Explanation and Clarification on Tafsir al-Jalalayn - Part 1
التعليق والإيضاح على تفسير الجلالين - جـ ١
Edition Number
الأولى
Publication Year
١٤٤٢ هـ - ٢٠٢٠ م
Genres
مقدمة التحقيق
الحمدُ لله، والصَّلاةُ والسَّلامُ على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومَن والاه؛ أَمَّا بعد:
فهذه «حاشيةٌ على الجلالين: الفاتحة والبقرة»، لشيخنا العلامة عبد الرحمن البراك - حفظه الله - سمَّاها: «التعليق والإيضاح على تفسير الجلالين»، أَملاها في مجالسَ عديدةٍ تعليقًا وتوضيحًا لمُراد المؤلِّفَين من عبارتهما في تفسير الآيات، وصدَّر ذلك بتفسيره - حفظه الله - على الآيات، ثم ثنّى بالتعليق على كلام المؤلِّفَين، وقد تعقَّبهما في المخالفات العقدية، وكان هذا هو السببُ والباعثُ الأَوَّلُ له على إخراج هذا الكتاب قبل أن يبدو لشيخنا أنْ يكتبَ تفسيرًا على الآية - على وجه الإجمال والاختصار - قبل التَّعليق.
ولا يخفى على طالب العلمِ أَهمية تفسير الجلالين لمؤلِّفَيه: جلال الدين المحلي وجلال الدين السيوطي؛ فهو من التفاسير المختصرة الشائعة، و«ظهرت خصائصه اللامعة بين الناس على اختلاف المستويات؛ فقد تميَّزَ بصنيع هذين العالمين معًا؛ إذ كان فيه إيجازٌ وافٍ بكثيرٍ من حاجات التفسير مع الاحتفاظ بجميع النص القرآني، واستيعابُ جهودِ العلماءِ في القرون الإسلامية التسعة» (^١).
وقد سِرنا في العمل على هذا الكتاب وِفقَ المنهجِ التالي:
١ - مقابلةُ أَصل الكتاب وضبطه على طبعة الدكتور: فخر الدين قباوة وهو العمدة في هذه التعليقات، ونُنبِّهُ في الهامش إلى ما قد يكون من اختلافٍ بينهما وبين النسخ الأخرى، كما نُنبِّهُ إلى بعض ما وقع في الكتاب من إشكالات، وننقل ما يُصوِّبه شيخُنا في بعض المواضع منها.
_________
(^١) ينظر: مقدمة تحقيق «تفسير الجلالين» للدكتور قباوة.
1 / 5
٢ - تعريفٌ موجزٌ بالكتاب، وبيانُ منزلته وأَهم حواشيه ومَن اعتنى به.
٣ - ترجمةٌ مختصرةٌ للمؤلِّفَين: جلالِ الدِّين المحلي، وجلالِ الدِّين السيوطي.
٤ - تقسيمُ الكتاب إلى فقرات؛ كالتالي:
- نُصدِّرها بالآيات المراد تفسيرها.
- ثم يليها تفسير شيخنا للآيات.
- ثم نُورد تعليق الجلالين على الآيات.
- ثم نُعقبه بتعليقات شيخنا على كلام الجلالين.
وطريقة التقسيم هذه من عمل شيخنا، كما نص في مقدمته فيما سيأتي.
٥ - توثيقُ النقول التي وردت في الكتاب وعزوها إلى مصادرها الأصلية.
٦ - ربطُ مباحثِ الكتاب بكتب التفسير وعلوم القرآن وغيرِها من سائر الفنون.
٧ - إحالةُ بعضِ المباحث إلى مواضع أخرى موسَّعة من كتب وشروح شيخنا حفظه الله.
٨ - ضبطُ الكلمات المشكلة، والعنايةُ بعلامات الترقيم.
٩ - عزو الآيات إلى مواضعها من كتاب الله ﷿، وإثباتها على رواية حفص عن عاصم، أما الآيات في الجلالين؛ فقد أثبتناها بالخط العادي، وشكّلناها وفق ما ضبطه المحقق الدكتور فخر الدين قباوة لأنَّ القراءة التي اختارها المصنفان لآيات القرآن جمهورها الأساسي معتمد على قراءة إمام البصرة أبي عمرو بن العلاء ولم يلتزما ذلك، وقد أشرنا في الحاشية لاختلاف القراءات.
1 / 6
١٠ - تخريجُ جميع الأحاديث والآثار الواردة في المتن، أو التعليق والشرح.
والطريقةُ في ذلك كالتالي:
أ- إذا كان الحديثُ في الصحيحين أو أحدهما نقتصرُ في العزو إليه إلا لفائدة؛ كأن يكون اللفظُ المذكورُ لغيرهما.
ب- إذا كان الحديثُ في غير الصحيحين:
- خرَّجناه من أهم المصادر، وهي السننُ الأربعُ وموطأ مالك ومسند أحمد، وغيرها من المصادر الحديثية المعتبرة.
- لا نتوسع بذكر الطرق والشواهد، وإنما نحيلُ إلى بعض المراجع لمن أراد التوسّع والزيادة، وغالبًا ما تكون الإحالة إلى كتب التخريج، والعلل.
