئة الله محيطة بمشيئة الخلق، (وغلب قضاؤه الحيل كلها)، فإذا لم يقض الله جل وعلا الأمر فمهما احتال عليه المرء فإنه لا يحصله، لا حول ولا قوة إلا بالله، يفعل ما يشاء ﷾، تقدست أسماؤه، وهو غير ظالم أبدًا ﴿إِنَّ اللَّهَ لا يَظْلِمُ النَّاسَ شَيْئًا﴾ [يونس:٤٤]، (يا عبادي إني حرمت الظلم على نفسي وجعلته بينكم محرمًا)، [تقدس] أي: تنزه وتطهر وتعالى جل وعلا عن كل سوء، أي: عن كل عيب وعن كل شر وحين، وهو بمعنى السوء والشر والعيب والظلم، فلا شيء مثله تقدست أسماؤه سبحانه وبحمده ﴿لا يُسْأَلُ عَمَّا يَفْعَلُ وَهُمْ يُسْأَلُونَ﴾ [الأنبياء:٢٣]، بل من سأل الله: لم فعلت كذا؟ فقد اعترض على الرب جل وعلا ﴿لا يُسْأَلُ عَمَّا يَفْعَلُ وَهُمْ يُسْأَلُونَ﴾ [الأنبياء:٢٣]، وإذا اجتمع في قلب العبد هذه المعاني سلم من كل ما يمكن أن يعرض له في باب القدر.
وأحسن المؤلف ﵀ حيث ختم ما يتعلق بمسائل القدر في هذا المقطع بنفي الظن عن الرب جل وعلا، ونفي لحوق العيب والسوء والشين والحين له ﷾، ثم قال: (لا يسأل)، حتى يقطع اعتراض المعترضين ﴿لا يُسْأَلُ عَمَّا يَفْعَلُ وَهُمْ يُسْأَلُونَ﴾ [الأنبياء:٢٣]، وقد جاء رجل إلى أبي بن كعب ﵁ فقال: (في نفسي شيء من القدر فحدثني حديثًا يذهب به الله عني ذلك)، فقال ﵁ مقولة عظيمة تبين عظيم فقه الصحابة ﵃ قال له: (إن الله لو عذب أهل سماواته وأرضه عذبهم وهو غير ظالم لهم، ولو رحمهم لكانت رحمته خيرًا لهم من أعمالهم، واعلم أنه لو كان لك مثل أحد ذهبًا فأنفقته في سبيل الله؛ لم ينفعك حتى تؤمن بالقدر، وأن ما أصابك لم يكن ليخطئك، وما أخطأك لم يكن ليصيبك)، قال الديلمي -وهو الذي سأل أبي بن كعب -: فسألت عبد الله بن مسعود وحذيفة بن اليمان وزيد بن ثابت عن ذلك، وكلهم أجابني بمثل ما أجابني أبي، وهذا الأثر حسن كما قال شيخ الإسلام ﵀، وهو يدل على عظيم فقه الصحابة، وأنه لا سلامة للعبد مما يعلق في قلبه من وساوس الشيطان مما يتعلق بالقدر إلا باعتقاد كمال الله جل وعلا، وأنه ﷾ لا يظلم الناس شيئًا، ومع هذا يؤمن بالقدر، وأن ما أصابه لم يكن ليخطئه، وأن ما أخطأه لم يكن ليصيبه، وأنه جل وعلا ﴿لا يُسْأَلُ عَمَّا يَفْعَلُ وَهُمْ يُسْأَلُونَ﴾ [الأنبياء:٢٣]، ويكفي في هذا ما قاله ﵀ في أول كلامه في القدر: (القدر سر الله في خلقه، لم يطلع عليه ملك مقرب، ولا نبي مرسل.
وصلى الله وسلم على نبينا محمد.
19 / 10