وثانيهما: ما ورد من النصوص المتكاثرة المفيدة بالتواتر المعنوي، أنه لا بد من إمام يرجع إليه في الأحكام نحو «الأئمة من قريش »(1) وكذلك «من مات ولم يعرف إمام زمانه»(2)، «أربعة إلى الأئمة...» (3) ، ?... وأطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم? [النساء: 59]، ونحوها مما يدل على أنه لا بد من إمام، وأنه أمر مفروغ منه، وإنما الكلام في الأحكام المتعلقة به.
على أن جميع فرق الإسلام متفقون على أنه لا بد من خليفة لرسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في الإسلام وأحكامه، وإنما اختلفوا في صفاته، وهذا القدر كاف لنا، ونحن نثبت الصفات بما يفيده معنى الخلافة كما مر.
وما ذكره -أبقاه الله- تعالى من التشكيك في نقل الإجماع
تواترا، فهو تشكيك يؤدي إلى نفي الإجماع، وكذا التشكيك في التواتر يؤدي إلى انتفاء كثير من العلوم التواترية، كعجز العرب عن معارضة القرآن، ووجود كثير من البلدان، فإنا إذا رجعنا إلى أنفسنا وذاكرناها، فمن أخبرنا بذلك ممن يستند خبره إلى المشاهدة لم نقف على نصاب التواتر.
فلا ينبغي الإصغاء إلى وسواس الصدر، وحديث النفس وخواطرها التي لا استقرار لها عند الرجوع إلى حكم العقل.
وما ذكره سيدي أبقاه الله تعالى في المسألة الثانية: من أنه
يلزم العوام النظر ولا يجوز لهم الإقدام من غير نظر في برهان موصل، وأنه يقبح من العلماء أمرهم لمجرد الاتباع.
فما ذكره سيدي صحيح، إلا أنه يحسن أمرهم بمطلق الاتباع، ثم حملهم بعد الإتباع على أنه عن دليل كما يحسن ذلك، بل يجب من الأنبياء ونحوهم من الدعاة إلى الله تعالى، ويلزم سيدي أبقاه الله تعالى أنه لا يحسن إقرار كثير من العامة على اتباع النبي صلى الله عليه وآله وسلم ، بل على الصلاة وشهادة أن لا إله إلا الله، لا سيما ممن عرفنا جفاه وبعده عن النظر، وعدم إدراكه لوجه الأدلة من أهل البوادي وأرباب الخيام، وما كان ينبغي التطويل في هذا السؤال وكثرة الكلام فيه.
نعم: لا يحسن أمرهم بالاتباع من غير دليل، وإذا تيقنا أن اتباعهم لمجرد التقليد فقط وجب الإنكار عليهم حينئذ، لكن يبقى ذلك بعيد مع وجود الأدلة وكونها موضوعة فيما بيننا يتناولها من أراد تناولها.
Page 244