Al-munāẓarāt al-ʿaqdiyya li-Shaykh al-Islām Ibn Taymiyya
المناظرات العقدية لشيخ الإسلام ابن تيمية
Publisher
الناشر المتميز
Edition Number
الأولى
Publication Year
١٤٤٠ هـ - ٢٠١٩ م
Publisher Location
دار النصيحة - الرياض
Genres
في القرآن أو في السنة يدل على انفراد الله بالتدبير والخلق ففيه رد على هؤلاء وبرهان على فساد صنعتهم، وكذلك كل آية تدل على انفراده سبحانه بعلم الغيب فهي دليل على هذا أيضًا، وكذلك كل نص دل على أن الكواكب مسخرة بأمر الله وتقديره فهي أيضًا رد عليهم.
ويهمنا هنا أن نلقي الضوء على ما احتج به شيخ الإسلام على هؤلاء المنجمين من الأدلة العقلية على فساد هذه المقولة التي ذكروها، والشبهة التي قرروها، فقد بين ﵀ ذلك من وجوه عدة، وهو وإن لم يذكر في المناظرة إلا وجهًا واحدًا -وذلك لأنه إنما حكى ما حدث على سبيل الاختصار والإجمال لا التفصيل والاسترسال-، إلا أنه قد بين في مواضع كثيرة من كتبه أدلة أخرى على فساد هذه الشبهة خصوصًا، وفساد صناعة المنجمين عمومًا، وسأذكر ما وقفت عليه منها وهي كالآتي:
أولًا: بين شيخ الإسلام ﵀ أنه حتى ولو كان لهذه الكواكب سبب وتأثير، فإنما هي جزء من السبب المؤثر وليست مؤثرًا تامًا بنفسها "بل تأثير الأرواح وغيرها من الملائكة أشد من تأثيره، وكذلك تأثير الأجسام الطبيعية التي في الأرض، وكذلك تأثير قلوب الآدميين بالدعاء وغيره من أعظم المؤثرات باتفاق المسلمين" (^١) قال شيخ الإسلام: «هؤلاء أكثر ما يعلمون -إن علموا- جزءًا يسيرًا من جملة الأسباب الكثيرة ولا يعلمون بقية الأسباب» (^٢).
ثم ضرب مثالًا على هذا فقال: «مثل من يعلم أن الشمس في الصيف تعلو الرأس حتى يشتد الحر فيريد أن يعلم من هذا -مثلًا- أنه حينئذ أن العنب الذي في الأرض الفلانية يصير زبيبًا؛ على أن هناك عنبًا وأنه ينضج وينشره صاحبه في الشمس وقت الحر فيتزبب، فهذا وإن كان يقع كثيرًا؛ لكن أخذ هذا من مجرد حرارة الشمس جهل عظيم إذ قد يكون هناك عنب وقد لا يكون؛ وقد يثمر ذلك
(^١) مجموع الفتاوى (٢٥/ ١٩٨ - ١٩٩).
(^٢) المصدر السابق (٣٥/ ١٧٣).
1 / 198