عاقبة من تولى وكفر
ثم قال الله: ﴿إِلاَّ مَنْ تَوَلَّى وَكَفَرَ﴾ [الغاشية:٢٣] هذه تسلية عظيمة للنبي ﷺ، تسلية له وللمؤمنين أن أهل الكفر نتيجتهم: ﴿فَيُعَذِّبُهُ اللَّهُ الْعَذَابَ الأَكْبَرَ﴾ [الغاشية:٢٤] إن من كفر وأعرض عن دين الله فإن الله له بالمرصاد، ولن يتركهم أبدًا، وسيجازيهم على كل صغيرة وكبيرة: ﴿وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَه﴾ [الزلزلة:٨] كيف إذا كان الذنب هو الكفر والإلحاد في دين الله، نعوذ بالله من ذلك.
ثم تكون النتيجة: ﴿فَيُعَذِّبُهُ اللَّهُ الْعَذَابَ الأَكْبَرَ﴾ [الغاشية:٢٤] والسبب: كيما يسلي نبيه: ﴿إِنَّ إِلَيْنَا إِيَابَهُمْ﴾ [الغاشية:٢٥] مرجعهم.
فلا مفر لهم أبدًا، والسبب قوله تعالى: ﴿وَلَقَدْ جِئْتُمُونَا فُرَادَى كَمَا خَلَقْنَاكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَتَرَكْتُمْ مَا خَوَّلْنَاكُمْ وَرَاءَ ظُهُورِكُمْ﴾ [الأنعام:٩٤] تركتم الأموال والمناصب، والقصور والزوجات والأولاد كلها خلف ظهوركم وجئتم فرادى كلٌ يقول: نفسي نفسي، يقول الله: ﴿يَوْمَ يَفِرُّ الْمَرْءُ مِنْ أَخِيهِ * وَأُمِّهِ وَأَبِيهِ * وَصَاحِبَتِهِ وَبَنِيهِ * لِكُلِّ امْرِئٍ مِنْهُمْ يَوْمَئِذٍ شَأْنٌ يُغْنِيهِ﴾ [عبس:٣٤-٣٧] ويقول: ﴿مَا أَغْنَى عَنِّي مَالِيَهْ * هَلَكَ عَنِّي سُلْطَانِيَهْ﴾ [الحاقة:٢٨-٢٩] النتيجة: ﴿خُذُوهُ فَغُلُّوهُ * ثُمَّ الْجَحِيمَ صَلُّوهُ﴾ [الحاقة:٣٠-٣١] والسبب: بأن حسابهم على الله ﷾.
وإذا قيل: إن الله سيحاسبهم، ليس حسابهم عليك يا محمد وإنما علينا نحن، فإذًا: ﴿فَلا تُظْلَمُ نَفْسٌ شَيْئًا﴾ [الأنبياء:٤٧] سيحاسبون حسابًا دقيقًا على كل صغير وكبير: ﴿الْيَوْمَ تُجْزَى كُلُّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ لا ظُلْمَ الْيَوْمَ﴾ [غافر:١٧] لن يظلم أحد أبدًا، وهنيئًا لأقوام وقفوا مع القرآن وقفات.
وأقول للأحبة: إن هذه السورة تحتاج إلى ثلاث محاضرات بمواضعها المركزة هذه، ووقفات دقيقة؛ نظرًا لأننا والله في حاجة إلى أن نقف مع القرآن، وأنا إنما ذكرت خواطر سريعة ودروسًا ميسرة حول هذه السورة العظيمة سورة الغاشية.
أسأل الله ﷾ بأسمائه الحسنى وصفاته العلى أن يجعلني وإياكم من أهل الصلاح والإيمان والتقوى، وأن ينفعنا وإياكم بالقرآن، وأن يجعل القرآن ربيعًا لقلوبنا ونورًا لصدورنا، اللهم إنا نسألك أن تذكرنا منه ما نُسِّينا، وأن تعلمنا أحكامه وآياته، وأن تجعلنا ممن يتلوه آناء الليل وأطراف النهار.
اللهم اجعلنا ممن يستمعون القول فيتبعون أحسنه، اللهم إنا نسألك أن تتوفانا على دينك وأن ترزقنا الصلاح والإيمان والتقوى.
اللهم إنا نسألك أن تصلح أئمتنا وولاة أمورنا وولاة أمور المسلمين، اللهم اجعلهم آمرين بالمعروف ناهين عن المنكر، معزين لمن أطاعك مذلين لمن عصاك.
اللهم إنا نسألك أن تجزي القائمين على وزارة الشئون الإسلامية خير الجزاء على أن هيئوا لنا هذه الفرصة، وأن تجزي الإخوة القائمين على المكتب التعاوني خير الجزاء، وأسأل الله أن يجمعنا وإياكم في جنات عدن.
ونصلي ونسلم على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه.
2 / 26