وإن كان حرف النفي بعد لفظة (كل) فهو من الكلية، فالحكم بالمحمول على الموضوع شامل لكل فرد، كقول أبي النجم:
قد أصبحَتْ أمُّ الخيارِ تدّعي ... عليَّ ذنبا كلُّه لم أصنعِ (^١)
برفع لفظة (كل)؛ لأن مراده أنه لم يصنع شيئًا واحدًا مما ادعت عليه.
ومن هذا المعنى قوله ﷺ لذي اليدين لما قال: أقُصرت الصلاة أم نسيت؟: "كل ذلك لم يكن" (^٢)، أي لم يكن شيء منه: لم أنْسَ ولم تُقصر، يعني في ظني، كما هو مقرر في الأصول، في مبحث دلالة الاقتضاء.
وهذه القاعدة أغلبية؛ [لورود] (^٣) آيات متعددة فيها حرف النفي قبل لفظة (كل)، مع أنها كلية، لا كلٌّ مجموعي، كقوله -تعالى-: ﴿إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ كُلَّ خَوَّانٍ كَفُورٍ (٣٨)﴾ [الحج: ٣٨] وقوله: ﴿إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ مَنْ كَانَ مُخْتَالًا فَخُورًا﴾ [النساء: ٣٦] ونحو ذلك من الآيات؛ لأن الحكم بنفي المحبة عام لكل فرد من أفراد الخوّانين الكفورين، والمختالين الفخورين، كما ترى.
فقد عرفتَ أن الفرق بين (الكل) و(الكلية)، أن (الكل) لا يتبع الحكمُ فيه كلَّ فرد من أفراده، وأن (الكلية) يتبع الحكمُ فيها كلَّ فرد من أفرادها، ومثالها موجبةً: (كل إنسان حيوان)، وسالبةً: (لا شيء من