402

Al-Durr al-Manẓūm al-Ḥāwī li-Anwāʿ al-ʿUlūm

الدر المنظوم الحاوي لأنواع العلوم

وبعد؛ فغير عازب عن أولي الأحلام والألباب ما افترضه رب الأرباب من الطاعة لإمام الزمان والوداد، والجد في تقوية أمره والاجتهاد، والسعي في الإعانة له والجهاد، وإن من ثبط عنه فقد أخل بالفرض، واستحق النفي من الأرض، وارتكب أمرا عظيما من العناد، وكان في الحقيقة من أهل السعي في الفساد، ولذلك لم ينكر أحد من الصحابة فيما بلغ ما فعله عثمان في نفيه لأبي ذر رضي الله عنه من المدينة إلى الشام، ثم من الشام إلى المدينة، ثم من المدينة إلى الربذة، مع أن أبا ذر كان علما من الأعلام وإمام فضل يقصر عنه كل إمام، وما ذاك إلا لما وقع منه من التثبيط، لسبب ظاهر من الانضراب والتخليط، وأنه بلغنا عن عدة من شيعة أهل البيت في زماننا الذين لم يبق معهم من التشيع إلا إسمه، وقد انمحى فيهم تحقيق معناه وانطمس رسمه، أنهم يفتون العوام بأنه لا يجب عليهم تسليم الحقوق إلينا، ولا التعويل في الخلاص علينا، اعتمادا منهم على ما يذكر للهدوية من كونه لا ولاية للإمام إلا حيث تنفذ أوامره، فعجبنا من هذا غاية العجب، وعرفنا أن هذا من بدع الزمان، وكثر العدوان، والتهاون بأمر الإمامة والتجري، وعدم مراقبة الله والتحري، ونحن نوضح خطأهم في ذلك من وجوه:

أحدها: أن هذا قاض لهم وشاهد عليهم بكراهة ما يريده الإمام، وما يصلح لجانب الحق، وما تقوى به الشوكة، وسعي منهم في تضعيف أمر الإمامة، ولن يصدر ذلك إلا ممن باطنه غير سليم، ودينه غير قويم، وهل هذا إلا مصادمة لما قاله النبي الكريم، عليه أفضل الصلاة والتسليم: «ليس للمرء إلا ما طابت به نفس إمامه» (1)؟

Page 436