Explanation by Abu Al-Alaa and Al-Khatib Al-Tabrizi on the Diwan of Abu Tammam: A Grammatical and Morphological Study
شرحا أبي العلاء والخطيب التبريزي على ديوان أبي تمام دراسة نحوية صرفية
Publisher
رسالة ماجستير-كلية دار العلوم
Publisher Location
جامعة القاهرة
Genres
جامعة القاهرة
كلية دار العلوم
قسم النحو والصرف والعروض
شرحا أبي العلاء والخطيب التبريزي على ديوان أبي تمام
دراسة نحوية صرفية
رسالة لنيل درجة الماجستير
إعداد الطالب /
إيهاب عبد الحميد عبد الصادق سلامة
تحت إشراف الأستاذ الدكتور /
محمد جمال صقر
أستاذ النحو والصرف والعروض المساعد
1 / 1
المقدمة
الحمد لله وحده لاشريك له، حمدًا توجبه سوابغ نعمه، وصلى الله على نبينا محمد وسلم تسليما كثيرا،
ثم أما بعد:
فقد شُغِف الباحث بالنحو حبا منذ فترة طويلة، وتمنى أن يكون له إسهام في دراساته ولو بقدر بسيط، وتعَمَّق هذا الحب خلال سنوات الدراسة. وفي السنة التمهيدية أضاف أستاذنا د. محمد الطويل إلى هذا الحب حبًا آخر، هو حب البحث عن مناهج العلماء، فقد أشار في محاضراته إلى قلة الدراسات في هذا الجانب، وإلى إغفال الدارسين له؛ فعقد الباحث العزم أن يكون موضوعه جامعا بين
جانبين: جانب الدراسة النحوية، وجانب الحديث عن المنهج.
وزاد من تحمس الباحث لهذا العزم والجمع بين الدراسة النحوية والحديث عن المنهج عدة أمور:
ـ الأول: ما قرأه الباحث لشيخنا الجليل محمود محمد شاكر في كتابه
«رسالة في الطريق إلى ثقافتنا» من لوم وتقريع شديدين للباحث الذي لم «يجد من وقته ساعات للتأمل والأناة والصبر للبحث عن هذا المنهج الغريب غير المألوف الذي وجده أمامه مطبقا في كتاب كامل (يقصد كتابه المتنبي) وأحس به كل منهم إحساسا خفيا دعاه إلى المعارضة أو الثناء. وهذا خذلان كبير غفر الله لنا ولهم وتجاوز عن سيئاتنا وسيئاتهم» (١). فكان هذا اللوم والتقريع لافتين انتباه الباحث لأهمية البحث عن مناهج العلماء، خاصة إذا علمنا أنه ليس من وكد العالم «أن يبدأ أول كل شيء فيُفيض في شرح منهجه في القراءة والكتابة = وإلا يفعل، كان مقصرا تقصيرا لا يُقبل منه بل يرد عليه = ثم يكتب بعد ذلك ما يكتب ليقول للناس: هذا هو منهجي، وها أنذا قد طبقته. هذا سخف مريض غير معقول، بل عكسه هو الصحيح المعقول» (٢).
_________
(١) رسالة في الطريق إلى ثقافتنا: ص ١٧، مكتبة الأسرة ١٩٩٧م
(٢) السابق: ٢٠
1 / 19
ـ الثاني: ما أبانه علماؤنا من أن «الكشف عن المناهج لدى مفكري الإسلام يعتبر بالإضافة إلى قيمته التاريخية أفضل مدخل للتراث الإسلامي في جملته؛ فهو الذي يوضح الخطوات القياسية أو الاستقرائية التي اتبعها المفكرون والعلماء المسلمون في مختلف أوجه النشاط التي مارسوها سواء كانت نظرية أم تجريبية» (١).
ـ الثالث: أن هناك علاقة بين أقوال العلماء ومناهجهم، فـ «في نظم كل كلام وفي ألفاظه، ولابد، أثر ظاهر أو وسم خفي من نفس قائله، وما تنطوي عليه من دفين العواطف والنوازع والأهواء من خير وشر أو صدق وكذب = ومن عقل قائله، وما يكمن فيه من جنين الفكر، من نظر دقيق، ومعان جلية أو خفية، وبراعة صادقة، ومهارة مموهة، ومقاصد مرضية أو مستكرهة» (٢).
وكانت الخطوة التالية: مَن من العلماء يمكن أن يختاره الباحث لدراسة أقواله النحوية ومنهجه؟ وكان شغف د. الطويل بأبي العلاء دافعا آخر لاختياره
للدراسة، وزاد من اقتناع الباحث بهذا الاختيار «قلة الإشارة إلى جهده في الدرس اللغوي فيما كتب عنه هنا وهناك» (٣) على الرغم من أن حظ أبي العلاء من الدراسة عظيما؛ فأثار ما أثار من جدل ومناقشة في الشرق والغرب، وأخذ العلماء والباحثون - منذ القدم وحتى اليوم - في الكتابة فيه وعنه.
وكان من قدر الله أن اطلع الباحث على مقال بمجلة فصول بعنوان «خصائص الشروح العربية على ديوان أبي تمام» للأستاذ الهادي الجطلاوي، فعلم الباحث أن الديوان له شروح كثيرة جمعها التبريزي في شرح واحد منها شرح لأبي العلاء؛ فعزم الباحث على اختيار هذا الشرح ليكون منطلقا لدراسة أقوال أبي العلاء النحوية ودراسة منهجه.
_________
(١) د. حامد طاهر: الفلسفة الإسلامية مدخل وقضايا، ص ٣٧، دار الثقافة العربية
(٢) محمود محمد شاكر: رسالة في الطريق إلى ثقافتنا: ١٥
(٣) د. جمال محمد طلبة: الفكر اللغوي عند أبي العلاء، ص ٥
1 / 20
ولكن الباحث وجد أن أقوال أبي العلاء متداخلة مع أقوال التبريزي، ولم يكن هناك تمايز واضح تماما بين كلام كل منهما بالرغم ما قام به محقق الديوان من جهد مشكور لإبانة هذا التمايز؛ فقرر الباحث أن يضم شرح التبريزي إلى شرح أبي العلاء في هذه الدراسة.