- ننقل ما تيسَّر من كلام الأئمة النقاد المتقدمين عليه تصحيحًا أو تضعيفًا، وإذا كان بين الأئمة خلافٌ نذكر أقوالهم دون حُكمٍ أو ترجيحٍ، وقد نستأنس - في هذه الحالة - بترجيحات المتأخرين، والمعاصرين ممن يشتغل بالتصحيح والتضعيف.
- إذا لم نجد للأئمة النقاد كلامًا في الحديث: لا نحكم على الحديث صحةً أو ضعفًا، وغالبًا ما نعتمد في هذه الحالة على أحكام المتأخرين في ضوء قواعد النقاد.
ج- نذكر اسم الصحابي راوي الحديث إلا أن يُذكر في المتن، وإذا كان الحديث مرويًا عن أكثر من صحابي ذكرنا صاحب اللفظ وأشرنا إلى غيره تبعًا.
١١ - ترجمةُ الرواة من غير الصحابة والتعريفُ ببعض الأعلام.
١٢ - بيانُ معاني الكلمات الغريبة.
١٣ - التعريفُ بالفِرق والمقالات.
1 / 7
١٤ - صنعُ فهرسٍ تفصيلي للموضوعات، وللمصادر والمراجع.
ملاحظة: إذا ورد في الهوامش كلمة «شيخنا» فالمراد به صاحب التعليقات شيخنا العلامة عبد الرحمن البراك - حفظه الله -.
اللجنة العلمية في
مؤسسة وقف الشيخ عبد الرحمن بن ناصر البراك
للتواصل:
جوال: ٠٥٠٥١١٢٢٤٢
البريد الإلكتروني: m@sh-albarrak.com
1 / 8
التعريف بالجلالين
ألَّف هذا التفسير إمامان، ولقب كل واحد منهما جلال الدين، وهما: جلال الدين المحلَّي، وجلال الدين السيوطي.
ترجمة جلال الدين المحلي:
هو محمد بن أحمد بن محمد بن إبراهيم بن أحمد المحلي الأصل نسبة للمحلة الكبرى. ولد بالقاهرة سنة (٧٩١ هـ) واشتغل وبرع في الفنون؛ فقهًا وأصولًا ونحوًا وغيرها، وكان آيةً في الذكاء والفهم؛ فكان بعض أهل عصره يقول فيه: إن ذهنه يثقب الماس. وكان يقول عن نفسه: أنا فهمي لا يقبل الخطأ.
وكان من أهل الصلاح والورع والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، يواجه بذلك أكابر الظلمة والحكام، ويأتون إليه فلا يلتفت إليهم، ولا يأذن لهم بالدخول عليه، وإذا ظهر له الصواب على لسان من كان رجع إليه، وكان متقشفًا في ملبوسه ومركوبه، ويتكسب بالتجارة، وألف كتبًا تشد إليها الرّحال؛ في غاية الاختصار والتحرير والتنقيح، وقد أقبل عليها الناس وتلقوها بالقبول، وتداولوها؛ منها: «البدر الطالع بشرح جمع الجوامع»، و«كنز الراغبين شرح منهاج الطالبين»، و«شرح الورقات»، وله مصنفات أخرى في شتى الفنون. توفي في أول يوم من سنة (٨٦٤ هـ) (^١).
ترجمة جلال الدين السيوطي:
هو عبد الرحمن بن أبي بكر بن محمد الخضيري السيوطي، ولد في رجب سنة (٨٤٩ هـ)، نشأ في القاهرة يتيمًا إذ مات والده وعمره خمس سنوات،
_________
(^١) ينظر: «الضوء اللامع» (٧/ ٣٩ - ٤١)، و«حسن المحاضرة» (١/ ٤٤٣ - ٤٤٤)، و«طبقات المفسرين» للداودي (٢/ ٨٤ - ٨٥)، و«الأعلام» (٥/ ٣٣٣ - ٣٣٤)، و«معجم المؤلفين» (٨/ ٣٣١ - ٣١٢).
1 / 9
ختم القرآن العظيم وله من العمر دون ثمان سنين، ثم حفظ «عمدة الأحكام»، و«منهاج النووي»، و«ألفية ابن مالك»، و«منهاج البيضاوي»، وعرض الثلاثة الأولى على علماء عصره وأجازوه، ولما بلغ أربعين سنة من عمره أقام في روضة المقياس وأخذ في التجرد للعبادة والانقطاع إلى الله تعالى، وشرع في تحرير مؤلفاته، وترك الإفتاء والتدريس، واعتذر عن ذلك، وكان الأغنياء والأمراء يزورونه ويعرضون عليه الأموال والهدايا فيردها، وطلبه السلطان مرارًا فلم يحضر إليه، وأرسل إليه هدايا فردها، وبقي على ذلك إلى أن توفي، وكان يلقب بابن الكتب؛ لأن أباه طلب من أمه أن تأتيه بكتاب، ففاجأها المخاض، فولدته وهي بين الكتب!
له العديد من المصنفات في شتى الفنون (^١)، منها في التفسير وعلومه: «الدر المنثور في التفسير بالمأثور»، و«الإتقان في علوم القرآن»، و«لباب النقول في أسباب النزول»، و«مراصد المطالع في تناسب المقاطع والمطالع» توفي سنة (٩١١ هـ) (^٢).
