Durūs lil-shaykh ʿAlī b. ʿUmar Bā Ḥadḥad
دروس للشيخ علي بن عمر بادحدح
Genres
الجولة الرابعة: مواقف من خوف الإمام أحمد من الله ﷿
نمضي مع الخائف الوجل الإمام أحمد رحمة الله عليه، يقول عبد الله: سمعت أبي يقول: وددت أني نجوت من هذا الأمر كفافًا لا لي ولا علي.
هذا الذي كان طاهر الذيل نقي النشأة حافظًا لحديث رسول الله ﵊، كان يعلم ويوقن عظمة المهمة والواجب الملقى على عاتقه، ويعلم قصور العبد وقلة حيلته، ويعلم عظمة الرب وعدم القدرة على إيفاء حقه ﷾، فيقول: وددت أني نجوت كفافًا لا لي ولا علي.
وكان إذا دعا له رجل يقول: الأعمال بخواتيمها.
وكثيرًا ما كان يسمع منه قول: اللهم سلم سلم؛ لأن القلوب الخائفة الوجلة مهما عملت فإنها تبقى على وجل من عدم القبول، أو على وجل من أن تكون الأعمال دون الصور المطلوبة ودون المنزلة المرجوة، ولذلك كما قال الله ﷿: ﴿وَالَّذِينَ يُؤْتُونَ مَا آتَوا وَقُلُوبُهُمْ وَجِلَةٌ أَنَّهُمْ إِلَى رَبِّهِمْ رَاجِعُونَ﴾ [المؤمنون:٦٠] حين نزلت هذه الآية قالت عائشة: (يا رسول الله! الرجل يشرب الخمر ويزني ثم يخاف؟ قال: لا يا ابنة الصديق، ولكنه الرجل يصلي ويصوم ويتصدق ويخشى ألا يقبل منه) هذا حال أهل الإيمان، يقول الحسن البصري رحمة الله عليه: لقد لقيت أقوامًا هم أخوف منكم ألا تقبل حسناتهم من خوفكم أن تحاسبوا على سيئاتكم.
فهم في خوف عظيم أكثر من خوفنا من سيئاتنا، خوفهم أعظم ليس من السيئات لكن من عدم قبول الحسنات، وهذا لا يكون إلا مع استحضار عظمة الله ﷿، وفهم الحق الواجب له ﷾، ولذلك لما سئل الإمام أحمد: كيف أصبحت؟ قال مقالة عجيبة فريدة تدل على عظيم ما كان يفقه من دين الله وما يحمل من أمر الله؛ قال: كيف أصبح مَنْ ربه يطالبه بأداء الفرائض، ورسوله يطالبه بأداء السنة، والملكان يطالبانه بتصحيح العمل، ونفسه تطالبه بهواها، وإبليس يطالبه بالفحشاء، وملك الموت يطالبه بقبض روحه، وعياله يطالبونه بالنفقة؟! كلها أمور يحتاج الإنسان فيها إلى مجاهدة واستقامة على أمر الله، واتباع لسنة رسول الله ﷺ، وتحر للإخلاص وصدق التوجه لله ﷿، وبراءة من شهوات النفس ومجاهدة لها، محاربة لإغواء الشيطان وتزيينه.
وفوق ذلك كله انتظر الموت على وجل وخوف؛ ولذلك كان رحمة الله عليه مع ما له من قدم سابقة في العلم والعمل كان دائمًا يستحضر عظمة الله ﷿، والواجب الذي ينبغي أن يكون له، فيرى أن على الإنسان المسلم ألا يكون مطمئنًا ولا واثقًا ولا آمنًا من مكر الله وعذاب الله ﷾.
9 / 6