وقد يتبادر إلى الذهن أنه قد يكون شرح التبريزي مخالفا في أقواله ومنهجه لشرح أبي العلاء وهذا أمر غير صحيح، لأن التبريزي - كما عرف عنه - كان ناقلا وملخصا لشروح السابقين، وهو «خير من يمثل هذا الأسلوب» (١). وقد عرف بين العلماء بأنه «إمام المنهج الانتخابي التهذيبي التكميلي» (٢). ولكن هذا طبعا لا ينفي عنه إمامته في اللغة والنحو.
ومما يسوغ هذا الضم أيضا وطمأن الباحث إلى أن أقوال ومنهج كلا الرجلين متشابهة إلى حد كبير ما ثبت أن التبريزي تَلْمَذَ لأبي العلاء، وكان أبو العلاء بمثابة الأستاذ له.
وعلى ما سبق فقد جاءت الرسالة في بابين رئيسيين، يسبقهما تمهيد وتتبعهما خاتمة.
أما التمهيد فيشمل مقدمة عن الديوان وقيمته، وتراجم أبي تمام وأبي العلاء والتبريزي. والباب الأول: الدراسة النحوية والصرفية لشرح أبي العلاء والتبريزي، والباب الثاني: دراسة منهج أبي العلاء والتبريزي في شرحهما. والخاتمة تلخص أهم النتائج.
ويحب الباحث أن ينوه بأمرين:
_________
(١) د. سليمان الشطي: المعلقات وعيون العصور، ص ٧١، سلسلة عالم المعرفة، ع ٣٨٠ سبتمبر ٢٠١١، الكويت
(٢) د. أحمد جمال العمري: شروح الشعر الجاهلي الجزء الثاني: مناهج الشراح،٢٧١، دار المعارف ط١، ١٩٨١م
1 / 21
الأول: إن الكلام عن المنهج، أومناهج علماء اللغة لا يستأثر به باحث في مجال لغوي معين عن باحث آخر، فالمتخصص في الدراسات النحوية ليس بأولى بالكتابة في هذا الموضوع من المتخصص في الدراسات البلاغية أوالمتخصص في اللغة، أوالعكس، بل هو - كما يعتقد الباحث - متاح للجميع بلا تثريب. كما أن الدعوى برفض الدراسات البينية، والاقتصار على الدراسات المتخصصة أمر يجده الباحث فيه نوع تعنت، وإغلاق لأبواب اجتهاد جديدة، فالأمر فيه سعة.
ولم نجد عند علمائنا الأقدمين هذا الفصل الحاد بين علوم اللسان العربي، فـ
«كتاب» سيبويه مثلا ساهم في الدراسات الأدبية إسهاما ملحوظا، «ويكفي دلالة على دوره في تنمية البحث الفني في لغة الأدب رجوع عبد القاهر الجرجاني إلى الأصول التي سنها سيبويه، والأمثلة التي أوردها في كثير من قضايا اللغة الأدبية، نضيف إلى ذلك مؤلفات لغوية أخرى مثل الخصائص لابن جني والصاحبي لابن فارس وفقه اللغة للثعالبي، كما نضيف ذلك الفرع من الدراسات اللغوية حول القرآن (...) وبإمكاننا الزعم بأن الأفكار التي أثيرت في تلك البيئة من بيئات البحث كانت وراء كثير من الانتقالات في تاريخ البحث في لغة الأدب» (١).
كما نجد في كثير من كتب أصول الفقه «بدءا من «رسالة» الشافعي ومرورا بأمهات كتب الأصول مثل «المعتمد» لأبي الحسين البصري، و«المستصفى» للغزالي، و«المحصول» للرازي وغيرها، [أنَّ] هذه المؤلفات تضم في ثناياها - بخاصة في مقدماتها - كثيرا من المباحث الدائرة حول اللغة في مختلف صور استخدامها، وحول كثير من مستويات بحثها، بخاصة ما يتصل بالصيغة والتركيب والدلالة» (٢).
_________
(١) د. عبد الحكيم راضي: النقد اللغوي في التراث العربي، ص ٨٠، مقال بمجلة فصول ع تراثنا النقدي ج ٢/ ١٩٨٦م
(٢) السابق: ٨٠
1 / 22
الثاني: الكتابة في المنهج عند أبي العلاء والتبريزي استلزمت تتبع بعض الأمور البعيدة بعض الشيء عن مجال النحو والصرف، وهذا أمر فرضه الحديث عن المنهج، ولا دخل للباحث فيه.
منهج البحث:
اعتمد الباحث على المنهج الوصفي الإحصائي التحليلي.
- الدراسات السابقة:
في جانب المنهج لم يقف الباحث على دراسة تتناول هذا الأمر إلا:
١ـ دراسة للدكتور أحمد جمال العمري، بعنوان: شروح الشعر الجاهلي: الجزء الثاني، مناهج الشراح، تناول فيه في بضع صفحات منهج التبريزي عامة في شروحه.
٢ـ مقال بمجلة فصول، مجلة النقد الأدبي بعنوان: «خصائص الشروح العربية على ديوان أبي تمام»، للهادي الجطلاوي.
أما الدراسات عن أبي العلاء التي تتناول جهده في الدرس اللغوي فهي قليلة، وما وقف الباحث عليه من هذه الدراسات هو:
١ـ فصل بعنوان: من ملامح الإبداع النحوي، عند أبي العلاء، في كتاب: مشكلات نحوية، د. محمد عبد المجيد الطويل.
٢ـ الفكر اللغوي عند أبي العلاء المعري في ضوء علم اللغة الحديث، د. جمال محمد طلبة.
٣ـ المسائل النحوية والصرفية في شرح أبي العلاء المعري على ديوان ابن أبي حصينة، رسالة ماجستير، للباحث هاني محمد عبد الرازق القزاز.
أما التبريزي فلم أقف على أية دراسات عنه.
