/3/ (¬1) الجزء الثاني من كتاب الضياء
فيما يجوز من صفات الله تعالى وما لا يجوز
تأليف الشيخ العالم العلامة
سلمة بن مسلم العوتبي الصحاري
رحمه الله وغفر له
Page 5
ويتلوه الجزء الثالث في شيء من الأصول، والواجب على من أراد التفقه أن يعرف (¬1) أصول الفقه. وفي الولاية والبراءة والفرق (¬2) .
/1/ [أبواب الكتاب]
1- باب فيما يجوز من الصفات حقيقة ومجازا.
2- باب ما لا يجوز من الصفات.
3- باب في القول في آيات.
4- باب في نفي الرؤية.
5- باب في قول «لا إله إلا الله».
6- باب في القضاء والقدر.
7- باب في الرزق وطلب المعيشة.
8- باب في القرآن.
9- باب في أحكام القرآن.
10- باب في المحكم والمتشابه.
11- باب في الأوامر والمناهي.
12- باب في الأخبار عن النبي j.
13- باب في شيء من الأخبار.
14- باب ما لا يسع جهله.
15- باب ما يسع جهله.
تمت الأبواب (¬3) .
/4/ بسم الله الرحمن الرحيم
باب ما يجوز من الصفات حقيقة ومجازا
جائز أن يقال: لم يزل الله سميعا، وهي صفة ذات. وجائز: لم يزل بصيرا، وهي صفة ذات، والمعنى: بأنه عالم؛ لأن العالم بالشيء بصير به، وقد يكون معنى ذلك أن المبصرات إذا وجدت كان مبصرا لها. كما عنينا بوصفنا له بأنه لم يزل سميعا أن المسموعات إذا كانت كان سامعا لها.
Page 6
والوصف له تعالى بأنه راء (¬1) قد يتصرف على وجهين:
- فأحدهما أن يوصف بذلك ويعنى به أنه عالم؛ فعلى هذا المعنى جائز أن يقال: لم يزل رائيا على معنى لم يزل عالما، إذا كانت الرؤية في اللغة علما.
- والوجه الآخر أن يعنى به أنه مبصر للمبصرات؛ فلا يجوز من هذا الوجه أن يقال: إنه لم يزل رائيا، كما لم يجز أن يقال: لم يزل مبصرا؛ لأن المرئي المدرك لا يكون مرئيا إلا وهو موجود.
وجائز أن يوصف بأنه لم يزل قاهرا، ولم يزل قاهر الأشياء قبل أن يخلقها؛ لأنه لم يزل مقتدرا عليها، فاقتداره على ما لم يوجد هو قهره لذلك.
وجائز أن يوصف بأنه لم يزل باقيا، ومعنى باق أنه كائن بغير حدوث، وكل كائن بغير حدوث فواجب أن يوصف بأنه باق. فلما كان الله تعالى لم يزل موجودا بغير موجد (¬2) وجب أنه لم يزل باقيا.
وجائز: لم يزل فردا منفردا.
وجائز أن يوصف بأنه قريب من الخلق، والوصف له تعالى بذلك (¬3) على جهة التوسع، والمراد أنه عالم بنا وبأعمالنا، وأنه سامع لقول الخلق، وراء لأعمالهم، وأنه لا ستر بينه وبينهم، ولا حجاب ولا مسافة. فلما كان على ذلك قيل في سعة اللغة: إنه قريب منا، إذ كان لا يشاهد أعمالنا أحد من المخلوقين إلا من كان منا قريبا.
* مسألة [تقرب العباد إلى الله مجاز أم حقيقة؟]:
فإن قال قائل: خبروني عن تقرب العباد إلى الله تعالى بالطاعات أهو عندكم مجاز أو حقيقة؟ قيل له: بل هو مجاز وتوسع، ومعناه: طلب المحبة والكرامة منه؛ وإنما قيل لذلك تقرب لأنا في الشاهد إذا /5/ أحببنا شيئا قربناه منا، وإذا بغضناه بعدناه منا؛ فلهذا قيل لذلك: تقرب إلى الله عز وجل على المجاز.
Page 7
* مسألة [وصف الله تعالى بالقوة والقدرة والمعرفة والدراية والوجدان والشهود والاطلاع والغنى]:
وجائز أن يقال: إنه تعالى قوي على الحقيقة، كما يقال: إنه قادر على الحقيقة. وجائز القول بأنه عارف بالأشياء، كما يقال: إنه عالم بها؛ لأن العلم هو المعرفة، والعالم بالشيء في الشاهد (¬1) هو العارف به.
وجائز أن يقال: يدري الأشياء، كما يقال: إنه يعلمها، وإن كان استعمال هذه اللفظة في صفاته قليلا؛ لأن الوصف للعالم في الشاهد بأنه يدري الأشياء بمعنى الوصف له أنه يعلمها ويعرفها؛ فلما كان الله تعالى عالما بالأشياء صح أنه يدري بها، وقد جاز ذلك في صفاته جل وعز عند أهل اللغة؛ وقال بعض الشعراء:
لا هم لا أدري وأنت الداري (¬2)
يريد: لا أعلم أنت العالم.
وجائز أن يوصف بأنه يجد الأشياء؛ لأن العلم وجدان في اللغة، والعالم بالشيء في اللغة واجد له، فلما كان الله تعالى بالأشياء عالما كان لها قادرا.
Page 8
وقد يوصف تعالى بأنه شاهد كل نجوى، ومعنى ذلك أنه راء لها وسامع، فقيل له من معنى الرؤية والسمع (¬1) : إنه شاهد، على التوسع؛ لأن المشاهد منا الشيء هو الذي يراه أو يسمعه دون الغائب منا.
ويوصف بأنه تعالى مطلع على العباد وعلى أعمالهم توسعا، ويراد أنه عالم بهم وبأعمالهم، وإنما قيل له مطلع على المجاز؛ لأن المطلع منا على الشيء من فوقه يكون أعلم به، وأولى بأن لا يخفى عليه شيء منه؛ فلما كان الله تعالى بالأشياء كلها عالما لا يخفى عليه شيء منها قيل: إنه مطلع عليها مجازا.
ويوصف بأنه لم يزل غنيا عن الأشياء، ومعنى ذلك أنه لا تصل إليه المنافع ولا المضار، ولا تجوز عليه اللذات والسرور والآلام والغموم، ولا يحتاج إلى غيره يستعين به في أفعاله وتدبيره. بل هو بنفسه عليها قادر، وبها عالم، فوجب له أن يوصف بأنه لم يزل غنيا بنفسه عن سائر الأشياء.
ويوصف بأنه تعالى يغضب ويسخط، ومعنى هذا الوصف له هو غير معنى الوصف لنا بهذا الفعل في الشاهد؛ لأن (¬2) غضبنا وسخطنا يحلان فينا، وغضب الله وسخطه لا يحلان فيه.
/6/* مسألة [لم جاز وصف الله تعالى بالغضب والسخط؟ وما معناهما؟]:
فإن قال (¬3) قائل: فإذا لم يجز عندكم أن يحل فيه الغضب والسخط فلم وصفتموه به وأجريتموه عليه؟ قيل له: جاز أن نصفه بذلك بأن يفعله من غير أن يحل فيه، كما جاز أن نصفه بالكلام وبالأمر والنهي بأن يفعل ذلك من غير أن يحل فيه.
Page 9