156

Durub Ma Bacd Hadatha

دروب ما بعد الحداثة

Genres

A. Artaud «فتجاه الفطري والمكتسب، وفي مقابلهما، يقول أرتو بالمتأصل

congénital ، تأصل التفكير كتفكير، تفكير يأتي من خارج أبعد من أي عالم خارجي، وأقرب بالتالي من أي عالم داخلي.»

92

ووفقا لفوكو فإن العالم يتكون من مساحات بعضها فوق بعض، وأنظمة عبارات أو أبنية، إلا أن هذه الأبنية يخترقها في الوسط شرخ يفصل بين اللغة من جهة، والصورة من جهة أخرى، يفصل بين العبارات والمرئيات في كل بناء من الأبنية؛ أي بين شكلي المعرفة اللذين لا سبيل إلى تقليصهما أو رد أحدهما إلى الآخر، ألا وهما الرؤية واللغة ... «نحن إذا مأخوذون في حركة مزدوجة، نتجه نزولا من بناء إلى آخر، ومن شريحة إلى أخرى، نعبر المساحات واللوحات والمنحنيات، نقتفي أثر الشرخ. بغية بلوغ داخل العالم، أو كما قال ملفيل: نبحث عن غرفة في الوسط والرهبة تتملكنا من ألا نعثر فيها على أحد.»

93

وفي هذا الاتجاه كان فوكو يؤكد أن المشادة أو العراك، يتطلبان مسافة عبرها يتبادل الخصمان «التهديد فيما بينهما والوعيد»، ويقتضيان أن مكان عراكهما «لا يمكن الوقوف عليه» أو إثبات وجوده في محل، مما يشهد على أن المتعاركين لا ينتميان لذات الفضاء الواحد، ولا يرتبطان بنفس الشكل «من الواجب التسليم بوجود عراك وصراع حقيقيين، أو على الأصح هجومات متبادلة وتراشق بوابل من السهام، وحملات للتقويض والهدم، وطعن بالرماح. علينا أن نقر بوجود معركة حامية الوطيس بين النص والصورة، سقوط الصور وسط الكلمات، بريق كلامي يجوب الصور، شقوق خطاب تتخلل شكل الأشياء، والعكس.»

94

إن الصورة والكلام ينطويان على شرط ومشروط، الضوء والرؤية، اللغة والعبارات، لكن الشرط لا يحتوي المشروط، بل يعرضه في فضاء تناثر وتفريق، ويعرض نفسه هو، كشكل خارجي «فبين المرئي وشروطه تنسل العبارات كما تنسل في لوحة ماجريت «هذا ليس غليونا». وبين العبارة وشرطها تنساب الرؤى، كما هو الأمر لدى «روسيل» الذي لا يكشف عن الكلمات دون أن يظهر الأشياء ... إن العبارات والرؤى تتصارع في عراك متبادلتين القسر والإكراه أو تستوليان على بعضهما البعض، مكونتين بذلك، في كل مرة، «الحقيقة».» من هنا قول فوكو «الكلام والرؤية ... رغم أنهما لا يتعلقان بذات الشيء، ورغم أننا نتكلم لا عما نراه، أو نرى ما لا نتكلم عنه؛ لكنهما معا، يكونان البناء المعرفي، ويتغيران، في الوقت ذاته، من بناء إلى آخر، وإن كان تغيرا لا تحكمه ذات القواعد.»

95

يقول دولوز عن كتاب الكلمات والأشياء لفوكو: «ما دمنا لبثنا عند حدود الكلمات والأشياء، فإننا سنتوهم أننا نتكلم عما نراه، ونرى ما نتكلم عنه، وأن الأمرين مرتبطان، ويعني هذا أننا نظل عند المستوى الاختباري ولا نتجاوزه بعد. لكننا بمجرد ما نتغلغل في الكلمات والأشياء، نكتشف العبارات والرؤى، فيرتفع الكلام والرؤية إلى مستوى أعلى قبلي، حتى إن كلا منهما يبلغ حده الخاص به والذي يفصله عن الآخر، مرئي لا سبيل إليه إلا بالرؤية، ومعبر لا سبيل إليه إلا بالكلام. ومع هذا، فإن الحد الخاص الذي يفصل كلاهما، يعد في الوقت ذاته الحد المشترك الذي يجمعهما والذي يتخذ وجهين غير متماثلين؛ كلام أعمى ورؤية صماء. وفوكو في هذا - وفقا لدولوز - قريب من السينما المعاصرة.»

Unknown page