Al-Durr al-Manẓūm al-Ḥāwī li-Anwāʿ al-ʿUlūm
الدر المنظوم الحاوي لأنواع العلوم
Genres
القسم الأول: ذكر تغير أحوال الناس بالجهة اليمنية، وجري أمورهم على غير قياس وقاعدة مرضية، وخوضهم في غمار الفتن، وعدم جريهم في أديانهم على سنن، وكثرة التقلب منهم والانضراب، والانخداع بلوامع السراب، وقلة التفاتهم إلى ما ينجيهم، وحصول ملاحظتهم لمن يغويهم، وانتهاز المفسدين للفرصة، وامتيازهم منهم بحصة، وهذا حديث صحيح لا ريب فيه ولا إشكال، وكلام صادق لا يحوم حوله التمويه بحال، فإن زماننا هذا عاد الدين فيه غريبا، وصار قيام الساعة منه قريبا، وتغيرت الأحوال فيه، وقلت أديان أهليه، وضعفت فيهم الهمم، وقامت سوق الفسوق فيه على ساق وقدم، ونجمت فيه الحوادث الهائلة، ووضح معنى الحديث النبوي: «الناس كإبل مائة لا تجد فيها راحلة»، فلو أن رائدا كثر تطوافه، واشتد تساؤله وإلحافه، يرتاد منصفا يسلك جادة الإنصاف، ولا يعرج على مسلك الميل والاعتساف، ويقصد فيما يقوله ويفعله وجه الله تعالى، ولا يعتبر سخط غيره سبحانه ولا رضاه، ويعلن بالحق لا تأخذه فيه لومة لائم، ويهجر من تنكب عن منهجه ويصارم، وينظر الأشياء بعين التحقيق، ويترك كلا في معاملته المنزلة التي هو بها خليق، لوجد هذا المطلوب أشد بعدا وتعذر منال من العيوق، وأعز في الوجدان والعثور عليه من بيض الأنوق، فلم يبق إلا الفزع إلى الله والثقة به لا بأحد سواه والرجوع إلى تلاوة آياته، وإدامة ذكره آناء الليل وأطراف النهار وساعاته، والرغبة إليه والتعويل عليه في هداية الأمة، وإزالة الغمة، وسلخ إهاب الظلمة، وأن يجعل لنا فرجا ومخرجا، ويتولى الإعانة والتأييد على الذين يصدون عن سبيل الله ويبغونها عوجا.
اللهم فصدق الآمال في كرمك وإحسانك، ولا تخيب الظنون في فضلك وامتنانك، فقد انقطعت الرغبة إلا عنك، وخاب الرجا إلا فيك وعندك حل العقد، وتقويم الأود وإصلاح ما فسد، فبيدك الملك، ولك الحق والأمر، وأنت العالم بالباطن والظاهر، والسر والجهر.
Page 457