والله أسأل أن أكون قد وفقت فيما تناولت وقدمت
، الباحث: إيهاب عبد الحميد عبد الصادق سلامة
****
1 / 23
التمهيد
ويشمل أربعة مباحث:
- المبحث الأول: نبذة عن شعر أبي تمام وديوانه وشراحه.
- المبحث الثاني: ترجمة أبي تمام.
- المبحث الثالث: ترجمة أبي العلاء.
- المبحث الرابع: ترجمة التبريزي.
1 / 24
المبحث الأول: نبذة عن شعر أبي تمام وديوانه وشراحه
أبوتمام عَلَمٌ من أعلام الشعر العربي؛ يُعَدُّ بحقٍ «أستاذ الطبقة الثالثة من الشعراء الحضريين المولَّدين بعد بشار وأبي نواس» (١). سُلِّمَتْ له الزعامة في عصره، ولم يزاحمه فيها أحد في عصره مزاحمة جدية، فقد انفرد بالزعامة «حتى اعترف له خصومه بذلك» (٢). شغل النقاد والأدباء والشعراء واللغويين والبلاغيين، شغل كل الطوائف بشعره، فقد «فاجأهم بما لم يتوقعوا؛ فبالغ في التعمق في المعاني، والغوص على الفكرة، وأكثر من صور البديع إلى درجة الإسراف، وتجنب عمود الشعر العربي الذي كان القدوة التي تقتدى بها، وخرج على قواعد اللغة العربية، ونحوها وصرفها؛ مما كان سببا في إهمال الكثير من شعره» (٣).
وأبوتمام - بنهجه هذا - كان من الطائفة التي «لا تسلك مسلك الشعراء قبلها» (٤)، بل كان من الطائفة التي «تميل إلى التجديد في عصره» (٥)، والتي «بعدت كثيرا عن الصياغة التي جرى الشعراء عليها في الجاهلية والإسلام» (٦).
_________
(١) الشعراء وإنشاد الشعر: على الجندي، ص ٤٢ [دار المعارف].
(٢) الخصومات البلاغية والنقدية في صنعة أبي تمام: د. عبد الفتاح لاشين، ص ٢١٨، [دار المعارف]
(٣) الخصومات البلاغية والنقدية في صنعة أبي تمام: د. عبد الفتاح لاشين، ص ٣
(٤) تاريخ النقد الأدبي عند العرب: طه أحمد إبراهيم، ص ٩٨، [دار الكتب العلمية، بيروت - لبنان].
(٥) تاريخ النقد الأدبي عند العرب: طه أحمد إبراهيم، ص٩٦
(٦) انقسم الشعراء في عصر أبي تمام قسمين: قسم يحتذي القدماء، ولا يجدد إلا بمقدار ما يتلاءم مع الروح العربية؛ فظلوا على المنهج القديم، والصياغة القديمة، ومن هؤلاء: مروان ابن أبي حفصة، وأشجع السلمي، وعلي بن الجهم ... وقسم مال إلى التجديد، كبشار، وأبي نواس، ويعد أبوتمام وابن المعتز من الشعراء الذين بعدوا كثيرا عن الصياغة التي جرى الشعراء عليها في الجاهلية والإسلام. ينظر: تاريخ النقد الأدبي عند العرب: طه أحمد إبراهيم، ص٩٧
1 / 25
وكان السبب في تلك النزعة التجديدية عند أبي تمام ما وجده في الشعراء قبله من جمود وثبات؛ فقد «حبس الشعراء أنفسهم - قبله - في تفاصيل الصور والمعاني من وصف للدمن والأثافي والوحوش، ومحوالرياح للآثار (...) فضيقوا على أنفسهم حتى لم يعد أمامهم مجال للتجديد غير التجويد الفني؛ وحتى جاء شعرهم أدل على المهارة في الصياغة منه على أصالة الطبع والعمق في الإنسانية» (١). وفي هذا - بلا شك - ما يفسر «نزعة أبي تمام للتجديد في الصياغة، واتخاذه من البديع مذهبا، بما يجر إليه مذهب كهذا من التكلف والإحالة والإسراف والإغراب في المعاني المألوفة» (٢).
وأبو تمام بصنعته تلك ملأ قلوب النقاد والأدباء، وشحن صدورهم بتساؤلات عديدة، «وكان مذهبه ذلك مثارا لحركة أدبية نقدية كبيرة، وهكذا شأن الجديد في كل عصر، وفي كل علم وفن أن يثير الجدال، وأن يقسم الناس إلى معسكرين: معسكر ينصره، وآخر يخذله» (٣).
وكان الزمخشري المتوفى سنة ٥٣٧هـ «يرى الاحتجاج بأقوال المولدين، والقياس عليها، مستشهدًا في تفسيره بأبيات لأبي تمام؛ لأنه - في رأيه - ممن يوثق بقوله. وقد تبعه في هذا الرأي العلامة الرضي فقد استشهد بشعر أبي تمام في عدة مواضع من شرحه لكافية ابن الحاجب، كما جرى على هذا المذهب الشهاب الخفاجي في شرح درة الغواص؛ فقد استشهد بشعر المتنبي. وقد روى عن الزمخشري لما سئل في هذا أنه قال: «أجعل ما يقوله أبوتمام بمنزلة ما يرويه»، وهويشير بهذا القول إلى أن العلماء لا يترددون في الأخذ بما جاء في حماسة أبي تمام من أشعار، وهي رواية هذا الشاعر وحده، أو هو المسئول عن صحتها، فلماذا لا نجعل ما ينظمه من شعر
_________
(١) النقد المنهجي عند العرب ومنهج البحث في الأدب واللغة: د. محمد مندور، ص٧٩، [مكتبة الأسرة، الهيئة المصرية العامة للكتاب، ٢٠٠٧]
(٢) النقد المنهجي عند العرب ومنهج البحث في الأدب واللغة: د. محمد مندور، ص٨٠
(٣) الخصومات البلاغية والنقدية في صنعة أبي تمام: د. عبد الفتاح لاشين، ص ٤١
1 / 26
على قدم المساواة مع ما يرويه في الحماسة، ولكن البَطْلَيَوْسِيُّ (١) يقف من هذا الرأي موقفًا معتدلا؛ فيرى أن البيت الذي سكت عنه علماء اللغة حين تناولوا شعره ولم ينكروه عليه، يلحق بما يصلح للاستشهاد به من كلام العرب» (٢).
