417

Lā taḥzan

لا تحزن

Publisher

مكتبة العبيكان

Genres

المكظومون في انتظار لطْف الله
هذا الخطيبُ المِصْقعُ لا يلتوي لسانُه إذا تراكضتِ الألفاظُ في ميدانِ البيانِ، بل يمضي ساطعًا صارمًا متدفِّقًا.
هو خطيبُ الرسول ﷺ وحسْبُ، وخطيب الإسلام وكفى، كان يرفع صوته بالخطبِ بين يدي رسول اللهِ ﷺ لنصرةِ الدِّين، إنه ثابتُ بنُ قيسِ بن شمّاس، وأنزل اللهُ: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَرْفَعُوا أَصْوَاتَكُمْ فَوْقَ صَوْتِ النَّبِيِّ وَلَا تَجْهَرُوا لَهُ بِالْقَوْلِ كَجَهْرِ بَعْضِكُمْ لِبَعْضٍ أَن تَحْبَطَ أَعْمَالُكُمْ وَأَنتُمْ لَا تَشْعُرُونَ﴾ . وظنَّ قيسٌ أنه هو المقصودُ، فاعتزل الناس واختبأ في بيتِه يبكي، وفقده رسولُ اللهِ ﷺ فسأل عنه، فأخبره الصحابةُ الخَبَرَ، فقال: «كلاَّ، بل هو من أهلِ الجنةِ» .
فصارتِ النذارةُ بشارةٌ.
هناءٌ محا ذاك العزاء المقدَّما ... فما جزِع المحزونُ حتى تبسَّما
وتبقى عائشةُ أمُّ المؤمنين ﵂ تبكي شهرًا كاملًا ليلًا ونهارًا، حتى كاد البكاء يمزِّقُ كبِدها ويفري جسمها، لأنها طُعنتْ في عِرْضها الشريفِ، العفيفِ، فجاء الفرج: ﴿إِنَّ الَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ الْغَافِلَاتِ الْمُؤْمِنَاتِ لُعِنُوا فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ﴾ . وحمدتِ الله وصارتْ أطهر الطُّهرِ، كما كانتْ، وفرح المؤمنون بهذا الفتحِ المبينِ.
والثَّلاثةُ الذين تخلَّفوا عن غزوةِ تبوك، وضاقْتْ عليهمْ الأرضُ بما رحُبتْ، وضاقتْ عليهم أنفسُهم، وظنُّوا أن لا ملجأ من اللهِ إلا إليه، أتاهم الفرجُ ممنْ يملكُه - سبحانه- ونزل عليهم الغوْثُ من السميعِ القريبِ.

1 / 443