143

Al-tabshīr waʾl-istiʿmār fī al-bilād al-ʿarabiyya: ʿarḍ li-juhūd al-mubashshirīn allatī tarmī ilā ikhdāʿ al-sharq li-l-istiʿmār al-gharbī

التبشير والاستعمار في البلاد العربية عرض لجهود المبشرين التي ترمي إلى اخضاع الشرق للاستعمار الغربي

Publisher

المكتبة العصرية-صيدا

Edition Number

الخامسة

Publication Year

١٩٧٣

Publisher Location

بيروت

Genres

الحكام الوطنيون في كل بقعة على حق حينما كانوا «يَعْتَقِدُونَ أَنَّ مَجِيءَ المُبَشِّرِينَ يَنْتَهِي دَائِمًا بِتَدَخُّلِ الدُّوَلِ النَّصْرَانِيَّةِ فِي بِلاَدِهِمْ، وَبِخَسَارَتِهِمْ جُزْءًا مِنْ اِسْتِقْلاَلِهِمْ» (١).
لكن هذه الطريق طويلة، ولذلك كان المبشرون يرغبون في أن تتدخل الدولة بقوتها أولًا ثم يأتون هم فيجدون الطريق ممهدة للتنصير: إن المبشر (وطسون) «اِقْتَرَحَ أَنْ تَتَعَاوَنَ الحُكُومَاتُ الغَرْبِيَّةُ فِي سَبِيلِ مَنْعِ اِنْتِشَارِ الإِسْلاَمِ بَيْنَ القَبَائِلِ الوَثَنِيَّةِ فِي أَفْرِيقِيَا» (٢) حتى تكون مهمة المبشر أهون لفقدان المنافسة. إن المبشرين يخشون تلك المنافسة خشية شديدة.
يقول (غاردنر): «إِنَّ نُزُولَ الإِرْسَالِيَّاتِ المَسِيحِيَّةِ عَلَى سَاحِلِ غَانَا، مِنْ نَهْرِ غَامْبِيَا إِلَى نَهْرِ النِّيجِرْ (عَلَى سَاحِلِ أَفْرِيقِيَا الشَّمَالِيِّ الغَرْبِيِّ)، لِلْتَّبْشِيرِ بَيْنَ الوَثَنِيِّينَ مِنْ أَهْلِ أَفْرِيقِيَا ثَمَّ اِحْتِلاَلِ الدُّوَلِ الأُورُوبِيَّةِ لِهَذِهِ المَنَاطِقَ وَلِمَا وَرَاءَهَا هُمَا اللَّذَانِ أَقَامَا الإِسْلاَمَ وَالنَّصْرَانِيَّةَ وَجْهًا لِوَجْهٍ فِي تِلْكَ الأَصْقَاعِ» (٣)، وكل دين يحاول أن يجتذب إليه أولئك الوثنيين. ولم يكن في الأمر منافسة لو لم تقف الدول الأوروبية بجانب مبشريها.
وأخيرًا أخذ الضعف يدب فعلًا في الإمبراطورية العثمانية فاخترقت الدول الأجنبية ذلك السور الذي كان مضروبًا عليها، ثم تغلغلت من طريق الفتح ومن طريق التسلسل السياسي في شبه جزيرة العرب وفي مصر وسورية وقبرص وغيرها. وهكذا لم يبق من حاجة المبشرين لشق الطريق أمام الجيش الزاحف، ولكن ظلت الحاجة إليهم ماسة ليساعدوا في تثبيت الأقدام حيث نزل الجيش. ولكن المبشرين رأوا أن الجيش وحده كان يقوم بمهمة الفتح ومهمة تثبيت الأقدام فأرادوا أن يستفيدوا هم فقط من هذه السيطرة العسكرية السياسية.
قال (جسب): «إِنَّ القِسْمَ الأَكْبَرَ مِنَ المُسْلِمِينَ قَدْ أَصْبَحَ فِي حُكْمِ الدُّوَلِ النَّصْرَانِيَّةِ فَيَجِبُ الاِسْتِفَادَةَ مِنْ هَذِهِ الحَالَةِ الرَّاهِنَةِ» (٤). وصرح (رشتر) فقال: «إِنَّ مِائَةَ وَسِتِّينَ مَلْيُونًا مِنْ مَجْمُوعِ مِائَتَيْنِ وَخَمْسِينَ مَلْيُونًا مِنَ المُسْلِمِينَ فِي حُكْمِ الدُّوَلِ النَّصْرَانِيَّةِ، فَوَاجِبُ هَذِهِ الدُّوَلِ إِذَنْ أَنْ تُمَهِّدَ السَّبِيلَ لِتَبْدِيلِ دِينِ هَؤُلاَءِ الرَّعَايَا» (٥).
ولكن رغبة المبشرين لم تكن في حقيقة الأمر منافية لغاية الدول الأوروبية الطامحة إلى الاستعمار. إن الدول الأوروبية بدأت تنزل مستعمرة في الشرق الأدنى خاصة منذ الثلث الثاني من القرن التاسع عشر. ويمن المبشر (صموئيل زويمر) على المسلمين فيقول في المؤتمر

(١) Islam and Missions ١٧٢ f
(٢) ibid ١٩٢
(٣) Gairdner ٢٨٠
(٤) Jessup ٧٦٧ f
(٥) cf. Richter ٧٧

1 / 145