ولقد توافر على ديوان أبي تمام عدد من الشراح، حاولوا فض مغاليق شعره، وتوضيح معانيه، وهم:
[١] أبوبكر الصُّوليّ (٣)، وهومن أكثر الناس تعصبا لأبي تمام؛ «فعد مذهبه قمة المذاهب الفنية، وسخر كل جهده للدفاع عن مذهبه»، وهوأقرب الشراح عهدًا بأبي تمام، وأول الذين وصلت إلينا شروحهم على ديوانه (٤).
[٢] الآمِدِيّ (٥). وهومتهم بالتعصب على أبي تمام، وكتابه الموازنة يشهد بذلك.
[٣] المَرْزُوقِيّ (٦).
_________
(١) - هو: البطليوسي أبومحمد عبد الله بن محمد بن السَّيِّد، العَلاَّمَةُ، النَّحْوِيّ، اللُّغَوِيّ، صاحب التصانيف. أقرأ الآداب، وشَرَحَ «المُوَطَّأ»، وَلَهُ كِتَاب «الاقتضَاب فِي شرح أَدب الكُتَّاب»، وَكِتَاب «الأَسبَاب الموجبَة لاخْتِلاَف الأَئِمَّة»، مَاتَ فِي رَجَب، سَنَةَ إِحْدَى وَعِشْرِيْنَ وَخَمْسِ مائَةٍ. [سير أعلام النبلاء: ١٩/ ٥٣٣]
(٢) د. إبراهيم أنيس: من أسرار اللغة، ص ١٣، [مكتبة الأنجلوالمصرية، ط٧]
(٣) هو: محمد بن يحيي بن عبد الله بن العباس بن محمد بن صول تكين البغدادي الشطرنجي، ولد ببغداد، ونشأ بها، يقال إن مولده سنة ٢٥٥هـ، وأما وفاته فقيل: إنها سنة ٣٣٥هـ، له تآليف كثيرة طبع منها كتاب: «أدب الكاتب» و«الأوراق»،و«أخبار أبي تمام». وقد جمع دواوين عدة شعراء، كان السابق فيها إلى الترتيب على الحرف، ومن بين هذه الدواوين ديوان أبي تمام. (ينظر: ديوان أبي تمام بشرح التبريزي ١/ ١٨، الأغاني ١٠/ ٤٣، معجم الأدباء ١٩/ ١٠٩).
(٤) مقدمة ديوان أبي تمام: ١/ ١٨، والخصومات البلاغية والنقدية في صنعة أبي تمام: د. عبد الفتاح لاشين، ص ٥٦
(٥) هو: الحسن بن بشر بن يحيى الآمدي، أبوالقاسم (ت ٣٧٠هـ). عالم بالأدب، راوية، من الكتاب، له شعر. أصله من آمد، ومولده ووفاته بالبصرة. من كتبه: «المؤتلف والمختلف» في أسماء الشعراء وكناهم وألقابهم وأنسابهم، و«الموازنة بين البحتري وأبي تمام» و«معاني شعر البحتري» ..، وكانت وفاته سنة ٣٧٠هـ، [ينظر: انباه الرواة على أنباه النحاة: ١/ ٣٢٠]
(٦) هو: أحمد بن محمد بن الحسن المرزوقي أبوعلي النحوي، أحد علماء اللغة في وقته في الأدب والنحو، من أهل أصبهان، أحد أئمة اللسان، كان غاية في الذكاء والفطنة، حسن التصنيف، وإقامة الحجج، وتصانيفه لا مزيد عليها في الجودة. مات في ذي الحجة سنة ٤٢١هـ، وكان قد قرأ سيبويه على أبي علي الفارسيّ وتتلمذ له، بعد أن كان رأسًا بنفسه، وله من الكتب: كتاب شرح الحماسة، وشرح المفضليات، وشرح الفصيح، وشرح أشعار هُذَيل، وكتاب الأزمنة. قال الصاحب بن عبّاد: فاز بالعلم من أصبهان ثلاثة: حائك وحلاّج وإسكاف: فالحائك هوالمرزوقي والحلاج أبومنصور بن ماشذه والإسكاف أبوعبد الله الخطيب بالرّيّ صاحب التصانيف. من تصانيفه: «شرح الحماسة»، وهوالغاية في بابه و«شرح الفصيح» و«مفردات متعددة في النحو»، ينظر: [انباه الرواه: ١/ ١٠٦، لجمال الدين أبي الحسن على ابن يوسف القفطي، الهيئة المصرية العامة للكتاب، تحقيق: محمد أبوالفضل إبراهيم] و[بغية الوعاة في طبقات اللغويين والنحاة: ١/ ٣٦٥]، و[معجم الأدباء: ياقوت الحموي، ٢/ ١٨٩].
1 / 27
[٤] الخَارَزَنْجِي (١).
[٥] أبوالعلاء (٢).
ثم جاء التبريزي (ت٥١٢هـ) وقد قرأ ديوان أبي تمام علي يد «الشيخ أبي القاسم الفضل بن محمد القصباني، الذي قرأه على عبد الكريم السكري، عن الآمدي، عن السجستاني، عن أبي سعيد السكري، عن أبي تمام؛ فروايته إذن تنتهي إلى
_________
(١) هوأحمد بن محمد الخارزنجي البُشْتِيّ، أبوحامد: أديب خراسان في عصره. ذكره الحافظ أبوعبد الله بن البيع في تاريخ نيسابور، فقال: «إمام أهل الأدب بخراسان في عصره بلا مدافعه، ولما حج بعد الثلاثين والثلاثمائة شهد له أبوعمر الزاهد ومشايخ العراق بالتقدمة»، توفي (٣٤٨هـ = ٩٥٩م) من كتبه «تكملة كتاب العين» و«شرح أبيات أدب الكاتب» نسبته إلى بشت من نواحي نيسابور، ومثلها خارزنج. ترجم له صاحب البغية فقال: ... قال ابن السمعاني: إمام أهل الأدب بخراسان بلا مدافعة. [ينظر بغية الوعاة: ١/ ٣٨٨، وانباه الرواه: ١/ ١٠٧، ومقدمة ديوان أبي تمام: ١/ ٢٤]. وأهمية شرح الخارزنجي أنه يعتبر من شروح أبي تمام المتقدمة، فضلا عن أن الخارزنجي عالم فاضل، مشهود له بالعلم والدراية.
