105

Durar al-ʿuqud al-faridat fi taragim al-aʿyan al-mufidat

درر العقود الفريدة في تراجم الأعيان المفيدة

Genres

============================================================

الأمور، وبالغ في الضبط، واتبع القواعد القديمة، وأجرى البلاد والنواحي على القوانين السالفة، وكان الأمير جزكس الخليلي قد أقيم مشير الدولة ترجع الوزراء إلى رأيه، ولا تبرم أمرا إلا بعد مراجعته، فلم يعبأ به، ولا التفت إليه، بل عارضه ومتعه من التحدث في شيء من أمر الدولة. فهابه الكافة، وعظم قدره عند الخاصة والعامة، وتمكن من سلطانه وصار صاحب رآيه وعمدة تدبيره ومصدر آمره ونهيه. فزادت هيبته، واتسع نطاق قوته، حتى أن الشلطان، فيما يذكر، أمره يوما فوضع يده فوق يده وقد حضر الأمراء بأسرهم وقال لهم: كما أن يد الوزير فوق يدي كذلك كلمته فوق كلمتي. فلم يبق في الدولة عظيم من غظمائها حتى خنع له وتصرف بأمره. وكان مع ذلك مقتصدا في ملبسه ومزكبه وزئه ودسته، لم يغير شيئا من حاله التي كان عليها قبل الوزارة، ولا تحول عن داره إلى أكبر منها، ولا جدد خدما ولا حشما، ومنع الناس من الركوب معه والمسير بين يديه كما هي عادة الوزراء. فكان يمر في الطرقات، ويسير إلى الخدمة الشلطانية على فرسه كآحاد الناس المتوسطين من الكتاب، ومن ورائه الغلام على بغل، ورديفه عبد يحمل دواته تخت إبطه لا يزيد على ذلك شيئا البتة طول مدته في الوزارة. وكان إذا جلس في دست وزارته يكون على لگاد أحمر قد فرش على صفة رقيقة على باب داره فيقعد عليها ورجلاه تخط الأرض، ويأتيه أرباب الحوائج بغير إذن ولا مشاورة، سواء أعلاهم وأدناهم، فيتناول قصصهم بيده ويكلمهم بغير واسطة. وإذا ركب أغلق بابه على من في داره من الجواري ورفع المفتاح معه، ولم يتناول معلوم الوزارة المقررة من تقادم السنين.

وكان يحضر بنفسه لذبح الأغنام، وتفرقة الرواتب الشلطانية من اللحم على أرباب المرتبات. وأمر بفتح مطبخ الشكر المتعلق بالدولة، وكان قد تعطل منذ أعوام، وأدار الدواليب لاعتصار الأقصاب في الوجه القبلي ولم يغسف أحذا في طلب، ولا جدد مظلمة، ولا أخدث سوء بل استوفى الأموال الشلطانية، ولم يفرط في شيء منها. وكانت العادة

Page 105