دليل الداعية
دليل الداعية
Publisher
دار طيبة الخضراء
Edition Number
الأولى
Genres
المقدمات:
مقدمة المراجع:
الحمد لله رب العالمين نحمده ونستعينه، ونستغفره ونتوب إليه ونعوذ بالله من شرور أنفسنا، وسيئات أعمالنا من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له ونشهد أن لا إله إلا الله، ونشهد أن محمد عبده ورسوله.
أما بعد: فقد اطلعت على هذا الكتاب "دليل الداعية" لفضيلة الشيخ ناجي بن دايل السلطان فوجدته مليئا بالإرشادات، والنصائح والتوجيهات التي يستفيد منها عامة المسلمين، وخاصة الدعاة منهم الذين وضع هذا الكتاب من أجلهم ليستفيدوا منه؛ لأنه ثمرة جهد لأخيهم المؤلف جمعها خلال تجاربه في عمل الدعوة طيلة حياته الدعوية، فهو لا يستغني عنه داعية من دعاة الإسلام، وخاصة المبتدئين منهم؛ لأنه ينير لهم طريق الدعوة لكي يتجنب الداعية العقبات التي تعترض سبيله، وحتى يوصل ما لديه من علم بأحسن صورة، وأكثر فائدة فهو يدعو إلى الإخلاص في الدعوة، والترغيب فيها والقيام بها بجد ونشاط، وخاصة من تفرغ لعلم الدعوة، وأخذ عليه أجرا فالأمر في حقه أوجب وستجد أيها القارئ الكريم أن يدعو الدعاة أيضًا إلى أن يكونوا دعاة بأفعالهم، ومعاملاتهم قبل أن يكونوا دعاة بأقوالهم، وذلك بالالتزام بحسن الخلق والمعاملة الحسنة، ونفع الناس والتودد إليهم حتى يحبوه
1 / 5
فيسمعوا منه ويقبلوا دعوته، وأن يكون أسوة حسنة بالحضور إلى المسجد في أول الوقت، وأن يكون في الصف الأول، كما يحث أيضا على كرم الأخلاق، وكذا يرشد إلى معرفة أحوال أهل البلد الذين سيدعوهم وعاداتهم، ولهجاتهم وما هم عليه حتى يبدأ الداعية بالأهم، ثم المهم ثم الذي يليه وهكذا، ومجمل القول أن هذا كتاب كثير الفائدة من أخ كريم يحمل هم الدعوة غيور على دينه هكذا نحسبه، ولا نزكي على الله أحدا أسأل الله العلي القدير أن يجعل ذلك في ميزان حسناته يوم القيامة، وأن لا يحرمنا ولا يحرمه الأجر، والثواب والله الهادي إلى سواء السبيل، وصلى الله وسلم وبارك على عبده، ورسوله محمد وعلى آله وصحبه.
تقديم الدكتور
محمد بن سعد بن شقير
القاضي بمحكمة خورفكان بالإمارات
1 / 6
تقريظ:
بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على رسوله نبينا محمد وآله وبعد:
فقد اطلعت على هذا الكتاب المبارك المعنون "دليل الداعية" تأليف الأخ في الله الشيخ ناجي بن دايل السلطان، فألفيته مفيدًا في بابه وأنصح الإخوة الدعاة إلى الله، وعموم طلاب العلم بقراءته، والاستفادة منه أسأل الله أن ينفعنا جميعا بما علمنا، وأن يجعلنا من الداعين إليه سبحانه على بصيرة، وأن يجعلنا من المخلصين لوجهه الكريم المتبعين لهدي نبيه عليه الصلاة، والتسليم قال ذلك وكتبه الفقير إلى الله عبد الرحمن بن حماد آل عمر، وصلى الله الله على عبده ورسوله نبينا محمد وآله وصحبه.
حرر في ١٥/ ١١/ ١٤١٩هـ.
1 / 7
صفحة سكانر
1 / 8
مقدمة المطلع عليها
...
مقدم المطلع عليها:
بسم الله الرحمن الرحيم:
الحمد لله رب العالمين والعاقبة للمتقين، والصلاة والسلام على من بعثه الله رحمة للعالمين، وشاهدا ومبشرا ونذيرا، وداعيًا إلى الله بإذنه وسراجًا منيرا محمد بن عبد الله، وعلى آله وأصحابه الطيبين الطاهرين، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين وبعد:
فإن الدعوة إلى الله تعالى من أعظم الصالحات، وأزكى الطاعات وأحب الأعمال إلى الله تعالى: ﴿وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلًا مِمَّنْ دَعَا إِلَى اللَّهِ وَعَمِلَ صَالِحًا وَقَالَ إِنَّنِي مِنَ الْمُسْلِمِينَ﴾ .
