أما استدلاله بقوله تعالى: ﴿وَلَوْ أَنَّهُمْ إِذْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ جَاءُوكَ﴾ [النساء: ٦٤] الآية، فالكلام فيها في مقامين:
أحدهما: عدم دلالتها على مطلوبه.
الثانية: بيان دلالتها على نقيضه. وإنما يتبين الأمران بفهم الآية، وما أريد بها، وسيقت به، وما فهمه منها أعلم الأمة بالقرآن ومعانية، وهم سلف الأمة، ومن سلك سبيلهم.
ولم يفهم منها أحد من السلف والخلف إلا المجيء إليه في حياته ليستغفر لهم، وقد ذم تعالى من تخلف عن هذا المجيء، إذ ظلم نفسه، وأخبر أنه من المنافقين، فقال تعالى: ﴿وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ تَعَالَوْا يَسْتَغْفِرْ لَكُمْ رَسُولُ اللَّهِ لَوَّوْا رُؤُوسَهُمْ وَرَأَيْتَهُمْ يَصُدُّونَ وَهُمْ مُسْتَكْبِرُونَ﴾ [المنافقون:٥] .
وكذلك هذه الآية إنما هي في المنافق الذي رضي بحكم كعب بن الأشرف وغيره من الطواغيت، دون حكم رسول الله ﷺ، فظلم نفسه بهذا أعظم ظلم، حيث لم يجيء إلى رسول الله ﷺ يستغفر له، فإن المجيء إليه يستغفر له توبة وتنصل من الذنوب، وهذه كانت عادة الصحابة معه ﷺ أن أحدهم متى صدر منه ما يقتضي التوبة، جاء إليه فقال: يا رسول الله إني فعلت كذا وكذا فاستغفر لي، وهذا كان فرقًا بينهم وبين المنافقين.