فقال أكثر الأمة من العدلية والجبرية: أنها تجب شرعا، وقال أبو بكر الأصم(1) من المعتزلة، وهشام الفوطي(2) وبعض الحشوية(3) ، والنجدات(4) من الخوارج، وبعض المرجئة(5)، أنها لا تجب شرعا ولا عقلا، لكن إن تمكن الناس أن ينصبوا إماما عدلا من غير إراقة دم ولا جور فحسن، وإن لم يفعلوا ذلك وقام كل واحد منهم بأمر منزله، ومن يشتمل عليه من ذي قرابة ورحم وجار، فأقام فيهم الحدود والأحكام على كتاب الله وسنة نبيه جاز ذلك، ولم يكن لهم حاجة إلى إمام، ولا يجوز إقامته بالسيف والحرب، هكذا حكى نشوان بن سعيد (6) في شرح رسالة الحور العين، وحكى الفخر الرازي(7) عن هشام الفوطي من أصحابنا هذا المعنى، فقال: إنه لا يوجب نصب الإمام في حال ظهور الظلمة، لأنهم ربما أنفوا عن طاعته فخشي أن يقتلوه، فقيامه يؤدي إلى إثارة فتنة، وأما مع ظهور التناصف فيجوز نصبه لإظهار شعار الشريعة، وحكي عن الأصم عكسه، وهو أنه لا يوجب إقامة الإمام إلا عند ظهور التظالم بين الناس، فإن لم يظهر لم يجب، قال: وأما النجدات فلا يوجبون نصبه في حال من الأحوال.
ثم اختلف القائلون بوجوب الإمامة شرعا هل هي من المسائل القطعية؟ أم من الاجتهادية؟ فذهب الأكثر -وهو الحق- إلى أنها قطعية إذ دليلها قطعي، وذهبت الأشعرية(1) وبعض المعتزلة إلى أنها اجتهادية بناء منهم على أن أدلتها ظنية، هذا تحقيق الخلاف في ذلك .
فلعل مولانا أبقاه الله تعالى أراد بالأمة بعضهم وبالمعتزلة أكثرهم، لأن بعضهم لا يقول بأنها قطعية، بل يقضي بأنها من المسائل الاجتهادية كما عرفت.
Page 259