(بسم الله الرحمن الرحيم) الحمد لله الذي فضل سيدنا محمدا صلى الله عليه وسلم على سائر المخلوقات وشرف أمته على سائر الأمم وأعلى لهم الدرجات وعلى آله وأصحابه المقتفين آثاره ومن تبعهم في جميع الحالات (أما بعد) فيقول العبد الفقير خادم طلبة العلم بالمسجد الحرام كثير الذنوب والآثام المفتقر إلى ربه المنان أحمد بن زيني دحلان غفر الله له ولوالديه ومشايخه ومحبيه والمسلمين أجمعين قد سألني من لا تسعني مخالفته أن أجمع له ما تمسك به أهل السنة في زيارة النبي صلى الله عليه وسلم والتوسل به من الدلائل والحجج القوية من الآيات والأحاديث النبوية وما ورد في ذلك عن السلف والعلماء والأئمة المجتهدين ليكون ذلك مبطلا إنكار المنكرين فجمعت له هذه الرسالة من كتب كثيرة واختصرتها غاية الاختصار اعتمادا على ما هو مبسوط في كتب العلماء الأخيار فاستعين الله وأقول (إعلم) رحمك الله أن زيارة قبر نبينا صلى الله عليه وسلم مشروعة مطلوبة بالكتاب والسنة وإجماع الأمة أما الكتاب فقوله تعالى ولو أنهم إذ ظلموا أنفسهم جاؤوك فاستغفروا الله واستغفر لهم الرسول لوجدوا الله توابا رحيما دلت الآية على حث الأمة على المجئ
Page 2
إليه صلى الله عليه وسلم والاستغفار عنده واستغفاره لهم وهذا لا ينقطع بموته ودلت أيضا على تعليق وجدانهم الله توابا رحيما بمجيئهم واستغفارهم واستغفار الرسول لهم فأما استغفاره صلى الله عليه وسلم فهو حاصل لجميع المؤمنين بنص قوله تعالى واستغفر لذنبك وللمؤمنين والمؤمنات وصح في صحيح مسلم إن بعض الصحابة فهم من الآية ذلك المعنى الذي ذلت عليه هذه الآية فإذا وجد مجيئهم واستغفارهم فقد تكملت الأمور الثلاثة الموجبة لتوبة الله تعالى ورحمته وسيأتي في الأحاديث الآتية ما يدل على أن استغفاره صلى الله عليه وسلم لا يتقيد بحال حياته وقد علم من كمال شفقته صلى الله عليه وسلم أنه لا يترك ذلك لمن جاءه مستغفرا ربه سبحانه وتعالى والآية الكريمة وإن وردت في قوم معينين في حال الحياة تعم بعموم العلة كل من وجد فيه ذلك الوصف في حال الحياة وبعد الممات ولذلك فهم العلماء منها العموم للجائين واستحبوا لمن أتى قبره صلى الله عليه وسلم أن يقرأها مستغفرا الله تعالى واستحبوها للزائر ورأوها من آدابه التي يسن له فعلها وذكرها المصنفون في المناسك من أهل المذاهب الأربعة ودلت الآية أيضا على أنه لا فرق في الجائي بين أن يكون مجيئه بسفر أو غير سفر لوقوع جاؤوك في حين الشرط الدال على العموم وقد قال تعالى ومن يخرج من بيته مهاجرا إلى الله ورسوله تم يدركه الموت فقد وقع أجره على الله ولا شك عند من له أدنى مسكة من ذوق العلم أن من خرج لزيارة رسول الله صلى الله عليه وسلم بصدق عليه أنه خرج مهاجرا إلى الله ورسوله لما يأتي من الأحاديث الدالة على أن زيارته صلى الله عليه وسلم بعد وفاته كزيارته في حياته وزيارته في حياته داخلة في الآية الكريمة قطعا فكذا بعد وفاته بنص الأحاديث الشريفة الآتية وأما السنة فما يأتي من الأحاديث وأما القياس فقد جاء أيضا في السنة الصحيحة المتفق عليها الأمر بزيارة القبور فقبر نبينا صلى الله عليه وسلم منها أولى وأحرى وأحق وأعلى بل لا نسبة بينه وبين غير وأيضا فقد ثبت أنه صلى الله عليه وسلم زار أهل البقيع وشهداء أحد فقبره الشريف أولى لما له من الحق ووجوب التعظيم وليست زيارته صلى الله عليه وسلم إلا
