Durūs al-Shaykh Ḥasan Abūʾl-Ashbāl
دروس الشيخ حسن أبو الأشبال
Genres
التبايع بالعينة والخلود إلى الدنيا وترك الجهاد
قال النبي ﵊ في أسباب هلاك الأمم كما أخرج ابن ماجه من حديث عبد الله بن عمر: (إذا تبايعتم بالعينة، واتخذتم أذناب البقر، ورضيتم بالزرع، وتركتم الجهاد في سبيل الله، إلا سلط الله عليكم ذلًا لا ينزعه عنكم حتى تراجعوا دينكم).
(إذا تبايعتم بالعينة) وبيع العينة من البيوع المحرمة، وهو حيلة للوقوع في الحرام، وهو حرام صراح حرمه النبي ﵊، ولكن ما هو بيع العينة؟ أن تذهب لتقول لرجل من الناس: أعطني ألف جنيه قرضًا حسنًا، فيقول: ما عندي مال ولكن خذ هذا القمح بألف جنيه نسيئة، ادفع كل شهر مائة جنيه على عشرة شهور، ثم قبل أن تحمل هذا القمح يقول لك: هل رضيت بالبيع؟ نعم.
هل استقر الثمن في ذمتك؟ نعم.
يقول لك: تبيعني هذا القمح بثمانمائة جنيه نقدًا عاجلًا؟ تقول: نعم، تأخذ منه الثمانمائة جنيه ثم ترد إليه عين السلعة قبل أن تنقلها إلى رحلك، ولذلك سماه الشرع: بيع العينة، حيلة إلى الربا والفجور.
قال: (واتخذتم أذناب البقر ورضيتم بالزرع) اهتمام بالدنيا على كل حال، كأن النبي ﵊ ما جاء إلا لتحصيل الدنيا لا لتحصيل الدين.
ولذلك أنت الآن كلما قلت لأحد من الناس: ما شأن الجهاد وماذا نصنع؟ يقول لك: لا جهاد.
الجهاد سفك للدماء، وخراب للبلاد، وخراب للاقتصاد، بل هو إلقاء بالنفس إلى التهلكة، والله تعالى يقول: ﴿وَلا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ﴾ [البقرة:١٩٥] ويحتج كذلك من القرآن على فساد معتقده، وهذا من باب الاختلاف في الدين الذي هو سبب هلاك الأمم، يحتج بقول الله: ﴿وَلا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ﴾ [البقرة:١٩٥] على الجهاد في سبيل الله الذي هو عز المسلم وشرفه، ولذلك لما قال رجل في حرب مع الروم في القسطنطينية: (لو أني ألقيت بنفسي في جيش الروم أكنت قد ألقيت بنفسي في التهلكة؟ قال الجيش: نعم، لو أنك فعلت لكنت ملقيًا بنفسك إلى التهلكة.
فقال أبو أيوب الأنصاري ﵁: لا تفعلوا - هذا فهم خاطئ - فإن هذه الآية فينا نزلت معشر الأنصار، فنحن قد شرفنا الله بنصرة نبيه، ومنعناه مما نمنع منه أولادنا وأبناءنا وأموالنا ونساءنا، فلما كثر الإسلام وظهر المسلمون قلنا: هلا رجعنا إلى أرضنا وأموالنا فأصلحناها، فأنزل الله تعالى قوله: ﴿وَأَنفِقُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ وَأَحْسِنُوا إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ﴾ [البقرة:١٩٥] قال أبو أيوب: فكانت التهلكة الركون إلى الدنيا، وترك الجهاد في سبيل الله).
هذا هو الإلقاء في التهلكة أن تركن إلى حياتك ودنياك، وتتصور أو تعتقد أن الجهاد في سبيل الله هلاك للأبدان أو للأرواح، أو خراب للبلاد وللعباد، أو ضياع للاقتصاد وغير ذلك، بل الاقتصاد ضائع ضائع، وما يأكل الناس اليوم إلا سمًا زعافًا في أبدانهم، وقد ظهرت فيهم الأوجاع والأسقام التي لم تكن في أسلافهم.
وبالجملة فإن عموم معصية الرسول ﵊ ومعصية الله تعالى هي التي أوردت هذه الأمة الموارد والهلكة، ولذلك قال النبي ﵊: (بعثت بالسيف بين يدي الساعة حتى يعبد الله وحده لا شريك له، وجعل رزقي تحت ظل رمحي، وجعل الذلة والصغار على من خالف أمري، ومن تشبه بقوم فهو منهم).
معظم الأمة الآن أمريكان في العقائد والأخلاق والسلوك والآداب، وهم يزعمون أنهم يحاربون أمريكا، وأنهم يبغضون اليهود والنصارى، وهم الواحد منهم إذا لبس نعلًا يهوديًا أو إسرائيليًا يفتخر به في المجالس العامة، ويقول: لقد اشتريت هذا النعل بخمسمائة دولار من المكان الفلاني، الذي لا يبيع إلا المنتجات الإسرائيلية.
انظروا! ثم يقلب النعل من فوق إلى أسفل يفتخر بأنه يلبس نعلًا يهوديًا أو ثوبًا أمريكيًا أو فانيلية إنجليزية، ويقول: هذا صوف إنجليزي أصيل، يقول ذلك على سبيل الفخر، ما هذه الحسرة؟ وما هذه النكسة في العقائد والأخلاق والسلوك والآداب، ثم تزعم أنك متبع لنبيك مخالف لليهود والنصارى؟! لا بد من وقفة، ولا بد أن تضرب فوق أم رأسك لتعلم أنك أمريكاني وأنك إنجليزي وأنك أوروبي في معظم أحوالك وفي غالب أوقاتك، لا بد أن ترجع وتتشبه بالنبي ﵊ وبأصحابه الكرام.
تشبهوا بهم إن لم تكونوا مثلهم إن التشبه بالكرام فلاح أطع النبي ﵊ في كل أمر، في كل كبيرة وصغيرة، في كل ما دق وجل.
(هذا عبد الله بن مسعود لما كان قادمًا إلى صلاة الجمعة قام رجل من الناس يصلي ركعتين، فقال له النبي: اجلس، فسمعها عبد الله بن مسعود وهو خارج المسجد، فظن أن الأمر له فجلس في الشمس، وما قام إلا إلى الصلاة، فلما فرغ من الصلاة جلس في مكانه حتى قال النبي ﷺ: ما شأنك يا أبا عبد الرحمن؟ قال: يا رسول الل
14 / 15