ورمقه محمد بقلق كأنه خاف أن يعقب التوفير في التعب توفير في الأجر، ثم قال بعجلة: أنا لا يهمني التعب، إلي بنقط الموضوع، وسوف تقرأ مقالا لن يشك قارئه في أنه بقلم أخصائي من العلماء!
فلم يبد على المدير أنه اكترث لاعتراضه، وأخرج من درج مكتبه مقالة مسطورة على فرخين من الورق، فتساءل محمد في شبه انزعاج: كتبتها كلها؟ - لا ينقصها إلا إمضاؤك!
فتناولها الآخر في فتور، وهو يغمغم: لكن ...
فقاطعه قائلا بلهجة مرحة: اقرأ ولا تخف، متى وجدتني بخيلا يا جاحد؟!
فاسترد شيئا من طمأنينته، وهو يقول كالمحتج: ولكنك ستعودني على الكسل!
وراح يقرأ: «عزيزي القارئ، ماذا تعرف عن العقار الجديد «س. أ. ب»؟ لعلك تسمع عنه لأول مرة. ولم تسمع بطبيعة الحال عن الثورة العلمية التي أحدثها في أمم الشمال بصفة خاصة، وفي القارة الأوروبية بصفة عامة؟ في الأسطر القادمة ستعرف كل شيء عنه، مؤيدا بأقوال جمهرة من كبار العلماء. ولما كانت مجلتنا علمية قبل كل شيء؛ فإنا نرجو ألا يطوح الخيال بأحد قرائها، فإن اعتقادنا ألا قوة تستطيع أن تعيد الشباب إذا ولى، ولكن عقارا يؤخر الشيخوخة عشرة أو خمسة عشر عاما ليس مما يستهان به ...»
واستمر في قراءة المقال، والمدير يتابعه في اهتمام لا يخلو من سخرية، حتى أتمه، وتبادلا النظر في صمت مليا، ثم سأله المدير: ما رأيك؟ - مدهش، ثمة أخطاء في اللغة أو النحو ستصحح بطبيعة الحال، ولكنه مقال هام ومثير. - يجب نشره في صفحة مهمة.
فقال محمد بدران بشيء من المكر: أنت تعرفني من قديم، ولكن هناك معلومات قد تحتاج إلى تحقيق علمي، أو إلى تعديل على الأقل، إن مجلتنا ذات صفة علمية معترف بها!
فقال المدير ببرود: لن أزيد مليما على المبلغ المتفق عليه! - لا أقصد هذا. - بل تقصده! لا تكن طماعا، ستأخذ المجلة أجرة إعلان ممتاز جدا، وستأخذ أنت مكافأتك كما اتفقنا، فلا داعي للمشاغبة!
فدارى محمد هزيمته الخفيفة بضحكة، وقال بحرارة زائفة: أخاف أن يؤدي الإفراط في تناول العقار إلى ... - ما أجمل تلاوتك للآيات الإنسانية! لكنني أزعم أنني إنساني أكثر منك، هذا العقار إذا لم يفد فلن يضر، وهو مفيد قطعا ، والإنسان يعيش على الأوهام ويسعد بها.
Unknown page