Duwal Farisiyya Fi Ciraq
تاريخ الدول الفارسية في العراق
Genres
ونهب الناس بعضهم ونقموا على بهاء الدولة، ولكنه لم يبال بهم وأجبر الطائع على خلع نفسه وأشهد عليه بالخلع، وأنفذ جماعة من الوجوه إلى «البطيحة» لإحضار أبي العباس أحمد بن الأمير إسحاق بن المقتدر بالله، فأحضروه إلى «بغداد» وخرج لاستقباله بهاء الدولة والأمراء والعلماء والوجوه وأدخلوه قصر الخلافة وبايعوه ولقبوه «القادر بالله» (381-422ه)، ولما تمت البيعة حمل الطائع المخلوع إلى قصر القادر بالله، فبقي مكرما إلى أن مات.
وكان القادر هذا عالما فاضلا أديبا شاعرا؛ فتمكن بحسن سيرته وتدبيره من إرجاع بعض مجد الخلافة.
وفي عهد بهاء الدولة سنة 381ه بنى وزيره سابور بن أردشير مكتبة كبيرة على مثال بيت الحكمة الذي أنشأه هارون الرشيد، وزاد فيه عبد الله المأمون، بناها في محلة بين السورين في الجانب الغربي من «بغداد» وسماها «دار العلوم»، وجعل فيها من الكتب الخطية النفيسة أكثر من عشرة آلاف كلها بخطوط الأئمة ورجال العلم، فكانت أشهر مكتبة في «بغداد»، بل كانت مجمعا للعلماء والأدباء والفلاسفة من عراقيين وغيرهم - وقد أحرقت هذه المكتبة فيما احترق من محلات الكرخ يوم مجيء طغرل بك أول ملوك السلوجوقية إلى «بغداد» سنة 447ه.
وفي هذه السنة (سنة 381ه) استولى على «الموصل» أبو الذؤاد محمد بن المسيب أمير بني عقيل، وهو رأس دولة بني عقيل أول دولة بني المقلد أو آل المسيب في «الموصل»، ولما تم أمره فيها كتب إلى بهاء الدولة يخبره بذلك ويسأله أن ينفذ إليه من يقيم عنده من أصحابه يتولى الأمور - كنائب - فأرسل إليه قائدا من قواده، ثم استبد أبو الذؤاد بالأمور كلها، فأرسل بهاء الدولة أبا جعفر الحجاج بن هرمز بعسكر كثير لقتاله، فوصل «الموصل» وطرد أبا ذؤاد وملكها، ثم دارت بين أبي ذؤاد وبين عساكر بهاء الدولة عدة معارك انجلت بفوز البويهيين.
ولما توفي أبو الذؤاد سنة 387ه سار أخوه المقلد إلى «الموصل»، واستمال بعض الجنود الديلمية وكتب إلى بهاء الدولة يضمن منه «الموصل» وأعمالها بمليونين من الدراهم، وفي أثناء ذلك حمل على «الموصل»، فانهزم منها سرا أبو جعفر عامل بهاء الدولة وسار إلى «بغداد»، فدخلها المقلد وتم أمره فيها.
وفي الوقت نفسه كان المقلد يتولى حماية غربي الفرات من أرض «العراق»، وله عليها نائب، ولما كان بهاء الدولة مشغولا في محاربة أعوان أخيه صمصام الدولة، جرت بين نائب المقلد وبين أصحاب بهاء الدولة مشاجرة، فسار المقلد منتصرا لنائبه، فدارت رحى الحرب بين المقلد وبين جنود بهاء الدولة، فلما سمع بهاء الدولة بذلك أرسل أبا جعفر الحجاج إلى «بغداد» وأمر بمصالحة المقلد خوفا من إثارة الحرب، فراسل أبو جعفر المقلد واستقر الصلح بينهما على أن يحمل المقلد عشرة آلاف دينار إلى بهاء الدولة سنويا، وأن يخطب له في البلاد، ثم خلعت على المقلد الخلع السلطانية ولقب ب «حسام الدولة»، وأقطع «الموصل» و«الكوفة» و«القصر - قصر شيرين» و«الجامعين - الحلة»، غير أن المقلد لم يحمل من المال إلا قليلا، ثم قطعه وعظم شأنه وخافه البويهيون وغيرهم.
وفي أيامه في سنة 386ه حمل على البصرة أحد قواد صمصام الدولة البويهي اسمه «لشكرستان»، فقاتله نواب بهاء الدولة فانتصر عليهم بمعاضدة جماعة من البصريين منهم أبو الحسن بن أبي جعفر العلوي، ودخل البصرة ظافرا في هذه السنة، ولما دانت البصرة لهذا القائد شره في أموال الناس، فابتز أموال المثرين وفتك بجماعة كبيرة من البصريين، فهاجر منها عدد كبير ومكث «لشكرستان» بالبصرة أكثر من شهر، فزحف عليه أمير «البطيحة» مهذب الدولة أبو الحسن علي بن نصر، وكان تحت سيادة بهاء الدولة، فلما اقترب من البصرة فر منها «لشكرستان».
فدخلت سنة 390ه وكانت أحوال العراق هادئة، فارتأى بهاء الدولة أن يقيم في «الأهواز - خوزستان» فاستخلف على العراق ببغداد أبا علي بن جعفر المعروف ب «أستاذ هرمز» ولقبه «عميد العراق»، وسار هو من بغداد،
7
فلما كانت سنة 391ه جمع «لشكرستان» جيشا كبيرا فأعاد الكرة على «البصرة»، فدخلها عنوة وأعاد الظلم والسلب وصادر أملاك أكثر الوجهاء وقتل بعضهم، ففر كثيرون من أهلها إلى بلاد أخرى.
Unknown page