بها تنهض الأمم وتصلح المجتمعات وتستقيم الأحوال، فما أحسن عمل الدعاة وما أنفع جهودهم، وما أسعد الأمة بهم وأشد غبطتها، فمنهم البناة والهداة والسراة، وهم بهجة الدنيا، وزينتها ونعيمها.
وإن الحديث عن الدعوة وهمومها وتطلعاتها، ووسائل نهضتها حري بالاهتمام والتأمل، ولا سيما حين يصدر عن ربيب للدعوة وإلف للدعاة، صاحب الفضيلة الشيخ ناجي بن دايل السلطان.
فلقد سعدت بتصفح كتابه "دليل الداعية إلى الله تعالى"، وقرأ بعض ما تضمن من التوجيهات، والإرشادات وما جاشت به نفس
1 / 9
المؤلف من آمال، وتطلعات نحو إصلاح شأن الدعاة، وتصحيح سيرتهم وتعضيد كيانهم.
وإني لأهنئ المؤلف على ما قام به من مجهود نافع، وعناية بالتنظيم والاستدلال والتوثيق.
وأسأل الله تعالى له التوفيق والسداد، وأن يلهمه الثبات على على الحق والاستقامة عليه، وأن يحفظ قادة هذه البلاد، وولاة أمرها ويجزيهم خير الجزاء على ما قاموا به من دعم للدعاة، وتمكين للدعوة الإسلامية الصحيحة..
والله الموفق والهادي إلى سواء السبيل، وصلى الله وسلم على نبينا محمد.
كتبه
الوليد بن عبد الرحمن بن محمد آل فريان
الرياض ٧/ ٣/ ١٤٢٠هـ
1 / 10
المقدمة:
إن الحمد لله نحمده ونستعينه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحد لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله.
وبعد: فإن الدعوة إلى الله ﷿ من أفضل القربات، ومن أجل الطاعات، قال تعالى: ﴿مِمَّنْ دَعَا إِلَى اللَّهِ وَعَمِلَ صَالِحًا وَقَالَ إِنَّنِي مِنَ الْمُسْلِمِينَ﴾ ١، وقال تعالى: ﴿كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ﴾ ٢.
ويقول الرسول ﷺ لابن عمه علي بن أبي طالب ﵁ عندما بعثه إلى خيبر: "لأن يهدي الله بك رجلا واحدًا خير لك من حمر النعم" ٣.
وعن ثوبان -رضي الله تعالى عنه- قال: قال رسول الله ﷺ: "لا تزال طائفة من أمتي ظاهرين على الحق، لا يضرهم من خذلهم حتى يأتي أمر الله وهم كذلك" ٤.
_________
١ سورة فصلت: الآية ٣٣.
٢ سورة آل عمران: من الآية: ١١٠.
٣ رواه الإمام البخاري في الصحيح رقم "٣٧٠١"، ومسلم رقم "٢٤٠٦"، وأحمد في المسند "٥/ ٣٣٣" من حديث سهل بن سعد.
٤ رواه الإمام مسلم في صحيحه باب ٥٣ حديث ١٩٢٠، ورواه الترمذي "كتاب الفتن": "٢٢٢٩".
1 / 11
وعن أبي هريرة ﵁ أن رسول الله ﷺ قال: "من دعا إلى هدى كان له من الأجر مثل أجور من تبعه، لا ينقص ذلك من أجورهم شيئًا" ١.
