Mawsūʿat al-iʿjāz al-ʿilmī fī al-Qurʾān wa-l-Sunna
موسوعة الإعجاز العلمي في القرآن والسنة
Publisher
دار المكتبي-سورية-دمشق-الحلبوني
Edition Number
الثانية ١٤٢٦ هـ
Publication Year
٢٠٠٥ م.
Publisher Location
جادة ابن سينا.
Genres
لكنّ البرءَ في النهايةِ لا يكون حتمًا عند الإصابةِ في التشخيصِ، والإصابةِ في اختيارِ الدواءِ المناسبِ بالكميةِ المناسبةِ، وفي الوقتِ المناسبِ، هذه كلُّها شروطٌ لازمةٌ، ولكنّها غيرُ كافيةٍ، فلا بد مِن أنْ يسمحَ اللهُ للدواءِ أنْ يفعلَ فِعْلَهُ في العاملِ الممرضِ، شفاءً، أو تخفيفًا، لذلك قال ﵊: "بَرَأَ بِإِذْنِ اللهِ ﷿".
إنّ ممّا يكمِّلُ الأخذَ بالأسبابِ التوجهَ إلى الله بالدعاءِ، لأنه مسبِّبُ الأسبابِ، لذلك ورد عن النبي ﷺ أنه قال: "دَاوُوا مَرْضَاكُمْ بِالصَّدَقَاتِ"، وروي عنه: "الصَّدَقَةُ فِي السِّرِّ تٌُطْفِئ غَضَبَ الرَّبِّ"، وروي عنه: "بَاكِرُوا بِالصَّدَقَةِ، فَإِنَّ الْبَلاَءَ لاَ يَتَخَطَّاهَا".
العبادات شفاءٌ من أمراض كثيرة وهي معللة بمصالح الخلق
يقولُ الإمامُ الشافعيُّ: "العباداتُ مُعَلَّلَةٌ بِمَصالحِ الخَلْقِ"، أي إنّ العباداتِ لو أُدِّيَتْ على النحوِ الذي أرادَهُ اللهُ لجَعَلَتْ من المؤمنِ شخصيَّةً فذَّة، إليها تنجذبُ النفوسُ، وبها تتعلّقُ الأبصارُ، ومِن نورِها تهتدِي القلوبُ.
لو أُدِّيَتِ العباداتُ على النحوِ الذي أرادَهُ اللهُ لجَعَلَتْ مِن المؤمنِ رجلًا نيِّرَ الذِّهنِ والقلبِ معًا، حادَّ البصرِ والبصيرةِ جميعًا، تتعانقُ فكرتهُ وعاطفتهُ، فلا تدري أيّهما أسبقُ؟ صدْقُ أدبهِ أم حُسْنُ معرفتِه؟! ولا تدري أيّهما أرْوَعُ؛ خُصوبةُ نفسِه أم فطانةُ عقلِه؟
لو أُدِّيَتِ العباداتُ على النحوِ الذي أراد الله ﷿ لجَعَلَت من المؤمنَ ذا أفقٍ واسعٍ، ونظرٍ حديدٍ، ومُحاكمةٍ سليمةٍ، ولجعَلتْهُ منغمسًا في سعادةٍ لا تقْوَى مُتَعُ الأرضِ الحِسيَّةُ أن تصرفَهُ عنها، ولجعلتْهُ ذا أخلاقٍ أصيلةٍ، لا تستطيعُ سبائكُ الذهبِ اللامعةُ، ولا الضّغوطُ المانعةُ أنْ تقوِّضَها.
المؤمنُ الحقُّ كالجبلِ رسوخًا، وكالصّخرةِ صلابةً، وكالشمسِ ضياءً، وكالبحرِ عمقًا، وكالسماءِ صفاءً، وكالربيعِ نضارةً، وكالماء عذوبةً، وكالعذراءِ حياءً، وكالطّفلِ وداعةً.
1 / 204