التعريف بكتاب تفسير الجلالين:
لم يضع الجلالان لهذا التفسير اسمًا بل عُرف بين العلماء باسم «تفسير الجلالين»، أو «الجلالين» نسبة إليهما.
_________
(^١) ينظر: «دليل مخطوطات السيوطي وأماكن وجودها» لأحمد الخازندار ومحمد إبراهيم الشيباني - الطبعة الثانية -، فقد أوردا فيه (١٠٨٠) عنوانًا ما بين مخطوط ومطبوع ومجهول المكان أو مفقود، وهذا الرقم فيه الكثير من المكررات؛ لكون الكتاب الواحد ذا عناوين مختلفة.
(^٢) ينظر: «حسن المحاضرة» (١/ ٣٣٥ - ٣٤٤)، و«الكواكب السائرة» (١/ ٢٢٧ - ٢٣٢)، وشذرات الذهب (١٠/ ٧٤ - ٧٩)، و«الأعلام» (٣/ ٣٠١ - ٣٠٢)، و«معجم المؤلفين» (٥/ ١٢٨ - ١٣١).
1 / 10
وقد ابتدأ جلال الدين المحلي تفسيره من أول سورة الكهف إلى آخر سورة الناس، ثم ابتدأ بتفسير الفاتحة، وبعد أن أتمها اخترمته المنية فلم يُفسِّر ما بعدها، فجاء السيوطي وكمَّل تفسير المحلي - في مدة ميعاد الكليم؛ أي: أربعين يومًا! -، فابتدأ بتفسير سورة البقرة، وانتهى عند آخر سورة الإسراء، وجعل السيوطي تفسير الفاتحة في آخر تفسير المحلي؛ لتكون منضمة لتفسيره (^١).
وبعد أن اكتمل هذا التفسير انتشر بأيدي الناس واشتهر وقُرِّر في المعاهد وقُرأ في المساجد.
مصادر الكتاب:
اعتمد الجلالان على عدة مصادر في هذا التفسير منها:
التفسير الكبير والصغير لأحمد بن يوسف كواشي (^٢)، ويعرف الأول بـ «تبصرة المتذكر وتذكرة المتبصر»، والثاني هو مختصره الموسوم بـ «التلخيص في تفسير القرآن العظيم»، وقد اعتمد عليهما المحلي، واعتمد السيوطي عليهما واقتبس من وضع المحلي واستفاد منه، واستفاد أيضًا من «الوجيز في تفسير الكتاب العزيز» للواحدي، و«أنوار التنزيل وأسرار التأويل» للبيضاوي، و«تفسير القرآن العظيم» لابن كثير.
_________
(^١) ينظر مقدمة البقرة وخاتمة الإسراء للسيوطي (ص ٣)، و(ص ١٠٧٨)، و«حاشية الجمل» (١/ ٧)، (٢/ ٧٠٧) وما بعدها.
(^٢) أحمد بن يوسف بن الحسن بن رافع بن الحسين بن سويدان الشيبانيّ الموصلي، موفق الدين أبو العباس الكواشي، عالم بالتفسير، من فقهاء الشافعية، من أهل الموصل، من كتبه: «تبصرة المتذكر» في تفسير القرآن، و«كشف الحقائق» ويعرف بـ «تفسير الكواشي»، و«تلخيص في تفسير القرآن العزيز»، نسبته إلى كواشة أو كواشي، قلعة بالموصل. وكف بصره بعد بلوغه السبعين، وتوفي سنة ٦٨٠ هـ. ينظر: «النجوم الزاهرة» (٧/ ٣٥٢)، «هدية العارفين» (١/ ٩٨)، «الأعلام» (١/ ٢٧٤).
1 / 11
كما أشار السيوطي في ترجمته للإمام أحمد بن يوسف كواشي في بغية الوعاة في طبقات اللغويين والنحاة؛ فقال: «وله التفسير الكبير، والصغير، جود فيه الإعراب، وحرر أنواع الوقوف، وأرسل منه نسخة إلى مكة والمدينة والقدس.
قلت: وعليه اعتمد الشيخ جلال الدين المحلي في تفسيره، واعتمدت عليه أنا في تكملته مع الوجيز وتفسير البيضاوي وابن كثير» (^١).
عناية العلماء بالكتاب:
حظي تفسير الجلالين باعتناء الناس وطلاب العلم للآتي:
- كونه أوجز التفاسير وأخصرها، وقد ذكر حاجي خليفة عن بعض علماء اليمن أنه قال: «عددت حروف القرآن وتفسيره للجلالين؛ فوجدتهما متساويين إلى سورة المزمل، ومن سورة المدثر التفسير زائد على القرآن، فعلى هذا يجوز حمله بغير الوضوء» (^٢).
- اعتناء الكثير من أهل العلم بتدريسه، والإجازة فيه، وتقريره في المعاهد الشرعية.
- كثرة الحواشي والتعليقات التي أظهرت معناه، وكشفت عن كثير مما خفي.