بهذه النصوص القرآنية والأحاديث النبوية، وغيرها في فضل الدعوة إلى الله، ووجوبها وضرورة القيام بها، رأيت أن أضع كتابًا واضح المعالم يحوي على إرشادات، ومعالم في طريق الدعوة خاصًّا بأعمال الدعوة والدعاة عله أن يستنير به كل داعية، كما يكشف هذا الكتاب عن الوسائل والأساليب، والطرق السليمة للدعوة إلى الله. كما أرجو أن يكون لبنة من اللبنات الصالحة لبناء الدعوة ورفع صرحها عالية خفاقة، ويكون نبراسًا يضيء الطريق ويسهل المسير للسالكين، ويزيل العوائق والعقبات التي صارت حجر عثرة في طريق الدعاة جعلت بعضهم يقف، وبعضهم يتراجع، فصار لكل شيخ طريقته، ولكل جماعة منهج، ولكل أمة من الأمم أسلوب، ولا يزالون مختلفين إلا من رحم ربك، والطامة الكبرى أن بعضهم يقف حجر عثرة في طريق البعض الآخر. لكن ولله الحمد يوجد هنا، وهناك فئة مستمرة على الطريق الصحيح يسيرون بخطًا ثابتة، وحجة واضحة، جادون في المسير رغم العقبات، والصعوبات والعوائق، وهم أصحاب الهمة العالية الذين ينطبق عليهم قول الرسول ﷺ: "لا تزال طائفة" ٢. الحديث.
_________
١ رواه الإمام مسلم في صحيحه باب ١٦، حديث رقم "٢٢٧".
٢ الحديث ص "١١".
1 / 12
وفعلًا في وقتنا الحاضر ولله الحمد نرى ونسمع، رجالًا أفاضل: يدعون إلى الله، ويلاقون في دعوتهم ما لاقاه أسلافهم ممن سلك طريقهم، ونهج نهجهم في الماضي والحاضر ومع ذلك هم سائرون، فهي سنة الله، ولن تجد لسنة الله تبديلًا، ولن تجد لسنة الله تحويلا، والدعوة إلى الله هي طريق المرسلين، وقد لاقى الأنبياء في ذلك ما لاقوا من العنت، والصد والإباء والاستكبار، من لدن نوح عليه الصلة والسلام إلى نبينا محمد ﷺ ومن جاء بعدهم من الدعاة، والمصلحين قد حصل هلم ما حصل من الإيذاء، والكيد فكن أخي الداعية من هذا الصنف الذين لا خوف عليهم ولا هم يحزنون، وقد حاولت أن أسهل العبارة، وأختصر المقالة بقدر الاستطاعة حتى يسهل فهمه لكل قارئ، ويمكن استيعابه لكل سمع، وقد أسميته "دليل الداعية"، وقسمته إلى فصول تحت كل فصل ما يناسبه من الأبواب والموضوعات، ولا أقول: إنني أعطيت الموضوع حقه من البحث، لكني أدليت بدلوي مع الدلاء، وحاولت أن آتي بجديد، يجعل الداعية يحسن التعامل مع رئيسه والمسئولين عنه، ومع الزملاء في العمل ومع الحاكم والمحكوم، ومع الناس أجمعين، بأسلوب فيه سهولة ومرونة، ويسر وتعقل، خال من التعقيد المقيت، والمشادة والخلاف والنزاع الذي لا يأتي بخير، ولم أضع هذا الكتاب للمنتسبين للعمل في الدعوة والوعظ، والإرشاد فحسب، وإنما هو لجميع المسلمين العاملين لنصرة هذا الدين، أيا كان عملهم وحيثما كان موقعهم، فالمسلم يدعو إلى هذا الدين بقوله، وفعله بلسانه وسنانه، ينصر المظلوم ونشر العدل، هذا هو دأب المسلم الواثق من
1 / 13
وعد ربه، المتوكل عليه سبحانه، فإن الله ﷾ جعل الرزق والأجل محدودين لكل إنسان، حتى لا تشغل هموم الرزق والأجل، وخشية الموت مؤمنا عن طاعة الله، فالرزق مضمون والأجل محدود، ونحن مكلفون أن نمارس منهاج الله في واقعنا الجديد على نفس النهج، والسنة التي رسمها رسول الله ﷺ، وتبعه صحابته الأبرار وأئمة المسلمين، مرة أخرى أقول: هذا البحث عام، لا يخص المنتسبين لمكاتب الدعوة والوعظ فقط لكن مسئوليتهم أكبر، وعمل الدعوة مطلوب منهم أكثر من غيرهم؛ لأنهم قد فرغوا لذلك العمل، وأخذوا عليه أجرًا، يليهم في المسئولية العلماء والقضاة، وأئمة المساجد، والمسئولون عن التربية والتعليم: المعلم ومدير المدرسة وغيرهم من منسوبي وزارة المعارف "التربية والتعليم"، فمسئولية القيام بالدعوة ونشر هذا الدين وتعليمه، والصبر على الأذى فيه