(٢) سنفرد له وللتبريزي ترجمتين خاصتين في المباحث التالي.
1 / 28
أبي سعيد السكري عن أبي تمام، وهذه أسانيد كلها موثوق بها» (١)، ثم قام التبريزي بجمع شروح الديوان في شرح واحد، فكان يشرح البيت، وإذا نقل شرحا من شروح العلماء السابقين كان يضع قبل الشرح رمزا خاصا لمن نقل عنه: [ع] لأبي العلاء، [ص] للصولي، [ق] للمرزوقي، [خ] للخارزنجي (٢).
وقد اختار الباحث شرحي أبي العلاء والتبريزي لدراسته لسببين:
• الأول: أن شرحي أبي العلاء والتبريزي هما أغزر الشروح مادة علمية وأكثرها (٣).
• الثاني: تداخل أقوال التبريزي مع أقوال أبي العلاء، فقد عرف عنه أنه كان ناقلا عن غيره (٤).
_________
(١) ينظر مقدمة المحقق على ديوان أبي تمام بشرح التبريزي: [١/ ٢٧، ٢٨]، والفضل بن محمد بن علي القصباني البصري، (ت ٤٤٤ هـ =١٠٥٢ م): عالم باللغة والأدب، من أهل البصرة، ضرير، له كتاب في «النحو» و«حواشي الصحاح» و«الآمالي» [بغية الوعاة: ٢/ ٢٤٦]، وأبوحاتم السجستاني سهل بن محمد بن عثمان، الإمام العلامة، البصري، المقرئ، النحوي، اللغوي، صاحب التصانيف. [سير أعلام النبلاء، ١٢/ ٢٦٨ـ ٢٦٩]
(٢) نحب أن نشير هنا أن الباحث اعتمد في بحثه على نسخة ديوان أبي تمام التي طبعتها «دار المعارف» والتي خرجت في أربعة مجلدات: المجلد الأول في طبعته الخامسة (بدون تاريخ)، المجلد الثاني في طبعته الخامسة (ط ٢٠٠٦).،المجلد الثالث في طبعته الرابعة (بدون تاريخ)، المجلد الرابع في طبعته الأولى (بدون تاريخ).
(٣) بلغ عدد الأبيات التي شرحها أبوالعلاء: ٨٣٠، والصولي: ٥٢١، والمرزوقي: ٢٧٩، والخارزنجي: ١٩١، [ينظر هذا الإحصاء بمجلة فصول، مجلة النقد الأدبي «العنوان: تراثنا النقدي الجزء الأول مقال: خصائص الشروح العربية على ديوان أبي تمام»، للهادي الجطلاوي ١/ ١٣٧]
(٤) قام المحقق د. محمد عبده عزام بدور كبير ومشكور في تحقيق الكتاب وتنظيمه ومقابلة مخطوطاته؛ مما يسر لي كثيرا من مسائل البحث.
1 / 29
المبحث الثاني: ترجمة أبي تمام
(١) اسمه ولقبه ومولده:
هو حبيب بن أوس بن الحارث بن قيس الطائي، من حوران، من قرية جاسم (١)، وفي الأغاني: «من نفس طيئ صليبة، مولده ومنشؤه منبج، بقرية منها يقال لها جاسم» (٢).
ولد أبوتمام في سنة ١٨٨هـ، أو١٩٠هـ، في أيام الرشيد، «وكان أولا حدثا يسقي الماء بمصر (٣)، ثم جالس الأدباء، وأخذ عنهم، وكان يتوقد ذكاء، وسحَّت قريحته بالنظم البديع» (٤). أسلم وكان نصرانيا، مدح الخلفاء والكبراء، وكان أسمر طوالا، فصيحا، عذب العبارة مع تمتة قليلة، يوصف بطيب الأخلاق، والظرف والسماحة. وكان ابن وهب قد اعتنى بأبي تمام، وولاه بريد الموصل، فأقام بها أكثر من سنة. وأبوتمام «يعد رأس الطبقة الثالثة من الشعراء المحدثين» (٥). ومن الألقاب التي أطلقت عليه «الطائي الكبير» (٦)، «المُوَلَّد» (٧).
(٢) مكانته وشعره:
_________
(١) سير أعلام النبلاء: الإمام شمس الدين محمد بن أحمد بن عثمان الذهبي [١١/ ٦٣ ـ٦٤]، (تحقيق شعيب الأرنؤوط، وصالح السمر - مؤسسة الرسالة، ط١ ١٩٨٢).
(٢) الأغاني: لأبي الفرج الأصفهاني [١٦/ ٣٨٣]، (تحقيق: مصطفى السقا، ١٩٦١، دار الكتب)
(٣) رد الأستاذ مصطفى صادق الرافعي هذا الخبر، وقرر أن الشاعر العظيم لم ينشأ بمصر، وأنه ولد وتأدب في الشام، ثم قدم إلى مصر (٢١٠هـ) شاعرًا ناشئا يتكسب بأدبه؛ فأقام بها بين خمس سنين وست، وخرج منها في سنة ٢١٥هـ أوحواليها. (وحي القلم: [٣/ ٣٤٢، ٣٤٣، ٣٤٦]، مكتبة الأسرة ٢٠٠٣).
(٤) سير أعلام النبلاء: [١١/ ٦٤].