وقد قام الكثير بشرحه، والتعليق عليه، وتوضيح دقائقه في مؤلفات وحواش كثيرة، منها المطبوع والمخطوط، والمفقود، والناقص، تزيد على الثلاثين، وأهمها (^٣):
_________
(^١) «بغية الوعاة» (١/ ٤٠١).
(^٢) ينظر: «كشف الظنون» (١/ ٤٤٥).
(^٣) ينظر: «جامع الشروح والحواشي» (١/ ٦٠٩ - ٦١٣).
1 / 12
١ - «مجمع البحرين ومطلع البدرين على تفسير الجلالين» لمحمد بن محمد الكرخي، توفي سنة (١٠٠٦ هـ) في أربع مجلدات، وحققت أجزاء منه في رسائل جامعية، وله حاشية صغرى عليه (^١).
٢ - «حاشية الجمالين على الجلالين» للملا علي القاري، توفي سنة (١٠١٤ هـ) طبع جزء منها (^٢).
٣ - «حاشية على تفسير الجلالين» لعبد الرحمن بن محمد القصري، الفاسي، المالكي، توفي سنة (١٠٣٦ هـ)، طبع جزء منها في المغرب عام (١٤٣٦ هـ) بتحقيق الدكتور السيد حسن عزوزي، نشره المجلس العلمي المحلي لإقليم مولاي يعقوب (^٣).
٤ - «كتاب الكوكبين النيرين في حل ألفاظ الجلالين» لعطية بن عطية الأجهوري، توفي سنة (١١٩٠ هـ)، وحققت أجزاء منه في رسائل جامعية (^٤).
٥ - «الفتوحات الإلهية بتوضيح تفسير الجلالين بالدقائق الخفية» والمعروفة بحاشية الجمل لسليمان بن عمر بن منصور العجيلي الأزهري، المعروف بالجمل، توفي سنة (١٢٠٤ هـ)، وهو مطبوع مشهور.
٦ - «حاشية الكمالين على الجلالين» لسلام الله بن فخر الدين الدهلوي، المتوفي سنة (١٢٢٩ هـ)، وقيل (١٢٣٣ هـ)، طبعت سنة (١٣٨١ هـ).
_________
(^١) ينظر: «كشف الظنون» (١/ ٤٤٥)، و«خلاصة الأثر» (٤/ ١٥٢)، و«الأعلام» (٧/ ٦١)، و«إيضاح المكنون» (٤/ ٤٣٣)، و«هدية العارفين» (٢/ ٢٦٣)، و«معجم المؤلفين» (١١/ ٢٦١).
(^٢) ينظر: «كشف الظنون» (١/ ٤٤٥)، «الأعلام» (٥/ ١٢)، «هدية العارفين» (١/ ٧٥١).
(^٣) ينظر: شجرة النور الزكية (١/ ٤٣٣)، و«معجم المؤلفين» (٥/ ١٩٤).
(^٤) ينظر: الأعلام (٤/ ٢٣٧)، و«إيضاح المكنون» (٤/ ٣٩٥)، و«هدية العارفين» (١/ ٦٦٥) و«معجم المؤلفين» (٦/ ٢٨٧).
1 / 13
٧ - «حاشية على الجلالين» لأحمد بن محمد الخلوتي، الشهير بالصاوي، توفي سنة (١٢٤١ هـ)، وهو مطبوع مشهور.
٨ - «حاشية على تفسير الجلالين» لمحمد بن صالح أبي السعود السباعي، توفي سنة (١٢٦٨ هـ)، وهو في ثلاث مجلدات مخطوطة (^١).
٩ - «قرة العين ونزهة الفؤاد» لعبد الله بن محمد الشافعي النبراوي، توفي سنة (١٢٧٥ هـ)، هي حاشية على تفسير الجلالين في أربع مجلدات، مخطوطة، وقد حققت أجزاء منه في رسائل جامعية (^٢).
١٠ - «التعليق على الجلالين» لعبد الرزاق عفيفي، توفي سنة (١٤١٥ هـ)، من سورة غافر إلى سورة الناس ضمن مقرر التفسير بالمعاهد العلمية.
١١ - «قرة العينين على تفسير الجلالين» لمحمد أحمد كنعان، توفي سنة (١٤٣٢ هـ)، أضاف إلى التفسير ما تدعو الحاجة إليه، وعلَّق على بعض المواضع منه، وخرَّج أحاديثه، طبعته شركة دار البشائر.
١٢ - «تنبيهات مهمة على قرة العينين على تفسير الجلالين» لمحمد بن جميل زينو، توفي سنة (١٤٣١ هـ)، وهو تنبيهات على بعض الأخطاء الواقعة في الكتاب السابق، وجعل فصلًا في ذكر تنبيهات مفيدة لمحمد كنعان.
١٣ - «تهذيب تفسير الجلالين» لمحمد لطفي الصباغ، توفي سنة (١٤٣٩ هـ)، طبعه المكتب الإسلامي.
١٤ - «أنوار الهلالين في التعقبات على الجلالين» لمحمد بن عبد الرحمن الخميس، وهو تعقبات على بعض الأخطاء العقدية. طبعته دار الصميعي.
