Duroos of Sheikh Muhammad Isma'il Al-Muqaddim
دروس الشيخ محمد إسماعيل المقدم
Genres
مسئولية المسلمين تجاه أطفالهم
يتصور بعض الناس أن تربية الأطفال تقتصر على أن يطعمه الطعام الجيد ويلبسه الملابس الجيدة وغير ذلك، ولا يلتفت إطلاقًا إلى مسئوليته في تربية هؤلاء الأولاد، والرسول ﷺ يقول: (كلكم راع وكلكم مسئول عن رعيته، الرجل راع في أهله ومسئول عن رعيته، والمرأة راعية في بيت زوجها ومسئولة عن رعيتها)، فليست المسألة تطوعًا ولا نافلة، بل إن هذا واجب، وسوف تحاسب عليه وتسأل أمام الله عنه.
يقول أيضًا ﷺ: (إن الله سائل كل راع عما استرعاه، حتى ليسأل الرجل عن أهل بيته)، ويقول الله ﵎: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ عَلَيْهَا مَلائِكَةٌ غِلاظٌ شِدَادٌ لا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ﴾ [التحريم:٦].
يقول الشيخ أبو حامد الغزالي ﵀: الولد أمانة عند والديه، وقلبه الطاهر جوهرة نفيسة، فإن عود الشر وأهمل إهمال البهائم شقي وهلك، وصيانته بأن يؤدبه ويهذبه ويعلمه محاسن الأخلاق.
ويقول الشاعر: وينشأ ناشئ الفتيان فينا على ما كان عوده أبوه وما دان الفتى حجًا ولكن يعوده التدين أقربوه ويقول ﷺ: (كل مولود يولد على الفطرة، فأبواه يهودانه أو ينصرانه أو يمجسانه).
وأيضًا في هذا الزمان أبواه يتلفزانه، فيجعلانه عبدًا للتلفزيون ومفاسد التلفزيون.
إن الغصون إذا قومتها اعتدلت ولا يلين إذا قومته الخشب فإذا نشأ على الفساد لا يصلح بعد ذلك فيه شيء.
ودور الأب والأم الآن بسبب هذا الجهاز الخبيث في انحسار شديد جدًا، فالأب مشغول بالعمل، وربما الأم -أيضًا- تخرج للعمل، ثم يصبح الأطفال فريسة لهذا الجهاز الذي يتسلمهم وهم في طور التكوين عجينة رطبة يشكلها كيفما يشاء، ويتحكم فيها كاتبو برامجه، وقد يكون هؤلاء الكتاب من مرضى النفوس الذين يسقطون أمراضهم إسقاطًا نفسيًا خلال كتابتهم، وحسب موقف الأب يكون موقف الابن، إذا كان الأب يصيح في الولد ويهجره ويزجره: كيف تنظر إلى التلفزيون؟ ثم إذا به هو يغلق الحجرة وينظر فما من شك أن هذه القدوة السيئة ستؤثر في موقف الابن من هذا الجهاز.
لكن إذا كان الأب يحكي لأولاده ويعلمهم أن هذا الجهاز الخبيث جهاز حافل بالمعاصي التي تغضب الله ﵎، فيحذر ابنه باستمرار، ويبغضه في هذا الخبيث، حينئذ يصبح الموقف الطبيعي للابن أن يكره أيضًا هذا الجهاز، فيتعالى عن مشاهدة شيء لا يرضي والده؛ لأنه يثق بوالده ويقلده.
أيضًا الطفل عاجز عن أن يقوم بدور الرقابة على نفسه وحمايته مما يؤذيه في دينه أو دنياه، وهذه مسئولية أبيه، والأطفال ليسوا هم من يشتري الجهاز؛ لأنهم لا يستطيعون ذلك، وليسوا هم الذين ينتجون الأفلام والبرامج، فإذًا لابد أن يكون هناك رقابة وحماية من الأب لهذه الرعية المسكينة من أن تسقط فريسة لهذا الجهاز الخبيث.
والسلف ﵏ كانوا يهتمون اهتمامًا شديدًا بتربية الأولاد، حتى إن بعض هؤلاء في بعض العصور الإسلامية لما أتى بهم الحاكم بعدما سجنهم فترة فقال لهم: أخبرونا ما هو أشد شيء مر عليكم في هذا الحبس؟ فأجابوا جميعًا: ما فاتنا من تربية أولادنا.
لأنهم كانوا في هذه الفترة بعيدين عن أولادهم ولم يراقبوهم، فكيف بهذا الأب المعتدي الظالم المفرط الذي يأتي بهذا الجهاز لهؤلاء الأطفال المساكين فيسقطون ضحايا، ثم يعاقب الأولاد بعدما يفعلون الجرائم بأن يدخلوا في أماكن الأحداث، هو الذي يستحق أن يسجن وليس هؤلاء الأطفال الضحايا بجهل وظلم أبيهم.
فكم يقلق الأب إذا وجد ابنه قد ارتفعت حرارته وعانى من الحمى، أو حصل له اصفرار اللون، أو جرح عضو منه، ثم لا يبالي وهو يرى ابنه موغلًا في المعاصي التي تنتهي به إلى النار والعياذ بالله، ما الفرق بين أن تأتي ببرميل من البترول وتسكبه على ابنك وتشعل فيه النار وتحرقه، وبين أن تسلك به طريق جهنم بأن تجعل قدوته الممثلين والفنانين والساقطين والساقطات والراقصين والراقصات؟ فأنت تقتله، أنت تضر ولدك، وعدمك خير من وجودك؛ لأنه إذا كان يتيمًا ربما وجد من يعطف عليه ويرحمه من هذا العذاب ويحميه، لكن أنت أب شرير حينما تأتي بالجهاز وتضعه أمام أبنائك، وكيف يجلس الأب الذي لا رجولة فيه؟! بل كيف يقبل أن يجلس وبناته وأبناؤه إلى جواره يشاهدون معًا المناظر الخليعة القذرة التي يفعلها هؤلاء الفاسقون المجرمون؟! ماذا يفعل؟!
1 / 16