Sharḥ al-ʿAqīda al-Ṭaḥāwiyya - Khālid al-Muṣliḥ
شرح العقيدة الطحاوية - خالد المصلح
Genres
إثبات صفة المحبة لله ﷿
ثم قال ﵀: (ونقول: إن الله اتخذ إبراهيم خليلًا، وكلم الله موسى تكليمًا إيمانًا وتصديقًا وتسليمًا) .
يقول ﵀: (نقول) أي: في عقدنا وما ندين الله به وما نتعبد له ﷾ به: إن الله اتخذ إبراهيم خليلًا، (اتخذ) أي: اصطفى وصير إبراهيم خليلًا له ﷾، وفي هذا إثبات صفة المحبة لله ﷾، إثبات أنه يحِب وأنه يُحب؛ لأنه إنما اصطفاه وصيره خليلًا له لكونه يحبه، ففي هذا إثبات أنه ﷾ يحب عباده وأن عباده يحبونه، وقد أنكر الجهمية أن يحب الله ﷿ عباده أو أن يُحبوه، فقالوا: لا يحب ولا يُحب، نسأل الله ألا يحرمنا فضله، لماذا قلتم كذا؟ قالوا: لأنه لا مناسبة بين الخالق والمخلوق؛ وإنما يحب الإنسان ما يناسبه، فالمحبة تكون بين المتناسبين، ولا مناسبة بين الخالق والمخلوق، فضلوا بهذا ضلالًا مبينًا حيث أنكروا ما أثبته الله في كتابه، فإن الله أثبت أنه يحَب من عباده، وأنه يُحِب منهم، قال ﷾: ﴿يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ﴾ [المائدة:٥٤]، وفي غير ما آية قال الله ﷾: ﴿إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَّقِينَ﴾ [التوبة:٤]، وقال: ﴿إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ﴾ [البقرة:١٩٥]، وقال: ﴿إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ وَيُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِينَ﴾ [البقرة:٢٢٢] والآيات في إثبات محبة الله لعباده كثيرة.
وأما محبة العباد لله فهي ثابتة أيضًا في قوله: ﴿يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ﴾ [المائدة:٥٤]، وفي قوله: ﴿قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ﴾ [آل عمران:٣١]، وهذا فيه إثبات المحبة من الله لعباده، ومن العباد للرب جل وعلا.
فيقال لهؤلاء الضالين: أي مناسبة للمحبة أعظم من مناسبة خلق الله إياك، ورزقه إياك، وإمدادك بكل خير؟! إن مناسبة الخلق أعظم مناسبة؛ لأنه من أعظم النعم التي أنعم الله بها على الإنسان أنه خلقه وأوجده من العدم، ورزقه وأمده بالخيرات، وعافاه وأصلح شأنه وتولى أمره، فهو الرب جل وعلا الذي بلغ بالإنسان غاية الكمال، فتدرج به في مدارج الفضل والإحسان إلى أن بلَّغه درجة الكمال في الخلق، ودرجة الكمال في الاهتداء، حيث دله وهداه الصراط المستقيم كما قال ﷾: ﴿وَهَدَيْنَاهُ النَّجْدَيْنِ﴾ [البلد:١٠]، فمن ضل بعد ذلك فإنما يضل على نفسه، لكن الله جل وعلا دل الناس على سبيل النجاة.
فأعظم مناسبة هي ما بين الخالق والمخلوق، ولكن كما قال الله جل وعلا: ﴿فإِنَّهَا لا تَعْمَى الأَبْصَارُ وَلَكِنْ تَعْمَى الْقُلُوبُ الَّتِي فِي الصُّدُورِ﴾ [الحج:٤٦] نعوذ بالله من الخذلان! وضل في هذه الصفة -صفة المحبة- مثبتة الصفات حيث قالوا: إن الله لا يحب المحبة التي يثبتها أهل السنة والجماعة، إنما محبة الله إرادته الثواب؛ لأنههم لا يثبتون الصفات الفعلية لله جل وعلا، والمحبة صفة فعلية؛ لأنها معلقة بالمشيئة، فمن شاء الله أحبه، ومن شاء لم يحبه.
والصحيح هو: ما عليه أهل السنة والجماعة من إثبات هذه الصفة العظيمة للرب ﷾.
12 / 7