مسئولية الجميع، فلو أن كل واحد قام بما يجب عليه في محيطه، وفي مجتمعه وفي مكان عمله، وسكنه لم يبق جاهل بأمر دينه، فلنبدأ جميعًا: الإمام في مسجده، والعالم في مكانه، والقاضي في محكمته ومحيطه، والمدرس في مدرسته، وكذلك المتفرغون للدعوة وجميع منسوبي وزارات الشئون الإسلامية، فهي أهم مرفق ومديروها هم الذين يحركون الدعوة في الداخل والخارج. إن هؤلاء جميعا ليس لهم الخيار في أن يقوموا بهذا العمل أو يتركوه، فهو واجب على الجميع، أينما كانوا وحيثما حلوا، في أي زمان ومكان، وإن حصل التقاعس والسكون عن المنكرات حتى ظهرت واستشرى شرها وعم وطم ضررها، وركن الجميع إلى الدعة والراحة والسكون، فإن الله قد تكفل بتنحيتهم وتغييرهم بأفضل
1 / 14
منهم. قال تعالى: ﴿وَإِنْ تَتَوَلَّوْا يَسْتَبْدِلْ قَوْمًا غَيْرَكُمْ ثُمَّ لَا يَكُونُوا أَمْثَالَكُمْ﴾ ١ إذا عرف المسلم هذا فإن الداعية يهتم، ويشمر عن ساعده ويخوض غمار الدعوة، بل يغوص في أعماقها، إن الأمة الإسلامية قد ابتليت في العصر الحديث بتحديات كثيرة كادت أن تهدد هويتها، وظهرت هذه التحديات في صور شتى، فقد وجد من يدعو إلى التشكيك في القرآن الكريم، وصلاحية الشريعة الإسلامية ومبادئها للتطبيق، وسعى دعاة الهدم والإفساد إلى تشويه سيرة النبي ﷺ وأصحابه، ولم يقفوا عند هذا الحد بل سعوا أيضًا إلى إبعاد الحياة الاجتماعية عن القيم الإسلامية، فدعوا إلى ما سموه تحرير المرأة المسلمة عن طريق الدعوة إلى إلغاء الحجاب وغيره من المخالفات، والدعوات المنحرفة الكثيرة والكثيرة جدًّا، لذا فهي تحتاج إلى من يتصدى لها من أمثالكم أيها الدعاة المخلصون.
أسأل الله الكريم رب العرش العظيم أن يوفق الدعاة في مشارق الأرض، ومغاربها إلى القيام بما أوجب الله عليهم من نشر هذا الدين والدعوة إليه، وأن يجمع شمل الدعاة على الحق، وأن يوحد كلمتهم ويؤلف بين قلوبهم، وأن يجعلهم هداة مهتدين لا ضالين ولا مضلين، والله أعلم وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وآله وصحبه أجمعين.
ناجي بن دايل السلطان
_________
١ سورة محمد، من الآية: ٣٨.
1 / 15
الفصل الأول: صفات لا بد منها للداعية:
١- الإخلاص:
لا بد للداعية إلى الله أن يجعل الإخلاص، والتجرد نصب عينيه، في القول والعمل، في السر والعلانية، وأن يدعو إلى الله بالحكمة والموعظة الحسنة والمجادلة بالتي هي أحسن؛ لأنه صاحب رسالة وعليه مسئولية عظيمة قد شرفه الله بها، لذا ينبغي أن يكون هدفه إنقاذ البشرية، بهذا الدين الذي هو حياتها، قال تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اسْتَجِيبُوا لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُمْ لِمَا يُحْيِيكُمْ﴾ ١، وقوله تعالى: ﴿وَكَذَلِكَ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ رُوحًا مِنْ أَمْرِنَا مَا كُنْتَ تَدْرِي مَا الْكِتَابُ وَلَا الْإِيمَانُ وَلَكِنْ جَعَلْنَاهُ نُورًا نَهْدِي بِهِ مَنْ نَشَاءُ مِنْ عِبَادِنَا وَإِنَّكَ لَتَهْدِي إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ﴾ ٢.
فمهمتكم أيها الدعاة: هي مهمة الأنبياء والرسل، قال الله تعالى: ﴿قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللَّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنِ اتَّبَعَنِي وَسُبْحَانَ اللَّهِ وَمَا أَنَا مِنَ الْمُشْرِكِينَ﴾ ٣، فالعمل في الدعوة من أشرف الوظائف وأجل الأعمال، وأعظم المهمات، فاحمدوا الله على هذا الشرف العظيم، وأدوا الأمانة التي حملتموها، فأنتم على ثغر من ثغور الإسلام، فالله الله أن يؤتى الإسلام من قبلكم.