_________
(^١) ينظر: «الأعلام» (٦/ ١٦٤)، و«إيضاح المكنون» (٣/ ٣٠٤) و«هدية العارفين» (٢/ ٣٧٣)، و«معجم المؤلفين» (١٠/ ٨٣).
(^٢) ينظر: «الأعلام» (٤/ ١٣١)، و«معجم المؤلفين» (٦/ ١٤٢)، و«معجم المفسرين» (١/ ٣٢٦).
1 / 14
١٥ - «حاشية هداية الموحدين على تفسير الجلالين» لهشام برغش، طبعته مدار الوطن.
مذهب الجلالين العقدي:
ومما يُؤخذ على هذا التفسير: أنَّ مؤلِّفيه لم يلتزما منهج أهل السنة والجماعة في مسائل الأسماء والصفات التي أجمع السلف على إثباتها، من غير تحريف ولا تعطيل ومن غير تكييف ولا تمثيل؛ فوقعا في زلات عفا الله عنهما؛ فقد سلكا مسلك التأويل لكثير من الصفات على طريقة الأشاعرة، وقد علق شيخنا عليها وحرَّر مذهب أهل السنة والجماعة بما يقتضيه المقام بسطًا وإيجازًا.
نسأل الله أن يجزي شيخنا خير ما يجزي به العلماء الصادقين والدعاة الناصحين والأئمة المصلحين، كما نسأله جل وعلا أن يتغمد العلَّامتين المحلي والسيوطي برحمته ويعفو عنها بمنه وكرمه؛ إنه غفور رحيم.
1 / 15
مقدمة التعليق
الحمدُ لله، والصَّلاةُ والسَّلامُ على نبيِّنا محمَّدٍ، وعلى آلِه وصحبِه أجمعين؛ أمَّا بعد: فقد أشار عليَّ بعضُ الإخوةِ الفضلاء أنْ أُعلِّقَ على المواضع التي فيها مخالفة لعقيدة أهل السنَّة من «تفسير الجلالين»، فاستحسنتُ ذلك، ولكني رأيتُ التَّعليقَ على جميع الكتاب مما يتعلَّقُ بالعقيدة وغيرِها، وذلك بتوضيح مُراد المؤلِّف من عبارته في تفسير الآيات.
ثم بدا لي أنْ أكتبَ تفسيرًا على الآية - على وجه الإجمال والاختصار - قبل التَّعليق، ممَّا فهمتُه منها وممَّا حصل لي من قراءتي في بعض التفاسير، فصار ذلك تفسيرًا مستقلًا متبوعًا بالتَّعليق على كلمات مؤلِّف تفسير الجلالين، فحصل بذلك الجمعِ بين التفسير والتَّعليق تكاملٌ وتمامُ فائدةٍ في تفسير الآية.
وقد أكتفي في بعض المواضعِ بتفسير الجلالين مع التَّعليق عليه إذا رأيت ذلك مُغنيًا عن تفسيرٍ مُستقلٍّ للآية.
والمنهجُ الذي اتَّبعتُه في هذا: أنْ أسوقَ الآيةَ أو الآيات أولًا، ثم أذكرَ تفسيرَها، ثم أذكرَ نصَّ تفسير الجلالين، وأُتبعَه بالتَّعليق عليه.
أسالُ اللهَ أن يجعلَه عملًا خالصًا ومُعينًا على فهم كتابه تعالى.
1 / 16
قال الإمام جلال الدين المحلي:
(سورة الفاتحة)
مكيَّةٌ، سبعُ آياتٍ بالبسملة إن كانت منها، والسابعةُ ﴿صِرَاطَ الَّذِينَ﴾ إلى آخرها، وإن لم تكن منها فالسابعةُ ﴿غَيْرِ الْمَغْضُوبِ﴾ إلى آخرها، ويُقدَّرُ في أوَّلها «قولوا» ليكون ما قبل: ﴿إِيَّاكَ نَعْبُدُ﴾ مناسبًا له بكونه من مَقول العباد.
قولُه: (بالبسملة إن كانت منها): أي: إن كانت البسملةُ آيةً من الفاتحة، وفي ذلك قولان، والصواب: أنها ليست آية من الفاتحة (^١) بدليل الحديث القدسي؛ قال الله: «قَسَمتُ الصلاةَ بيني وبين عبدي نصفين» - يعني: الفاتحة - «فإذا قال: ﴿الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ﴾؛ قال الله: حمدني عبدي …» (^٢) الحديث، فبدأ بالحمد لله ربِّ العالمين، ولم يذكر البسملةَ.
وقولُه: (ويُقدَّرُ في أوَّلها «قولوا»): لأنَّ الفاتحةَ كلَّها تعليمٌ من الله لعباده المؤمنين، وقد تضمَّنت الحمدَ والثناءَ والتمجيدَ لله، والتوحيدَ والدعاءَ، فالمسلمُ يقرأها يقصدُ تلاوةَ كلامِ الله، ويقصدُ معانيها المذكورة، ومَن يقرأها غافلًا عن معانيها يكون قاصدًا للتلاوة فقط فله أجرُ التلاوة؛ لأنَّ التلاوةَ مع الغفلة عن المعنى تكون ناقصةً.