Page 3
لتعظيمه والتبرك به ولينال الزائر عظيم الرحمة والبركة بصلاته وسلامه عليه صلى الله عليه وسلم عند قبره الشريف بحضرة الملائكة الحافين به صلى الله عليه وسلم وأما إجماع المسلمين فقد قال العلامة ابن حجر في الجوهر المنظم في زيارة قبر النبي المكرم صلى الله عليه وسلم قد نقل جماعة من الأئمة حملة الشرع الشريف الذين عليهم المدار والمعول الاجماع وإنما الخلاف بينهم في أنها واجبة أو مندوبة فمن خالف في مشروعية الزيارة فقد خرق الاجماع واحتج القائلون بوجوب الزيارة بقوله صلى الله عليه وسلم من حج البيت ولم يزرني فقد جفاني رواه ابن عدي بسند يحتج به قال وجفاؤه صلى الله عليه وسلم حرام فعدم زيارته المتضمن لجفائه حرام وأجاب الجمهور القائلون بندب؟
الزيارة بأن الجفاء من الأمور النسبية فقد يقال في ترك المندوب إنه جفاء؟
هو ترك البر والصلة ويطلق أيضا على غلظ الطبع والبعد عن الشئ فأكثر العلماء من الخلف والسلف على ندبها دون وجوبها وعلى كل من القولين فالزيارة ومقدماتها من نحو السفر من أهم القربات وأنجح المساعي ويدل لك؟
أحاديث كثيرة صحيحة صريحة لا يشك فيها إلا من انطمس نور بصيرته منها قوله صلى الله عليه وسلم من زار قبري وجبت له شفاعتي وفي رواية حلت له شفاعتي رواه الدارقطني وكثير من أئمة الحديث وقد أطال الإمام السبكي في كتابه المسمى شفاء السقام في زيارة قبر خير الأنام في بيان طرق هذا الحديث وبيان من صححه من الأئمة ثم ذكر روايات في أحاديث الزيارة كلما؟ ويد هذا الحديث منها رواية من زارني بعد موتي فكأنما زارني في حياتي وفي رواية من جاءني زائرا لا تهمه حاجة إلا زيارتي كان حقا على أن أكون له شفيعا يوم القيامة وفي رواية من جاءني زائرا كان له حق على الله عز وجل أن أكون له شفيعا يوم القيامة وفي رواية لأبي يعلى والدارقطني والطبراني والبيهقي وابن عساكر من حج فزار قبري وفي رواية فزارني بعد وفاتي عند قبري كان كمن زارني في حياتي وفي رواية من حج فزارني في مسجدي بعد وفاتي كان كمن زارني في حياتي وفي رواية من زارني إلى المدينة كنت له شفيعا وشهيدا ومن مات بأحد الحرمين بعثه الله من
Page 4
الآمنين يوم القيامة رواه بهذه الزيادة أبو داود الطيالسي ثم ذكر أحاديث كثيرة كلها تدل على مشروعية الزيارة لا حاجة لنا إلى الإطالة بذكرها فتلك الأحاديث كلها مع ما ذكرناه صريحة في ندب بل تأكد زيارته صلى الله عليه وسلم حيا وميتا للذكر والأنثى وكذا زيارة بقية الأنبياء والصالحين والشهداء والزيارة شاملة للسفر لأنها تستدعي الانتقال من مكان الزائر إلى مكان المزور كلفظ المجئ الذي نصت عليه الآية الكريمة وإذا كانت كل زيارة قربة كان كل سفر إليها قربة وقد صح خروجه صلى الله عليه وسلم لزيارة قبور أصحابه بالبقيع وبأحد فإذا ثبت مشروعية الانتقال لزيارة قبر غيره صلى الله عليه وسلم فقبره الشريف أولى وأحرى والقاعدة المتفق عليها أن وسيلة القربة المتوقفة عليها قربة أي من حيث إيصالها إليها فلا ينافي أنه قد ينضم إليها محرم من جهة أخرى كمشي في طريق مغصوب صريحة في أن السفر للزيارة قربة مثلها ومن زعم أن الزيارة قربة في حق القريب فقط فقد افترى على الشريعة