_________
١ سورة الأنفال، من الآية: ٢٤.
٢ سورة الشورى، الآية: ٥٢.
٣ سورة يوسف، الآية: ١٠٨.
1 / 17
والإخلاص الذي يريده الله ﷾، ويتوقف عليه قبول العمل هو إفراد الله سبحانه بالطاعة والعبادة، وقصده بها دون سواه، وتجريد النية وتصفيتها من جميع الشوائب، لا يقصد بذلك المدح والثناء، أو أي معنى آخر سوى التقرب بها إلى الله ﷾: ﴿قُلِ اللَّهَ أَعْبُدُ مُخْلِصًا لَهُ دِينِي﴾ ١.
والإخلاص مصدره نية القلب، والنية هي معيار الأعمال ومقياسها العادل، فالطاعات تتفاوت بتفاوت النية: "إنما الأعمال بالنيات، وإنما لكل امرئ ما نوى" ٢.
وقبول العمل عند الله ﷿ يكون بشرطين أساسيين:
أ- الإخلاص لله وحده.
ب- المتابعة للرسول ﷺ.
فالداعية يجب عليه أن يبتغي بدعوته للأفراد والجماعات، وجه الله ﷾. كما يجب على الداعية أن يبتعد عن الرياء والسمعة، وأن يخلص العمل لله وحده، ولا يقصد من دعوته تكوين جماعة أو حزب، فإذا أخلص الداعية عمله لله، ورزق المدعو الاستقامة، فإن الله تعالى يكتب للداعية مثل أجر المدعو، ولا ينقص من أجره شيئًا. ففي الحديث: "من دعا إلى هدى كان له من الأجر مثل أجور من تبعه غير أنه لا ينقص من أجورهم شيئًا". الحديث٣.
فأخلص أخي الداعية العمل لله. قال تعالى: ﴿فَمَنْ كَانَ يَرْجُو لِقَاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلًا صَالِحًا وَلَا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَدًا﴾ ٤، وعن أبي هريرة ﵁
_________
١ سورة الزمر، الآية: ١٤.
٢ رواه مسلم، كتاب الإمارة: "١٩٠٧"، ورواه البخاري، كتاب الوحي: رقم "١".
٣ رواه مسلم في صحيحه من حديث أبي هريرة ﵁، والنووي على مسلم: "١٦/ ٢٢٧".
٤ سورة الكهف، من الآية: ١١٠.
1 / 18
قال: قال رسول الله ﷺ قال الله ﵎: "أنا أغنى الشركاء عن الشرك من عمل عملًا أشرك فيه معي غيري تركته وشركه" ١.
فلا بد للداعية أن يجعل الإخلاص نصب عينيه أثناء قيامه بمهام الدعوة، وفي جميع أعماله، ومنها النصيحة فإنها طاعة وعبادة، والعبادة لا تقبل إلا إذا نوى بها وجه الله والدار الآخرة، فعملك معروض على الله لا تخفى منه خافية، فأتقن العمل فإن الله يحب من أحدكم إذا عمل عملًا أن يتقنه، ثم ثق ثقة تامة أن الله سوف يجازيك على عملك، فإن الأجير يأخذ أجره، إذا أتقن عمله وأنهاه بشرط أن يكون على المواصفات والشروط المطلوبة، فإن أخل العامل بشرط لم يستحق الأجر، فتنبه أخي الداعية، واجعل الإخلاص شعارك فإنه سبيلك إلى النجاح في الدنيا والآخرة، وأختم هذه الموضوع بقصة تبين أن قوة الداعية وتأثيره يمكنان في إخلاصه؛ لأنه يكون عندئذ موصولًا بالله القوي العزيز.
كان عابد من العباد في الأمم السابقة، يعبد الله دهرًا طويلًا، فجاءه قوم فقلوا: إن ههنا قومًا يعبدون شجرة من دون الله تعالى، فغضب لذلك وأخذ فأسه على عاتقه، وقصد الشجرة ليقطعها، فاستقبله إبليس في صورة شيخ، فقال:
أين تريد ... رحمك الله؟
قال: أريد أن أقطع هذه الشجرة.