_________
(^١) وهو مذهب مالك وأبي حنيفة ورواية عن أحمد هي المنصورة عند أصحابه، ومذهب جمهور الفقهاء والقراء. ينظر: «المجموع شرح المهذب» (٣/ ٣٣٣ - ٣٤٠)، و«المغني» (٢/ ١٥١ - ١٥٣)، و«تفسير القرطبي» (١/ ٩٢ - ٩٤)، و«تفسير ابن كثير» (١/ ١١٦ - ١١٧)، و«النشر في القراءات العشر» (١/ ٢٧٠ - ٢٧١).
(^٢) أخرجه مسلم (٣٩٥) من حديث أبي هريرة ﵁.
1 / 17
وقولُه: (ليكون ما قبل: ﴿إِيَّاكَ نَعْبُدُ﴾ مناسبًا له): يريدُ أنَّ تقدير «قولوا» يجعل ما قبل ﴿إِيَّاكَ نَعْبُدُ﴾ - وهي الآياتُ الثلاثُ - إنشاءً من العبد بتعليم الله، حمدًا وثناءً وتمجيدًا، ويؤيّده قولُه تعالى في الحديث القدسي: «حمدني عبدي، أثنى علي عبدي، مجَّدني عبدي»، وعليه يكون قولُه: ﴿إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ﴾ التفاتًا، وهو انتقالٌ من الغيبة إلى الحضور.
* * *
1 / 18
قوله تعالى: ﴿بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ (١)﴾.
الباءُ للاستعانة، والاسمُ هو اللفظُ الدالُّ على المسمَّى، فالمعنى: استعينوا بالله ذاكرًا لاسمه، كقوله: ﴿فَسَبِّحْ بِاسْمِ رَبِّكَ﴾ [الواقعة: ٧٤، ٩٦، الحاقة: ٥٢]، و﴿اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ﴾ [العلق: ١].
و﴿اللَّهِ﴾: أشهرُ أسمائه تعالى، والجامع لمعاني أسمائه وصفاته (^١)، وأصلُ كلمة الله الإله، فحُذفت الهمزةُ وأُدغمتِ اللامُ في اللام مع التفخيم (^٢).
﴿الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ﴾: اسمان من أسماء الله يدلَّان على صفة الرحمة، والفرقُ بينهما أنَّ الرَّحمن يدلُّ على الرحمة الذاتية، وقيل: الرحمة العامة، والرحيم يدلُّ على الرحمة الفعليَّة، وقيل: الرحمة الخاصة (^٣).
* * *
_________
(^١) ينظر: «بدائع الفوائد» (٢/ ٧٨٢)، و«التعليق على القواعد المثلى» لشيخنا (ص ٤٩ - ٥٠).
(^٢) ينظر: «تفسير الطبري» (١/ ١٢١ - ١٢٣)، و«الكتاب» لسيبويه (٢/ ١٩٥ - ١٩٦)، و«لسان العرب» (١٣/ ٤٦٧)، و«اشتقاق أسماء الله» للزجاجي (ص ٢٣ - ٣٢)، و«بدائع الفوائد» (٢/ ٧٨٢).
(^٣) هذا قول ابن القيم كما في «بدائع الفوائد» (١/ ٤٢)، واختاره شيخنا في «توضيح مقاصد العقيدة الواسطية» (ص ٦٧)، و«التعليقات على المخالفات العقدية في فتح الباري» (ص ١٠٤ رقم ٦٧). وينظر أقوال أخرى في التفريق بينهما في: «تفسير الطبري» (١/ ١٢٥ - ١٢٩)، و«تفسير أسماء الله الحسنى» للزجاج (ص ٢٨)، و«شأن الدعاء للخطابي» (١/ ٣٥ - ٣٩)، و«اشتقاق أسماء الله» للزجاجي (ص ٣٨ - ٤٣).
1 / 19
وقوله تعالى: ﴿الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ (٢)﴾.
«ال» في ﴿الْحَمْدُ﴾ للاستغراق، واللام في ﴿لِلَّهِ﴾ للاستحقاق، المعنى: الحمدُ كلُّه مُستحَقٌّ لله، والجملةُ إنشاءٌ للحمد من العبد لربه، وهي خبرٌ من الله مدحًا لنفسه، وتعليمًا لعبده، والربُّ: هو: المالكُ المنعمُ، المربي بالنِّعم، المستحقُّ للعبادة (^١).
و﴿الْعَالَمِينَ﴾: جمعُ عالَم، والمرادُ بهم في هذا الموضع: جميعُ الخلق، فكلُّ جنسٍ من المخلوقات عالَم، تقول: عالَمُ الإنس، وعالَم الجنِّ، وعالَم الملائكة، وعالَم الحيوان، وغير ذلك.
وقد يُرادُ بالعالمين: الجنُّ والإنسُ فقط؛ كقوله تعالى: ﴿لِيَكُونَ لِلْعَالَمِينَ نَذِيرًا (١)﴾ [الفرقان: ١]، وقد لا يُراد بهم إلا البشر؛ كقوله تعالى - في بني إسرائيل -: ﴿وَأَنِّي فَضَّلْتُكُمْ عَلَى الْعَالَمِينَ (٤٧)﴾ [البقرة: ٤٧، ١٢٢] (^٢).
