قال الإمام يحيى عليه السلام: أما الجنون المطبق فلا خلاف بين أئمة العترة والفقهاء أنه موجب لبطلان الإمامة، لأنه من استمر عليه الجنون يكون حينئذ كالصبي، ومن كان كالصبي كيف يكون واليا على أمور المسلمين؟! قال: وأما العمى فلا خلاف بين أئمة العترة أيضا والفقهاء أنه موجب لبطلان الإمامة، وحكى عن الشيخ أبي علي الجبائي أنه لا يكون مبطلا لهما، واحتج على بطلان ما قاله بأن أمور الإمامة لا تستقيم إلا مع الصبر، قال: وأما الزمانة المفرطة والمرض المقعد فهما مبطلان للإمامة بلا خلاف بين أئمة العترة والفقهاء لما ذكرناه.
قلت: ولقائل أن يقول أما ما كان من هذه الآفات والعوارض مقارنا للدعوة أو واقعا عقيبها فلا كلام أن ذلك مانع عن المقصود، وصاد عن المراد، ولا معنى لانتصابه حينئذ ، ولا غرض يعود منه.
وأما إذا فرض أن هذا أمر عرض له بعد أن استثبت أمره، وظهر قهره، وانتشر ذكره، ومهد الأمور وساسها، وبعث العمال، ونصب الكفاة، وصار يسوس الأمر ويدبره من مقره، وأوامره نافذة في النواحي ومتلقاه بالقبول، وفي كل جهة والي يدبر أمرها وينظر في حوادثها، ويقيم ما شرعه الله، وقام الإمام لأجله فيها من الجمعة والحدود وقبض الحقوق، وكف يد الظالم عن المظالم، ونصب راية الجهاد، والقيام بواجبه، فما المانع من بقاء إمامته، مع بقاء عقله وتدبيره وحسن رأيه، وكون الذي عرض له إما عمى أو صمم أو نحوهما، مما لا يمنعه عن فهم الوقائع والاطلاع على الحوادث والنظر فيها؟وكون العارض لا يبطل معه تصرفه وآرائه وسياسته، ولا يختل به خلل في أمره، وما قام له، لا فيما حضره، ولا فيما غاب عنه.
Page 151