قلنا: لا ريب في أن ذلك السؤال وارد على المذهب، وهو القول بوجوب نصب الإمام لا على شيء من أركان الأدلة الدالة على وجوب النصب، وقد أجمع المحققون على أن ما هذا حاله من الأسئلة، فإنه غير قادح، ولا يلزم الجواب عنه أصلا لا سيما إذا (كان) (1) يرد على جهة المعارضة للدليل، فكيف يصح الحكم عليه بعظم الموقع ووضوح القدح؟ وكيف يقتضي وروده ضيق الخناق والحال ما ذكرناه؟ لكن مولانا أيده الله تعالى عول في بعض كلامه على تهويل العبارات، وتفخيم المقالات، ونحن مما(2) لا يقعقع خلفه بالشنآن، ولا يفزعه التهويل باللسان، وهذا كله مع فرض عدم التمكن من الجواب عن السؤال، أما (3) مع التمكن -كما سنوضحه- فالحال في ضعف السؤال، وعدم وروده أظهر.
قوله: ففيه تصريح بوجوب الإحاطة بفضلاء جميع الأقطار ومعرفة الأفضل منهم.
قلت: هذا الاستدلال الذي ذكره الإمام المهدي عليه السلام مبني على أنه يجب في الإمام، أن يكون أفضل الأمة أو مساويا لأفضلها إلا لعذر، وهذا مروي عن جل المعتزلة والأشعرية وأكثر الزيدية، ولعلهم لا يعتبرون ولا يوجبون البحث في جميع الأقطار، بل يقولون يجب أن يكون أفضل أهل زمانه، إما في علمنا أو في ظننا بحسب الإمكان كما يقوله بعض المعتزلة، فلا يرد ما ذكره مولانا من أن ذلك يقرب من تكليف المحال.
قوله: ولو كان ذلك شرطا لبطلت إمامة أكثر الأئمة.
قلنا: لعلهم لا يوجبون البحث في جميع الأقطار لتعسره أو تعذره عندهم، بل إنما يوجبون البحث في بعض الأقطار، وقد فعلوه أو لعلهم يكتفون في الإمام أن يكون من جملة فضلاء زمانه، كما نفهم من كلام بعض الزيدية، قالوا: لأن معرفة الأفضل متعذرة بعد وقت الصحابة، لكثرة الناس وخفاء كثير من أهل الفضل.
Page 316