﴿الْحَمْدُ لِلَّهِ﴾: جملةٌ خبريةٌ قُصد بها الثناءُ على اللَّه بمضمونها من أنه تعالى مالكٌ لجميع الحمد من الخلق، أو مُستحقٌّ لأن يَحمدوه.
و﴿الله﴾: عَلَمٌ على المعبود بحق. ﴿رَبِّ الْعَالَمِينَ﴾: أي مالك جميع الخلق من الإنس والجنِّ والملائكة والدواب وغيرهم، وكلٌّ منها يُطلَقُ عليه «عَالَم»، يقال: عالَم الإنس وعالَم الجن إلى غير ذلك، وغلب في جمعه بالياء والنون «أولو العلم» على غيرهم. وهو من العلامة؛ لأنه علامةٌ على مُوجِده.
_________
(^١) ينظر: «تفسير الطبري» (١/ ١٤٢ - ١٤٣)، و«اشتقاق أسماء الله» (ص ٣٢ - ٣٦)، و«شأن الدعاء» (ص ٩٩ - ١٠٠)، و«مجموع الفتاوى» (١٤/ ١٢ - ١٣).
(^٢) ينظر: «تفسير الطبري» (١/ ١٤٤ - ١٤٧)، و«نزهة الأعين النواظر» لابن الجوزي (ص ٤٤٤ - ٤٤٦، رقم ٢١٤).
1 / 20
وقولُ المؤلِّف: (جملةٌ خبريةٌ): أي من حيث اللفظ، أمَّا من حيث المعنى فهي مدحٌ وثناءٌ على الله، ولهذا قال المؤلِّف: (قصدَ بها الثناء على الله بمضمونها).
وقولُه: (مالكٌ … أو مستحق): إشارةٌ إلى أنَّ اللام في قوله: ﴿لِلَّهِ﴾: يُحتمل أن تكون للملك أو للاستحقاق، والأظهر: أنها للاستحقاق (^١).
وقولُه: (واللهُ عَلَمٌ على المعبود بحق): هذا الاسم «الله» مختصٌّ بربِّ العالمين، وهو الإله الحقُّ المعبودُ بحق، ولكن هذا الاسم ليس علمًا محضًا بل هو عَلَمٌ وصفةٌ؛ لأنَّ أصلَ اللفظ مُشتقٌّ، فأصل الله إله، بمعنى: مألوه أي: معبود، فحُذفت الهمزةُ، وأُدغمتِ اللامُ في اللام مع التفخيم كما تقدَّم.
وقولُه: (وجُمع بالياء والنون)؛ أي: جُمعَ العالمُ جمعَ مذكَّرٍ سالمٍ مع أنَّ العوالمَ منها ما يَعقِل ومنها ما لا يَعقِل، وما لا يَعقِلُ لا يُجمعُ جمعَ مذكَّرٍ، ولكن يقول المؤلِّف: غُلِّب أُولوا العلم؛ يعني: أُولوا العقل؛ أي: غلبَ مَنْ يَعقِلُ على ما لا يعقل فجُمع جمعَ مذكَّرٍ سالمٍ. والصحيحُ أنَّ عالَم قد فقد فيه ثلاثةَ شروطٍ من شروط ما يُجمعُ جمعَ مُذكَّرٍ سالم:
الأولُ: أنَّ العالم ليس بعَلَمٍ ولا صفة، وهذا شرطٌ فيما يُجمع جمعَ مذكر سالم.
الثاني: أن يكون مذكرًا حقيقيًا، والعالَمُ مذكرٌ لفظًا.
الثالث: أن يكون ما يُجمعُ جمعَ مُذكَّرٍ سالمٍ عاقلًا، والعالَم منه ما يعقلُ ومنه ما لا يعقلُ كما تقدَّم.
ولهذا كان الصواب: أنَّ العالمين مُلحقٌ بجمع المذكَّرِ السالم.
_________
(^١) لأنها داخلة بين معنى وذات. ينظر: «اللامات» للزجاجي (ص ٦٥)، و«مغني اللبيب» (ص ٢٧٥)، و«حاشية الصبان على الأشموني» (٢/ ٣٢٠).
1 / 21
وقولُه: (وهو من العلامة): يريد أنَّ العالَم والعالمين سُمِّيَ بذلك لأنه دالٌ على موجده، فكلُّ مخلوقٍ هو علامةٌ على الخالق سبحانه، وهذا معنى قول المؤلِّف: أنَّ العالَمَ مأخوذٌ اسمُه من العلامة، والعلامةُ ما يعرف به الشيء ويدلُّ عليه (^١)، ويقال: له أيضًا آية، والآية والآيات بهذا المعنى هي الآياتُ الكونية، وهي: المخلوقات. والآية والآياتُ في القرآن يُرادُ بها في الغالب الآياتُ الكونيةُ؛ كقوله تعالى: ﴿إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَةً﴾ [البقرة: ٢٤٨]، ﴿إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ﴾ [يونس: ٦٧]، ﴿وَمِنْ آيَاتِهِ﴾ [الروم: ٢٠]، ويُرادُ بها تارةً الآياتُ الشرعية، وهي: آياتُ القرآن؛ كقوله: ﴿تِلْكَ آيَاتُ الْكِتَابِ﴾ [يونس: ١]، ﴿مِنْهُ آيَاتٌ مُحْكَمَاتٌ﴾ [آل عمران: ٧].
