دنيا وأديان
دنيا وأديان
تأليف
نقولا فياض
بوذا
دين الخلاص
بين الرجال العظام الذين قادوا المجتمع البشري وظهروا فيه كالأعلام على مدار الحقب، وتركوا في أديم الحياة الإنسانية آثارا عميقة لا تمحوها رمال الزمن، تتجلى لنا من أعماق الماضي البعيد - على ضفاف الكانج ومن خلف غابات الهند الأزلية - صورة بوذا مؤسس الديانة الهندية.
يقال إنه حتى العشرين أو الثلاثين من عمره لم يكن يعرف شيئا مما يجري حوله من تصاريف الأيام؛ لالتزامه بيته حيث كان يقيم معه أستاذ يسهر على تربيته وثقافته. ولما خرج للمرة الأولى بصحبة أستاذه لاقى في طريقه أول ما لاقى شيخا محدودب الظهر مجعد الجبين يمشي متوكئا على عصاه، فسأل رفيقه: لماذا يمشي الرجل هكذا؟ فأجابه: لأنه عجوز هرم، قال: وما يعني؟ قال: إنه بلغ من العمر عتيا فوهنت قواه وهزل جسده وثقلت خطاه، إلى آخر ما يتبع ذلك من عيوب الشيخوخة.
وما ابتعد غير قليل حتى لفت نظره مريض مطروح على قارعة الطريق كعادة تلك الأجيال في عرض مرضهم على المارة، فسأل عنه، فقال له الرفيق: هذا مريض؛ يعني أنه كان قويا فصار ضعيفا، وكان يمشي أميالا فلا يتعب وهو اليوم لا يستطيع أن يخطو خطوة، وكان يأكل بشهية فانقطعت عنه القابلية، وكان لا يشكو ألما وهو اليوم كثير الأنين إلى آخر ما يرافق الداء من ألم وعذاب. ثم تابع سيره فالتقى بجنازة، فسأل: ما الخبر؟ فقال له معلمه: هذا ميت؛ يعني كانت فيه حياة فذهبت، وكان قلبه خفاقا فسكن، وكانت عيناه تبصران فزال منهما النور، وأذناه تسمعان فأصابهما الصمم، ولسانه يتكلم فنابه الخرس؛ فهو الآن في عالم غير عالمنا هذا.
أثرت هذه المشاهد في الأمير الشاب تأثيرا عميقا فارتد أدراجه إلى القصر، وذهب توا إلى أبيه الملك، وقال: ألا يمكنك يا أبتاه أن تمنع الهرم والمرض والموت؟ فأجابه أبوه: إنك تطلب المستحيل يا بني. وكان هذا الجواب كافيا ليتبين بطلان تعاليم البراهمة؛ فهجر قصر أبيه ولسان حاله يقول: تعسا للشباب الذي يغلبه الهرم! تعسا للصحة التي تهدمها الأمراض، تعسا للحياة التي يفنيها الموت!
Unknown page