(٥) قصص العرب: محمد أحمد جاد المولى وآخرون [١/ ٤٠٨]، (سلسة الذخائر، الهيئة العامة لقصور الثقافة رقم ١٧٦، ٢٠٠٩).
(٦) الخصائص: لأبي الفتح عثمان بن جني [١/ ١٥ الهامش ٢] (تحقيق محمد علي النجار، سلسة الذخائر، الهيئة العامة لقصور الثقافة، رقم ١٤٦، ٢٠٠٦)، والبحتري هوالطائي الصغير.
(٧) الخصائص: [٢/ ٤٨٠]، وكفاية الطالب في نقد كلام الشاعر والكاتب: ضياء الدين بن الأثير، ص ١١٣، (تحقيق د. النبوي عبد الواحد شعلان، ط ١، الزهراء للإعلام العربي، ١٩٩٤).
1 / 30
يعد أبوتمام رأس الطبقة الثالثة من الشعراء المحدثين، وإليه انتهت معاني المتقدمين والمتأخرين، فهو «شاعر مطبوع، لطيف الفطنة، دقيق المعاني، غواص على ما يستصعب منها، ويعسر متناوله على غيره» (١)؛ فـ «شعره في الذروة» (٢).
وكان أبوتمام «كثير الاختراع والتوليد عند جمهور من علماء الشعر خلافا للقاسم ابن مَهْرُويه» (٣)، «لاقطا للمعاني الجميلة» (٤).
وقد فضَّلَ أبا تمام من الرؤساء والكبراء والشعراء من لا يشق الطاعنون عليه غباره، ولا يدركون - وإن جدوا - آثاره، وما رأى الناس بعده - إلى حيث انتهوا - نظيرا ولا شكلا (٥).
واحتج بشعره بعض أئمة النحو واللغة، قال ابن جني: «... ولا يستنكر ذكر هذا الرجل (أبي تمام) ــ وإن كان مولدًا ــ في أثناء ما نحن عليه من هذا الموضع وغموضه، ولطف متسربه؛ فإن المعاني يتناهبها المتقدمون. وقد كان أبوالعباس (٦) - وهوكثير التعقب لجلة الناس - احتج بشيء من شعر حبيب بن أوس الطائي في كتابه الاشتقاق؛ لما كان غرضه فيه معناه دون لفظه، فأنشد فيه له:
لَورَأَينا التَّوكيدَ خُطَّةَ عَجزٍ ... ما شَفَعنا الأَذانَ بِالتَّثويبِ [بحر الخفيف]
وإياك والحنبلية؛ فإنها خلق ذميم، ومطعم على علاته وخيم» (٧).
_________
(١) الأغاني: [١٦/ ٣٨٣].
(٢) سير أعلام النبلاء: [١١/ ٦٤].
(٣) كفاية الطالب في نقد كلام الشاعر والكاتب: ١٣١ ــ١٣٢.
(٤) أورد صاحب الأغاني قوله: «مر أبوتمام بمخنث يقول لآخر: جئتك أمس، فاحتجبت عني، فقال له: السماء إذا احتجبت بالغيم رجي خيرها؛ فتبينت في وجه أبي تمام أنه قد أخذ المعنى ليضمنه في شعره؛ فما لبثنا إلا أياما حتى أنشدت قوله:
ليس الحجاب بمقص عنك لي أملا ... إن السماء ترجى حين تحتجب» [١٦/ ٦٩٣].
(٥) الأغاني: [١٦/ ٣٨٤].
(٦) يريد المبرد محمد بن يزيد، الإمام في اللغة والنحووالأخبار، وكانت وفاته سنة ٢٨٥هـ.
(٧) الخصائص: [١/ ٢٤].
1 / 31
وقد كان البحتري يرفع من شأن أبي تمام، ويقدمه على نفسه ويقول: «ما أكلت الخبز إلا به، وإني تابع له» (١).
وكان الصولي من المتيمين بأبي تمام؛ فقال فيه: «كان واحد عصره في ديباجة لفظه، وفصاحة شعره» (٢). وقال: «إن أبا تمام أشعر أهل زمانه» (٣). وقال: «إن أبا تمام اخترم، وما استمتع بخاطره، ولا نزح ركي فكره، حتى انقطع رشاء عمره» (٤). وقال له ذات مرة: «يا أبا تمام، أمراء الكلام رعية لإحسانك» (٥).
وقال عمارة بن عقيل بن بلال بن جرير الشاعر الأموي المشهور بعد استماعه لقصيدة لأبي تمام: «كمل والله، لئن كان الشعر بجودة اللفظ، وحسن المعاني، واطراد المراد، واتساق الكلام، فإن صاحبكم هذا أشعر الناس» (٦).
وذكر كارل بروكلمان أن «أبا الفرج الأصفهاني سماه أمير الشعراء، وأشاد أحمد زكي أبوشادي في كتابه: «فوق العباب» بقوة شاعريته، وأبدى أسفه لعدم بذل العناية الواجبة في الكشف عن نواحي عبقريته» (٧).
وكان ابن خلدون يشير إلى أهمية شعر أبي تمام لمن يروم تعلم اللسان العربي (٨).
وثار جدل في أمره وأمر المتنبي أيهما أشعر، فـ «الأذكياء على أن المتنبي أشعر، والشيخ أثير الدين مذهبه أن أبا تمام أشعر؛ فلوعُمِّر عمر المتنبي، وتأخر زمانه حتي يرى أقوال من تقدمه كان أشعر من المتنبي؛ لأن المتنبي تقدمه فحول
_________
(١) سير أعلام النبلاء: [١١/ ٦٥].
(٢) سير أعلام النبلاء: [١١/ ٦٨].
(٣) الأغاني: [١٦/ ٣٨٤].
(٤) الأغاني: [١٦/ ٣٨٤].
(٥) الأغاني: [١٦/ ٣٨٤].
(٦) الأغاني: [١٦/ ٣٨٥].
(٧) تاريخ الآداب العربية: [٢/ ٧٣ - ٧٤]، (ترجمة د. عبد الحليم النجار، دار المعارف).
