477
أحدها: أن ابن لهيعة خرج له البخاري ومسلم فجاوز القنطرة، ولا يقدح فيما رواه ابن لهيعة إلا جاهل بالصناعة والاصطلاح، وهو قاضي مصر وعالمها ومسندها، روى عن عطاء بن أبي رباح، والأعرج، وعكرمة، وخلف، وعنه شعبة بن الحجاج أمير المؤمنين في الحديث، وعمرو بن الحارث، والليث بن سعد، وابن وهب، وخلق.
ومن طعن في ابن لهيعة بقول بعض الناس لزمه الطعن في كثير من الأكابر المحدثين كسعيد المقبري، وسعيد بن إياس الجريري، وسعيد بن [أبي] عروبة، وإسماعيل بن أبان، وأزهر بن سعد السمان البصري، وأحمد بن صالح المصري، وأبي اليمان، وأمثالهم ممن خرج لهم البخاري وغيره من الأئمة.
وعلى كل حال فهو خير من هؤلاء الذين أجازوا الاستغاثة برسول الله ﷺ، وأعلم بكتاب الله، وسنة رسوله منهم، وبأقوال أهل العلم١.

١ هذا ما جنح إليه الشيخ المؤلف رحمه الله تعالى هنا في حديث ابن لهيعة، وقد ذكر مستنده على ذلك. أما قوله: (إنه جاوز القنطرة لرواية الشيخين عنه) فغير مسلم، لأن مسلمًا إنما أخرج له مقرونًا بغيره، وهو "عمرو بن الحارث". وقد تقرر أن المخرج لهم في الشواهد والمتابعات –دون الأصول- لا يكون ذلك توثيقًا لهم، بل لنكتة خفية أو ظاهرةً أخرج لهم في الصحيح. هذا فيما يتعلق بإخراج مسلم لابن لهيعة في "الصحيح" أما البخاري فقد أخرج في كتاب الفتن من صحيحه: عن المقري عن حيوة و"غيره" عن أبي الأسود قال: "قطع على أهل المدينة بعث ... " الحديث، عن عكرمة عن ابن عباس. وروى هذا الحديث بصورة هذا السند في "الاعتصام" و"تفسير سورة النساء" وفي آخر "الطلاق" ولا يسمى قرين حيوة. قال ابن حجر: وهو ابن لهيعة لا شك فيه اهـ. ومثل هذا لا يعتبر تقوية للرجل، بل توثيقع ومجاوزته القنطرة، ولعل البخاري وقع في سماعه هذا السند بهذه الصورة، فأثبتها، ولم يجرأ على تسميته تنزيهًا لصحيحه، فقال: عن حيوة وغيره. والعلم عند الله.
وأما قول الشيخ المؤلف ﵀: "ولا يقدح فيما رواه ابن لهيعة إلا جاهل بالصناعة والاصطلاح" لا يعني به القدح في العلماء المتقدمين -كما توهمه بعضهم! - بدليل أنه أشار إلى اختلاف الناس فيه، كما في آخر هذا الوجه، وفي أول الوجه الثالث. وإنما يعني به -في نظره- من لم يحسن تنزيل قواعد الجرح والتعديل على أقوال العلماء المتقدمين، ولا شك أن كلام الشيخ هنا خلاف الصواب في هذه المسألة، بيد أنه ليس أول قائل بتوثيق ابن لهيعة مطلقًا، فقد سبقه من المتقدمين والمتأخرين جماعة، وكلام الشيخ المؤلف على حديث ابن لهيعة في "الوجه الثالث" أقرب للصواب، من رأيه هنا.
والذي يترجح في حال حديث ابن لهيعة أنه حسن في الشواهد والمتابعات.

1 / 476