156

Doctrine of Monotheism in the Holy Quran

عقيدة التوحيد في القرآن الكريم

Publisher

مكتبة دار الزمان

Edition Number

الأولى ١٤٠٥هـ

Publication Year

١٩٨٥م

Genres

الأوثان لا تحس بدعاء عابديها لها ولا تستجيب لهم؛ لأنها جمادات منحوتة على هيئة الأحياء، والعرب تضرب مثلًا لمن سعى فيما لا يدركه بالقابض على الماء١. ب- عجزها عن الخلق وعن استعادة ما يسلب منها: وضرب الله ﷾ مثلًا لبيان عجز آلهة المشركين عن خلق أضعف وأصغر المخلوقات، بل لو سلب هذا المخلوق الضعيف من الأصنام شيئًا ما استطاعت استرداده، يقول تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا النَّاسُ ضُرِبَ مَثَلٌ فَاسْتَمِعُوا لَهُ إِنَّ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ لَنْ يَخْلُقُوا ذُبَابًا وَلَوْ اجْتَمَعُوا لَهُ وَإِنْ يَسْلُبْهُمْ الذُّبَابُ شَيْئًا لا يَسْتَنقِذُوهُ مِنْهُ ضَعُفَ الطَّالِبُ وَالْمَطْلُوبُ﴾ ٢. والمعنى بأن المشركين جعلوا لله شبهًا من الأصنام والأنداد التي عبدوها فاستمعوا لحال ما مثلوه وجعلوه شبهًا لله بعبادتهم إياه: إن كل ما تعبدون من دون الله لو اجتمعوا وتعاونوا ما خلقوا ذبابًا في صغره وقلته وضعفه، بل لو سلبهم هذا الذباب شيئًا مما تجعلونه عليها من العسل والطيب، فإنهم لا يستخلصوه منه، ضعف الطالب وهو آلهة المشركين، والمطلوب وهو الذباب. وفي هذا المثل غاية التحقير والمهانة لآلهتهم، وفيه التقريع الشديد كذلك لعابديها مع علمهم بضعفها ومهانتها ومع ذلك يجعلونها مثلًا لله، وهذا المثل من أبلغ الأمثال في تجهيل قريش واستركاك عقولهم، والشهادة على أن الشيطان قد خزمهم بخزائمه حيث وصفوا بالإلهية -التي تتضمن القدرة على الخلق والإحاطة بالكائنات كلها- صورًا وتماثيل لو سلبها الذباب مما دهنت به من العسل والزعفران ما ردته عن نفسها ولا استنقذته منه٣. والظاهر كما قال أبو حيان أن ضارب المثل هو الله تعالى، ضرب مثلًا لما يعبد من دونه فاستمعوا لحال هذا المثل٤.

١ انظر تفسير الطبري ١٣/١٢٨ وتفسير القرطبي ٩/٣٠٠ والبحر المحيط ٥/٣٧٦ وتفسير ابن كثير ٢/٥٠٧والكشاف ٢/٣٥٤. ٢- سورة الحج آية ٧٣. ٣، ٤ انظر تفسير الطبري ١٧/٢٠٢ والبحر المحيط ٦/٣٩٠ والكشاف ٣/٢٢.

1 / 171