قال: وما أنت وذاك؟ تركت عبادتك، واشتغالك بنفسك وتفرغت لغير ذلك.
_________
١ صحيح الإمام مسلم: الزهد "٥٥/ ٥٣٠٠".
1 / 19
قال: إن هذا من عبادتي.
قال: فإني لا أتركك أن تقطعها.
فقاتله، وما هي إلا لحظات، حتى طرحه العابد على الأرض، وقعد على صدره.
فقال إبليس: أطلقني حتى أكلمك، فقام عنه فقال إبليس: يا هذا ... إن الله تعالى قد أسقط عنك هذا، ولم يفرضه عليك، وأنت لا تعبدها، وما عليك من غيرك؟ ولله أنبياء في أقاليم الأرض، ولو شاء لبعثهم إلى أهلها وأمرهم بقطعها.
فقال العابد: لا بد لي من قطعها. ونابذه القتال، وتصارعا، فغلبه العابد ثانية وصرعه وقعد على صدره، فلما رأى إبليس عجزه وضعفه سلك طريق الاحتيال، وعلم أن هذا الرجل ما دام مخلصًا لله فلن تكون قوة في الأرض تغلبه، أو تثنيه عن عمله ... وبالفعل ... فقد لجأ إلى أن يغيير العابد نيته، وأن يريد غير الله وثوابه.. فقال له:
هل لك في أمر فصل بين وبينك؟ وهو خير لك وأنفع؟
قال العابد: وما هو؟
قال إبليس: أطلقني حتى أقول لك، فأطلقه.
فقال إبليس: أنت رجل فقير لا شيء لك.. إنما أنت كل على الناس يعولونك، ولعلك تحب أن تتفضل على إخوانك وتواسي جيرانك، وتشبع وتستغني عن الناس؟
قال: نعم.
قال: فارجع عن هذا الأمر، ولك علي أن أجعل لك في كل ليلة
1 / 20
دينارين تجدهما عند رأسك، إذا أصبحت أخذتهما، فأنفقت على نفسك وعيالك، وتصدقت على إخوانك، فيكون ذلك أنفع لك وللمسلمين من قطع هذه الشجرة التي يغرس مكانها، ولا يغير عبادها قطعها شيئًا، ولا ينفع إخوانك المؤمنين قطعك إياها.
فتفكر العابد قليلًا فيما قال ... ثم قال:
صدق الشيخ، وتعاهدا وحلف إبليس على الوفاء، ورجع العابد إلى صومعته، فبات فلما أصبح رأي دينارين عند رأسه، فأخذهما وكذلك في الغد مثل ذلك، ثم أصبح في اليوم الثالث وما بعده ولم يجد شيئًا، فغضب وأخذ فأسه على عاتقه ومضى إلى الشجرة يريد قطعها، فاستقبله إبليس في صورة شيخ، فقال له: إلى أين؟
قال: أقطع تلك الشجرة.
فقال كذبت؟ والله ما أنت بقادر على ذلك ولا سبيل لك إليها. فتناوله العابد ليفعل به كما فعل أول مرة، فقال: وما هي إلا لحظات حتى أخذه إبليس وصرعه، فإذا هو كالعصفور بين رجليه وقعد إبليس على صدره، وقال:
لتنتهين عن هذا الأمر أو لأذبحنك. فنظر العابد، فإذا لا طاقة له به.
فقال: يا هذا. غلبتني فخل عني.. وأخبرني كيف غلبتك أولا وغلبتني الآن؟
فقال: لأنك غضبت أول مرة لله، وكانت نيتك الآخرة فغلبتني بقوة الله، وهذه المرة غضبت لنفسك وللدينار.. فصرعتك١.
_________
١ إحياء علوم الدين: "٥/ ٣٧٧".