* * *
_________
(^١) ينظر: «تفسير الماوردي» (١/ ٥٥)، و«تفسير البغوي» (١/ ٥٢)، و«تفسير ابن عطية» (١/ ٧٤)، و«الكتاب الفريد في إعراب القرآن المجيد» للهمذاني (١/ ٧٥).
1 / 22
وقولُه تعالى: ﴿الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ (٣)﴾.
ما يتعلَّقُ بهذين الاسمين تقدَّم في البسملة، وقال الله في الحديث القدسي: «وإذا قال: الرحمن الرحيم، قال الله تعالى: أثنى علي عبدي».
﴿الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ﴾ أي: ذي الرحمة، وهي إرادةُ الخيرِ لأَهلِه.
وقولُ المؤلِّف: (أي: ذي الرحمة، وهي إرادةُ الخيرِ لأَهلِه): تفسيرُ الرحمة بالإرادة مبنيٌّ على نفي حقيقةِ الرَّحمةِ، وهو من مذهب الأشاعرةِ الذين لا يُثبتون إلَّا سبعًا من الصفات (^١)، ومنها الإرادةُ، فيفسرون بها كثيرًا من الصفات التي ينفونها؛ كالرحمة والغضب والمحبة والبُغض، والواجبُ إثباتُ هذه الصفات على حقيقتها اللائقةِ بالله ﷾ كما هو ظاهرُ القرآن، فالاسمان دالَّان على أنَّ الرحمةَ صفةٌ لله - تعالى - قائمةٌ به.
* * *
_________
(^١) وقد انتقد شيخ الإسلام هذا التقسيم عندهم. ينظر: «درء التعارض» (٣/ ٢١ - ٢٢)، و«بيان تلبيس الجهمية» (١/ ٣٣٠)، و«موقف ابن تيمية من الأشاعرة» للمحمود (٣/ ١٠٤٩).
1 / 23
قوله تعالى: ﴿مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ (٤)﴾.
«يوم الدين»: أحدُ أسماءِ يومِ القيامة، ومعناه: يومُ الجزاءِ والحسابِ للعباد على الأعمال.
﴿مَلِكِ يَوْمِ الدِّينِ﴾ أي: الجزاءُ، وهو يوم القيامة، وخُصَّ بالذِّكر لأنه لا ملك ظاهرًا فيه لأحدٍ إلَّا لله تعالى، بدليل: ﴿لِمَنِ الْمُلْكُ الْيَوْمَ لِلَّهِ﴾ [غافر: ١٦]. ومن قرأ «مالك» فمعناه: مالكُ الأمر كلّه في يوم القيامة؛ أي: هو موصوفٌ بذلك دائمًا كـ ﴿غَافِرِ الذَّنْبِ﴾ [غافر: ٣]، فصحَّ وقوعُه صفةً للمعرفة.
وقولُ المؤلِّف: (خُصَّ بالذِّكر): معناه: خُصَّ يومَ الدين بأنَّ اللهَ ملكه، والملكُ فيه له سبحانه مع أنه تعالى مالكُ الدنيا والآخرة، ﴿وَإِنَّ لَنَا لَلْآخِرَةَ وَالْأُولَى﴾ [الليل: ١٣]، ويُبيّنُ المؤلِّفُ وجهَ التخصيص بقوله: (لأنه لا ملك ظاهرًا فيه لأحدٍ إلَّا لله تعالى)، بخلاف الدنيا ففيها ملوكٌ لكنَّ ملكَهم عاريةٌ، وهم: ذاهبون، ولهذا في الحديث الصحيح: أنَّ اللهَ إذا أخذ الأرضَ والسماوات بيديه يقول: «أنا الملكُ، أين ملوك الأرض؟» (^١)، فلا ملكَ لأحدٍ يومَ القيامةِ سواه، كما قال تعالى: ﴿يَوْمَ لَا تَمْلِكُ نَفْسٌ لِنَفْسٍ شَيْئًا والْأَمْرُ يَوْمَئِذٍ لِلَّهِ﴾ [الانفطار: ١٩].
وقولُه: (ومن قرأ «مالك» …) إلى آخره: يدلُّ على أنَّ في الكلمة قراءتين، و﴿مَلِكِ﴾ بلا ألف قراءةُ الجمهور (^٢)، واختارها ابنُ جرير (^٣). ووجهُ التخصيص بـ «يوم الدين» مثل: وجه التخصيص على القراءة الأولى.
_________
(^١) رواه البخاري (٤٨١٢)، ومسلم (٢٧٨٧) من حديث أبي هريرة ﵁.
(^٢) قرأ عاصم والكسائي ويعقوب وأبو حاتم وخلف بإثبات ألف بعد الميم لفظًا، وقرأ الباقون بغير ألف. ينظر: «النشر في القراءات العشر» ١/ ٢٧١.
(^٣) «تفسير الطبري» (١/ ١٥٠).
1 / 24