الغراء فلا يقول عليه وأما تخيل بعض المحرومين إن منع الزيارة أو السفر إليها من باب المحافظة على التوحيد وأن ذلك مما يؤدي إلى الشرك فهو تخيل باطل لأن المؤدى إلى الشرك إنما هو اتخاذ القبور مساجد أو العكوف عليها وتصوير الصور فيها كما ورد في الأحاديث الصحيحة بخلاف الزيارة والسلام والدعاء وكل عاقل يعرف الفرق بينهما ويتحقق أن الزيارة إذا فعلت مع المحافظة على آداب الشريعة الغراء لا تؤدي إلى محذور البتة وأن القائل بالمنع منها سدا للذريعة متقول على الله وعلى رسوله صلى الله عليه وسلم وهنا أمران لا بد منهما أحدهما وجوب تعظيم النبي صلى الله عليه وسلم ورفع رتبته عن سائر الخلق والثاني إفراد الربوبية واعتقاد أن الرب تبارك وتعالى منفرد بذاته وصفاته وأفعاله عن جميع خلقه فمن اعتقد في مخلوق مشاركة الباري سبحانه وتعالى في شئ من ذلك فقد أشرك ومن قصر بالرسول صلى الله عليه وسلم عن شئ من مرتبته فقد عصى أو كفر ومن بالغ في تعظيمه صلى الله عليه وسلم بأنواع التعظيم ولم يبلغ به ما يختص بالباري سبحانه وتعالى فقد أصاب الحق وحافظ على جانب
Page 5
الربوبية والرسالة جميعا وذلك هو القول الذي لا إفراط فيه ولا تفريط وأما قوله صلى الله عليه وسلم لا تشد الرحال إلا إلى ثلاثة مساجد المسجد لحرام ومسجدي هذا والمسجد الأقصى فمعناه أن لا تشد الرحال إلى مسجد لأجل تعظيمه والصلاة فيه إلا إلى المساجد الثلاثة فإنها تشد الرحال إليها لتعظيمها والصلاة فيها وهذا التقدير لا بد منه ولو لم يكن التقدير هكذا لاقتضى منع شد الرحال للحج والجهاد الهجرة من دار الكفر ولطلب العلم وتجارة الدنيا وغير ذلك ولا يقول بذلك أحد قال العلامة ابن حجر في الجوهر لمنظم ومما يدل أيضا لهذا التأويل للحديث المذكور التصريح به في حديث سنده حسن وهو قوله صلى الله عليه وسلم لا ينبغي للمطي أن تشد رحالها إلى مسجد يبتغي الصلاة فيه غير المسجد الحرام ومسجدي هذا والمسجد الأقصى وبالجملة فالمسألة واضحة جلية قد أفردت بالتأليف فلا حاجة إلى الإطالة بأكثر من هذا فإن من نور الله بصيرته يكتفي بأقل من هذا ومن طمس الله بصيرته فما تغني عنها لآيات والنذر * وأما التوسل فقد صح صدوره من النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه وسلف الأمة وخلفها أما صدوره من النبي صلى الله عليه وسلم فقد صح في أحاديث كثيرة منها أنه صلى الله عليه وسلم كان من دعائه اللهم إني أسألك بحق السائلين عليك وهذا توسل لا شك فيه وصح في أحاديث كثيرة أنه كان يأمر أصحابه أن يدعوا به منها ما رواه ابن ماجة بسند صحيح عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم من خرج من بيته إلى الصلاة فقال اللهم إني أسألك بحق السائلين عليك وأسألك بحق ممشاي هذا إليك فإني لم أخرج أشرا ولا بطرا ولا رياء ولا سمعة خرجت اتقاء سخطك وابتغاء مرضاتك فأسألك أن تعيذني من النار وأن تغفر لي ذنوبي فإنه لا يغفر الذنوب إلا أنت أقبل الله عليه بوجهه واستغفر له سبعون ألف ملك وذكر هذا الحديث الجلال السيوطي في الجامع الكبير وذكره أيضا كثير من الأئمة في كتبهم عند ذكر الدعاء المسنون عند الخروج إلى الصلاة حتى قال بعضهم ما من أحد من السلف إلا وكان يدعو بهذا الدعاء عند خروجه إلى الصلاة فانظر
Page 6