1 / 21
فالعمل من غير إخلاص يضعف العزيمة، ويبطل العمل الصالح كما في الحديث عن أبي هريرة ﵁ قال: حدثني رسول الله ﷺ: "أن الله ﵎ إذا كان يوم القيامة ينزل إلى العباد ليقضي بينهم، وكل أمة جاثية فأول من يدعو به رجل جمع القرآن، ورجل يقتتل في سبيل الله ورجل كثير المال، فيقول الله للقارئ: ألم أعلمك ما أنزلت على رسولي؟ قال: بلى يا رب، قال: فإذا عملت فيما علمت؟ قال: كنت أقوم به آناء الليل وآناء النهار، فيقول الله له: كذبت، وتقول له الملائكة: كذبت: ويقول الله: بل أردت أن يقال: إن فلانا قارئ فقد قيل ذاك، ويؤتى بصاحب المال، فيقول الله له: ألم أوسع عليك؟ حتى لم أدعك تحتاج إلى أحد، قال: بلى يا رب قال: فماذا عملت فيما آتيتك قال: كنت أصل الرحم وأتصدق، فيقول الله له: كذبت وتقول الملائكة: كذبت، ويقول الله تعالى: بل أردت أن يقال: فلان جواد فقد قيل ذاك. ويؤتى بالذي قتل في سبيل الله فيقول الله له: في ماذا قتلت؟ فيقول: أمرت بالجهاد في سبيلك فقاتلت حتى قتلت، فيقول الله تعالى له: كذبت، وتقول له الملائكة: كذبت، ويقول الله: بل أردت أن يقال: فلان جريء فقد قيل ذاك، ثم قال رسول الله ﷺ: يا أبا هريرة أولئك الثلاثة أول خلق الله تسعر بهم النار يوم القيامة" ١. فقال معاوية ﵁ وقد فعل بهؤلاء هذا فكيف بمن بقي من الناس، ثم بكى بكاءً شديدًا ثم قال: صدق الله ورسوله: ﴿مَنْ كَانَ يُرِيدُ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا وَزِينَتَهَا نُوَفِّ إِلَيْهِمْ أَعْمَالَهُمْ فِيهَا وَهُمْ فِيهَا لا يُبْخَسُونَ، أُولَئِكَ الَّذِينَ لَيْسَ لَهُمْ فِي الآخِرَةِ إِلاَّ النَّارُ وَحَبِطَ مَا صَنَعُوا فِيهَا وَبَاطِلٌ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ﴾ [هود: ١٥، ١٦] .
_________
١ سنن الترمذي، كتاب الزهد تحقيق أحمد شاكر: "٢٣٨٢"، وعند مسلم كتاب الإمارة رقم "١٩٠٥".
1 / 22
٢- المعاملة الحسنة:
من آداب النصحية اجتناب التشهير، بذكر أسماء من تنصحهم أو تعظهم، أو تدعوهم إلى الخير، ولا سيما إذا كانت الموعظة، أو النصحية من فوق المنبر، أو في الصحافة، أو الإذاعة، أو في الأندية الرياضية أو الثقافية، أو في الأشرطة أو النشرات؛ لأن ذكر الأسماء سيؤدي إلى التشويش والفوضى، وسيولد العناد في نفس المدعو، ويقطع عليه طريق الاستجابة ويسبب إثارة الأحقاد، والضغائن والبلبلة، والإنشغال بأمور لا فائة منها، إذًا لا داعي لذكر الأسماء كما هو واضح في منهج النبي ﷺ في الدعوة فقد كان يقول: "ما بال أقوام" ١. ومن حسن المعاملة أن يكون الداعية رفيقًا حكيمًا "وبمعنى آخر فإن الحكمة إتقان العلم، وإجزاء الفعل على وفق ذلك العلم، ومن شاء الله إتياءه هذه الحكمة -أي خلقه مستعدًّا لذلك قابلًا له، من سلامة التفكير واعتدال القوى، والطبائع- يكون قابلا لفهم الحقائق منقادًا إلى الحق إذا لاح له، لا يصده عن ذلك هوى ولا عصبية، ولا مكابرة ولا أنفة"٢.
ومن المعاملة الحسنة النصيحة بالتي هي أحسن، وتكون بينك وبينه٣ وإلا صارت فضيحة. يقول الحافظ ابن القيم رحمه الله تعالى: "والنصيحة إحسان إلى من تنصحه بصورة الرحمة، والشفقة عليه والغيرة
_________
١ "ما بال أقوام يشترطون" رواه الإمام البخاري رقم: "٤٥٦" وعن عائشة ﵂ قال: خطب النبي ﷺ فحمد الله ثم قال: "ما بال أقوام يتنزهون عن الشيء أصنعه" الحديث ... رواه الإمام البخاري: "٦١٠١" وغيره كثير.
٢ عن كتاب مفهوم الحكمة في الدعوة للدكتور: صالح بن حميد.
٣ أي بينك وبين المنصوح سرًّا.
