Durub Ma Bacd Hadatha

Badr Din Mustafa d. 1450 AH
67

Durub Ma Bacd Hadatha

دروب ما بعد الحداثة

Genres

في مقابل ذلك يدعو بودلير إلى تخلي الفن عن أي وضع متعال؛ أي يرفض كل وضع يخرج به من حيز إنتاج الجمال إلى أي مسئولية فلسفية أو أخلاقية. ولذا فالفن لن يضطلع سوى بوظيفته الداخلية

immanent - ألا وهي إنتاج الجمال - وهذا سوف يؤدي بالضرورة إلى فرض معايير جديدة للحكم على الفن، وهذه المعايير سوف تكون معايير داخلية (استطيقية)، لا علاقة لها بالأخلاق أو بوضع الفن في المجتمع.

لكن لكي يتضح موقف بودلير وكيفية تجسيده للموقف الحداثي في القرن التاسع عشر، تلزم الإشارة إلى الأوضاع الطبقية التي جعلت بودلير، أحد أبرز ممثلي اتجاه الفن للفن، يعبر عن تناقضات الحداثة ومفارقتها. ولعل التصنيف الذي انتهى إليه بيير بوردو

(1930-2002م) في دراسته لحقلي السلطة والثقافة في القرن ال 19، يساعدنا على استحضار الواقع الاجتماعي والأيديولوجي الذي ظهر فيه موقف بودلير؛ لقد أوضح بوردو في تحليله أن الحقل الثقافي والفني بين 1830م و1850م، بل على امتداد القرن 19، كان يتوزع وينتظم حول ثلاثة مواقع: «الفن الاجتماعي»

Social l’art ، «والفن للفن»

L’art pour l’art ، «والفن البورجوازي»

bourgeoi l’Art . وكل موقع من تلك المواقع النموذجية داخل الحقل الثقافي يطابق شكلا نموذجيا للعلاقة بين الفئة المسيطر عليها، والفئات السائدة. على هذا الأساس نستطيع أن نفهم محددات مواقف كل اتجاه:

فبينما الفنانون والكتاب - يقول بوردو

14 - «البورجوازيون»، يجدون في الاعتراف الذي يقدمه لهم الجمهور «البورجوازي»، جميع الأسباب التي تجعلهم يتحملون مسئوليتهم بوصفهم ناطقين باسم طبقتهم التي يتوجه إليها إنتاجهم مباشرة، فإن أصحاب «الفن الاجتماعي» يجدون في ظروفهم الاقتصادية وعزلتهم الاجتماعية، أساسا للتضامن مع الطبقات المسودة التي تتخذ دائما مبدأ أوليا لها: العداء تجاه الفئات المسيطرة داخل الطبقات السائدة، وتجاه ممثليها في الحقل الثقافي. أما أصحاب «الفن للفن» فإنهم يحتلون داخل الحقل الثقافي موقعا ملتبسا بنيويا، يجعلهم يستشعرون بطريقة مضاعفة، التناقضات اللازمة للوضعية الملتبسة للفئة المثقفة داخل بنية فئات الطبقات السائدة، فلكون موقعهم داخل الحقل الثقافي يرغمهم على أن يفكروا - على نحو متزامن أو متعاقب (وفقا للظرف السياسي) - في هويتهم الفنية والسياسية من خلال التعارض مع الفنانين البورجوازيين أو من خلال التعارض مع الفنانين الاشتراكيين نظراء الشعب؛ فإنهم (أصحاب الفن للفن) منذورون لالتقاط صور متناقضة، سواء عن جماعتهم الخاصة أو عن الجماعات التي يعارضونها.

ذلك الوضع الملتبس موضوعيا هو ما يتيح فهم الحداثة التي انتهى إليها بودلير: محاولة تحويل اليومي (الزائل) إلى الرمزي (الخالد). ومن خلال ذلك العمل على تعميم التجريد في بقية أشكال التعبير (الرسم، النحت، الموسيقى ...) ورفض النزعة الواقعية التي يصفها بودلير ب «أنها إهانة مقززة ألقيت في وجه كل المحللين، إنها كلمة غامضة وزئبقية لا تعني بالنسبة للإنسان وصفا دقيقا للأمور.»

Unknown page