حادثة المعراج، أنه لم يلتفت جانبًا، ولا تجاوز ما رآه، ولم يلتفت يمْنَةَ ولا يَسرةٍ، ولا يتجاوزه، وهذا كمال الأدب، والإخلال به أن يلتفت الناظر عن يمينه وعن شماله، أو يتطلع أمام المنظور، فالالتفات زيغٌ، والتطلع إلى الأمام المنظور طغيان ومجاوزة.
وهذا غاية الكمال والأدب مع -الله جل وعلا- الذي أدبه، وأكمل خلقه، وأثنى عليه، ووصفه في كتابه، فقال: ﴿وَإِنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيمٍ (٤)﴾ [القلم: ٤].
ولعل سر وصف النبي ﷺ بالعظمة في أخلاقه ما قاله الحليمي في كتابه المنهاج بقوله: "الأغلب أن الخلق يوصف بالكريم دون العظيم، لكن الوصف بالكريم يراد به الثناء على صاحبه بالسماحة والديانة، ولم يكن خلق رسول الله ﷺ مقصورًا على هذا" (١).
بمعنى أنه عظيم في خلقه مع ربه، عظيم في تعامله مع عموم الناس مع من آمن به، أو كفر عظيم في كل موقف من مواقف حياته، وفي كل نوع من أنواع الأخلاق، عظيم في الظاهر والباطن، فهو وحده الذي بلغ الكمال الإنساني، وقد وصف الأنبياء ببعض الصفات من الرشد، والحلم، والتقى، غير أن نبينا ﷺ وصف بالخلق العظيم.
* من أدب إبراهيم ﷺ -:
قال الله تعالى على لسان إبراهيم ﷺ: ﴿الَّذِي خَلَقَنِي فَهُوَ يَهْدِينِ (٧٨) وَالَّذِي هُوَ يُطْعِمُنِي وَيَسْقِينِ (٧٩) وَإِذَا مَرِضْتُ فَهُوَ يَشْفِينِ (٨٠)﴾ [الشعراء٧٨: ٨٠].
(١) "المنهاج في شعب الأيمان" (٧٣/ ٢).