(٨) المقدمة: لعبد الرحمن بن خلدون [٣/ ١١٦٩]، (تحقيق د. علي عبد الواحد وافي، مكتبة الأسرة ٢٠٠٦)
1 / 32
الشعراء، مثل: أبي تمام، والبحتري، وابن الرومي، وابن المعتز، وأمثالهم؛ فأخذ محاسنهم، ورأى أنموذج جيدهم؛ فنسج على ذلك المنوال» (١).
(٣) مذهبه في الشعر:
يقر كثير من الأدباء والشعراء أن أبا تمام كان صاحب «مذهب» في الشعر (٢)، وأنه قد كانت له «فلسفة حسنة، ومذهب ليس على مذاهب الشعراء» (٣)، قال ابن خلدون: «وأول من أحكم الطريقة حبيب بن أوس والبحتري، فقد كانا مولعين بالصنعة، ويأتون منها بالعجب» (٤)، وتتمثل بعض جوانب هذا المذهب وتلك الصنعة في «أن أبا تمام أخذ نفسه باستعمال البديع، وأكثر منه؛ فجاء بالنادر والمستكره، وهذا معلوم من مذاهبه في أشعاره» (٥). وأكثر أبوتمام من صور البديع إلى درجة الإسراف؛ ويروى أن يعقوب الكندي لما رأى كد أبي تمام ذهنه في تحلية شعره بالمعاني والبديع قال فيه: «هذا رجل يموت قبل حينه؛ لأنه حمل على كيانه بالفكر» (٦).
وأنكر الجرجاني في أسرار البلاغة، والمرزباني في الموشح على أبي تمام كثرة استعمال الغريب المصدود عنه من الكلمات وأسماء الأمكنة (٧)، ونقل «ابن قتيبة (في عيون الأخبار ٢/ ١٦٥) أن أبا تمام هجا يوسف السراج المصري باستعمال الغريب
_________
(١) الوافي بالوفيات: صلاح الدين خليل بن أيبك الصفدي [١١/ ٢٩٨]، (تحقيق إبراهيم شبوح، ط١ بيروت ٢٠٠٤
(٢) الأغاني: [١٤/ ٥١]، (تحقيق: أحمد زكي صفوت)، وقال الأصفهاني أيضا: «وله مذهب في المطابق، وهو كالسابق إليه جميع الشعراء، وإن كانوا قد فتحوه قبله، وقالوا القليل منه؛ فإن له فضل الإكثار فيه، والسلوك في جميع طرقه» [١٦/ ٣٨٣].
(٣) ديوان أبي تمام: [١/ ١٥٧]، الهامش (وهذا قول الآمدي فيه).
(٤) المقدمة: [٣/ ١١٧٤ ـ١١٧٥].
(٥) ديوان أبي تمام: [٢/ ٩٠]، الهامش (والكلام هنا لابن المستوفي).
(٦) تاريخ الآداب العربية: كارل بروكلمان، [٢/ ٧٣].
(٧) تاريخ الآداب العربية: كارل بروكلمان، [٢/ ٧٣].
1 / 33
في غير موضعه، حتى إن زهيرا لونبش عنه المقابر لصرخ بالعويل والنحيب، وأن كلامه أقرب إلى تفسير بُقْرَاط الطبيب منه إلى الشعر؛ (...) وأبوتمام بلغ به نبو الذوق أن وصف حبيبته بصفات لم يجتمع أمثالها في موطن لولا صفات في كتاب الباه» (١).
ونرى أن ما اتُّهم به أبوتمام، وأخذه عليه النقاد من استعماله للبديع، واستعماله الغريب المصدود عنه من الكلمات والأسماء والأمكنة كان فيه الخير الكثير للغة؛ فقد اضطر الشارحون للديوان إلى تجنيد كل ثقافتهم، لا أقول اللغوية فقط بل الفقهية والفلسفية والتاريخية والجغرافية والصوتية والنباتية والبلاغية لشرح شعر أبي تمام؛ ففازت اللغة بشروح قيمة مفيدة وممتعة، والمتأمل في الشروح اللغوية للديوان يخرج بمادة صرفية ونحوية ودلالية قيمة.
(٤) مؤلفاته:
حينما انتشرت نزعة التجديد في الشعر على عهد العباسيين؛ تغير ذوق الأدباء؛ فلم يعد أحد يطيق الصبر على قراءة القصائد الطوال، بل اكتفوا بتذوق القطع المختارة؛ فظهرت اختيارات كثيرة لتلبية هذه الرغبة، مرتبة على معاني الشعر، وأقدم هذه الاختيارات ما جمعه أبو تمام. واقتصر اختياره على شعراء الجاهلية وصدر الإسلام (٢). وهذه الاختيارات - المعروفة الآن بكتاب الحماسة - هي
«السبب الأساسي في مجد أبي تمام وشهرته، حتى قال شارحه التبريزي: إن أبا تمام في حماسته أشعر منه في شعره» (٣). وجمع منافس أبي تمام البحتري (المتوفي ٢٨٤هـ) مختارت سميت أيضا الحماسة «ولم تنل حماسة البحتري هذه من الذيوع والنجاح ما نالته حماسة أبي تمام» (٤).
ويذكر الذهبي أن له أيضا كتاب «فحول الشعراء» (٥).
_________
(١) هذا الاقتباس بتخريجه نقلا عن كارل بروكلمان: [٢/ ٧٣].
(٢) تاريخ الآداب العربية: كارل بروكلمان، [٢/ ٧٧].
(٣) تاريخ الآداب العربية: كارل بروكلمان، [٢/ ٧١ - ٧٢].
(٤) تاريخ الآداب العربية: كارل بروكلمان، [١/ ٨١].
(٥) سير أعلام النبلاء: [١١/ ٦٨].