1 / 23
له وعليه، فهو إحسان محض يصدر عن رحمة ورقة، مراد الناصح بها وجه الله ورضاه والإحسان إلى خلقه ... " انتهى كلامه ﵀.
ولا يكاد يفرق بين النصيحة والتعبير إلا النية والأسلوب، وقد نهى النبي ﷺ عن التثريب، والتعنيف حتى في حالة الخطأ فعن أبي هريرة ﵁ أنه سمع النبي ﷺ يقول: "إذا زنت الأمة فتبين زناها فليجلدها، ولا يثرب ثم إذا زنت فليجلدها، ولا يثرب ثم إن زنت الثالثة، فليبعها ولم بحبل من شعر" ١.
يقول الفضيل: "المؤمن يستر وينصح، والفاجر يهتك ويعير" وقد قيل: "من أمر أخاه على رؤوس الملأ فقد عيره"، وشتات من قصده النصحية ومن قصده الفضيحة، وعن المعاملة الحسنة يروي معاوية بن الحكم السلمي ﵁ قال: صليت مع رسول الله ﷺ فعطس رجل من القوم فقلت: يرحمك الله. فرماني القوم بأبصارهم فقلت: واثكل أماه، ما شأنكم تنظرون؟ فجعلوا يضربون بأيديهم على أفخاذهم، فعرفت أنهم يصمتونني، فلما رأيتهم يسكتونني سكت. قال: فلما صلى رسول الله ﷺ بأبي هو وأمي ما ضربني ولا سبني. وفي رواية ما رأيت معلمًا قط أرفق من رسول الله ﷺ حيث قال: "إن هذه الصلاة لا يحل فيها شيء من كلام الناس، إنما هو التسبيح، والتكبير وقراءة القرآن" ٢.
وعن أنس ابن مالك ﵁ قال: كنت أمشي مع رسول الله ﷺ
_________
١ صحيح الإمام البخاري، كتاب البيوع: "١٨/ ٢٠٠٨".
٢ من حديث طويل عن معاوية بن الحكم، رواه الإمام مسلم في صحيحه، وفي سنن أبي داود، الصلاة: "٢/ ٧٩٥".
1 / 24
وعليه برد نجراني غليظ الحاشية، فأدركه أعرابي فجبذه جبذة حتى رأيت صفح، أو صفحة عنق رسول الله ﷺ قد أثرت بها حاشية البرد من شدة جبذته فقال: "يا محمد أعطني من مال الله الذي عندك، فالتفت إليه فضحك، ثم أمر له بعطاء"١.
وفي الحديث عن عائشة ﵂ قالت: استأذن رهط من اليهود على النبي ﷺ فقالوا: السام عليك، فقلت: بل عليكم السام واللعنة، فقال يا عائشة: "إن الله رفيق يحب الرفق في الأمر كله" قلت: أولم تسمع ما قالوا: قال: "قلت وعليكم" ٢ وفي رواية لمسلم: "إن الرفق لا يكون في شيء إلا زانه، ولا نزع من شيء إلا شانه". وقال ﷺ: "يا عائشة إن الله رفيق يحب الرفق، ويعطي على الرفق ما لا يعطي على العنف، وما لا يعطي على ما سواه" ٣، وقصة الأعرابي الذي بال في المسجد مشهورة معروفة ظهر فيها الرفق، وحسن المعاملة من رسول الله ﷺ. وقد جاء أحد رجال الدعوة إلى جزار -وهو الذي يبيع اللحم- وقال له: صل يا حمار، فرد عليه الجزار: الحمار لا يصلي، وأخذ الساطورة يريد ضربه بها، لكنه هرب. وتأسف على عمله، وعرف أنه مخطئ، فتنكر وغير ثيابه، وأتى إليه مرة أخرى، وقال: السلام عليكم فرد ﵇ -وهو يفور غضبًا ويتميز غيظًا- فقال الداعية: هداك الله أما سمعت الأذان؟ هيا نصلي. فرد عليه بعد أن هدأت أعصابه قائلًا:
_________
١ رواه الإمام أحمد، ترقيم إحياء التراث: "١٢١٣٩"، ورواه البخاري، كتاب فرض الخمس: "٣١٤٩".
٢ صحيح الإمام البخاري كتاب استتابة المرتدين: "٦٤١٥".
٣ صحيح الإمام مسلم، كتاب البر والصلة والآداب: رقم "٤٦٩٧".
1 / 25