1 / 34
(٥) وفاته:
تشير بعض المصادر إلى أن أبا تمام مات وهولم يتجاوز الأربعين بعد (١)، ونقل الذهبي أنه قيل: عاش نيفا وأربعين سنة (٢). ومات في «جمادى الأولى سنة إحدى وثلاثين ومائتين، وقال مخلد الموصلي: مات في المحرم سنة اثنتين وثلاثين ومائتين، وأما نفطوية وغيره: موته بسامراء في سنة ثمان وعشرين ومائتين» (٣). وأضاف بروكلمان: سنة ٢٢٩هـ أو٢٣٦هـ (٤).
*********
_________
(١) تاريخ الآداب العربية: كارل بروكلمان، [٢/ ٧٣].
(٢) سير أعلام النبلاء: [١١/ ٦٧].
(٣) سير أعلام النبلاء: [١١/ ٦٧].
(٤) تاريخ الآداب العربية: [٢/ ٧٢].
1 / 35
المبحث الثالث: ترجمة أبي العلاء
(١) اسمه ومولده ومنشؤه:
هو: «الشيخ العلامة، شيخ الآداب، أبوالعلاء، أحمد بن عبد الله بن سليمان ثم التَّنُوخي (١)، المعري الأعمى، اللغوي، الشاعر، صاحب التصانيف السائرة» (٢). ولد بمعرة النعمان من أعمال حلب سنة «ثلاث وستين وثلاثمائة» (٣).
وبيت أبي العلاء من بني سليمان بن داود بن المطهر، سليل الساطع، «وهوبيت علم وفضل ورياسة» (٤)، وفيهم يقول ابن العديم مؤرخ حلب: «وأكثر قضاة المعرة وفضلائها وشعرائها وأدبائها من بني سليمان» (٥).
في هذا البيت الكريم الماجد، ولد أبو العلاء، ومن تلك السلالة المعرقة في الفضل والعزة والعلم والأدب تلقى ميراثه. كان عجبا في الذكاء المفرط والحافظة، لا يكاد ينسى شيئا مما يمر بسمعه (٦)، وقال الشعر في حداثته.
ولما كبر أبوالعلاء، ووصل إلى سن الطلب، أخذ العربية عن قوم من بلده، كبني الكوثر، أو من يجري مجراهم من أصحاب ابن خالويه وطبقته، وقيد اللغة عن أصحاب ابن خالويه أيضا. وطمحت نفسه إلى الاستكثار من ذلك؛ فرحل إلى
_________
(١) تنوخ قبيلة عربية، يتصل نسبها بيعرب بن قحطان جد العرب العاربة، ويشهد المؤرخون لتنوخ بأنها كانت من أكثر العرب مناقب وحسبا. ينظر: أبوالعلاء المعري: د. عائشة عبد الرحمن، ص ٨ (سلسلة أعلام العرب، رقم ٣٨).
(٢) سير أعلام النبلاء: [١٨/ ٢٣ - ٢٤].
(٣) ٩٧٣م ينظر: سير أعلام النبلاء:١٨/ ٢٤، معجم الأدباء أوإرشاد الأريب لمعرفة الأديب: ياقوت الحموي [١/ ٣٩٧] (ط١، دار الكتب العلمية، ١٩٩١م)، إنباه الرواة على أنباه النحاة: جمال الدين أبي الحسن علي بن يوسف القفطي، [٤/ ٢٨ - ٢٩ - ٣٠] (تحقيق: محمد أبوالفضل إبراهيم، ط١، دار الفكر العربي، ١٩٨٦).
(٤) الوافي بالوفيات: صلاح الدين خليل بن أيبك الصفدي: [٧/ ٩٦].
(٥) نقلا عن: أبوالعلاء المعري: د. عائشة عبد الرحمن: ص١٠
(٦) إنباه الرواة على أنباه النحاة: [١/ ٨٧]، الوافي بالوفيات: [٧/ ٩٥].
1 / 36
طرابلس الشام، وكانت بها خزائن الكتب قد وقفها ذوواليسار من أهلها (١)، ثم رحل إلى بغداد سنة ثمان وتسعين وثلاثمائة، أقام بها سنة وسبعة أشهر، ثم رجع إلى بلده؛ فأقام ولزم منزله إلى أن مات (٢).
(٢) مكانته وفضله:
كان غزير الفضل، شائع الذكر، وافر العلم، غاية في الفهم، عالما باللغة، حاذقا بالنحو، جيد الشعر، جزل الكلام، شهرته تغني عن صفته، وفضله ينطق بسجيته (٣)، قال الإمام الذهبي: «ولو تكسب بالمديح؛ لحصَّلَ مالا ودنيا؛ فإن نظمه في الذروة، يعد مع المتنبي والبحتري» (٤).
وقال الباخرزي [في دمية القصر]: «أبوالعلاء ضرير ما له ضريب، ومكفوف في قميص الفضل ملفوف، ومحجوب خصمه الألد محجوج، قد طال في ظل الإسلام آناؤه، ولكن ربما رشح بالإلحاد إناؤه، وعندنا خبر بصره، والله العالم ببصيرته والمطلع على سريرته» (٥).
ولما عاد إلى المعرة في سنة أربعمائة لازم منزله، وشرع في التصنيف، وأخذ عنه الناس، وسار إليه الطلبة من الآفاق (...) وكاتبه العلماء والوزراء والفضلاء، وأهل الأقدار، واختاروا عليه التصنيفات؛ ففعل، وكان نادرة زمانه (٦).
كان يملي تصانيفه على الطلبة من صدره، وقال فيه تلميذه التبريزي: «أفضل من قرأت عليه أبوالعلاء» (٧).
(٣) ثقافته وعلمه:
_________
(١) إنباه الرواة على أنباه النحاة: [١/ ٨٤].
(٢) معجم الأدباء: [١/ ٤٠٥].
(٣) معجم الأدباء: [١/ ٤٠٥].
(٤) سير أعلام النبلاء: [١٨/ ٢٥].
(٥) نقلا عن سير أعلام النبلاء: [١٨/ ٢٧].
(٦) إنباه الرواة على أنباه النحاة: [١/ ٨٦].
(٧) سير أعلام النبلاء: [١٨/ ٢٧ـ ٣٣].
1 / 37