البحر : بسيط تام

قلدت جيد المعالى حلية الغزل ~

يأبى لى الغى لا يميل به

عن شرعة المجد سحر الأعين النجل

أهيم بالبيض في الأغماد باسمة

عن غرة النصر ، لا بالبيض في الكلل

وقلت في الجد ما أغنى عن الهزل

في لذة الصحو ما يغنى عن الثمل

كم بين منتدب يدعو لمكرمة

وبين معتكف يبكي على طلل

لولا التفاوت بين الخلق ما ظهرت

لم يخط فيها امرؤ إلا على زلل

فانهض إلى صهوات المجد معتليا

فالباز لم يأو إلا عالي القلل

ودع من الأمر أدناه لأبعده

في لجة البحر ما يغنى عن الوشل

قد يظفر الفاتك الألوى بحاجته

ويقعد العجز بالهيابة الوكل

وكن على حذر تسلم ، فرب فتى

ألقى به الأمن بين اليأس والوجل

Page 1

ولا يغرنك بشر من أخى ملق

فرونق الآل لا يشفى من الغلل

لو يعلم ما في الناس من دخن

لبات من ود ذي القربى على دخل

~ فالكحل أشبه في العينين بالكحل

واخش النميمة ، واعلم أن قائلها

يصليك من حرها نارا بلا شعل

كم فرية صدعت أركان مملكة

ومزقت شمل ود غير منفصل

فاقبل وصاتي ، ولا تصرفك لاغية

عنى ؛ فما كل رام من بنى ثعل

إني امرؤ كفنى حلمي ، وأدبني

كر الجديدين من ماض ومقتبل

فما سريت قناع الحلم عن سفه

ولا مسحت جبين العز من خجل

حلبت أشطر هذا الدهر تجربة

وذقت مافيه من صاب ، ومن عسل

فما وجدت على الأيام باقية

أشهى إلى النفس من حرية العمل

Page 2

لكننا غرض للشر في زمن

أهل العقول به في طاعة الخمل

قامت به من رجال السوء طائفة

أدهى على النفس من بؤس على ثكل

من كل وغد يكاد الدست يدفعه

بغضا ، ويلفظه الديوان من ملل

ذلت بهم مصر بعد العز ، واضطربت

قواعد الملك ، حتى ظل في خلل

وأصبحت دولة ( الفسطاط ) خاضعة

بعد الإباء ، وكانت زهرة الدول

قوم إذا أبصروني مقبلا وجموا

غيظا ، وأكبادهم تنقد من دغل

~ فالشمس وهي ضياء آفة المقل

نزهت نفسي عما يدنيون به

ونخلة الروض تأبى شيمة الجعل

بئس العشير ، وبئست مصر من بلد

أضحت مناخا لأهل الزور والخطل

أرض تأثل فيها الظلم ، وانقذفت

صواعق الغدر بين السهل والجبل

Page 3

وأصبح الناس في عمياء مظلمة ~

لم أدر ما حل بالأبطال من خور

بعد المراس ، وبالأسياف من فلل

أصوحت شجرات المجد ، أم نضبت

غدر الحمية حتى ليس من رجل ؟

لا يدفعون يداعنهم ، ولو بلغت

مس العفافة من جبن ، ومن خزل

خافوا المنية ، فاحتالوا ، وما علموا

أن المنية لا ترتد بالحيل

ففيم يتهم الإنسان خالقه

وكل نفس لها قيد من الأجل ؟

هيهات يلقى الفتى أمنا يلد به

ما لم يخض نحوه بحرا من الوهل

فما لكم لا تعاف الضيم أنفسكم

ولا تزول غواشيكم من الكسل ؟

وتلك مصر التي أفنى الجلاد بها

لفيف أسلافكم في الأعصر الأول

قوم أقروا عماد الحق وامتلكوا

أزمة الخلق من حاف ومنتعل

Page 4

جنوا ثمار العلا بالبيض ، واقتطفوا

من بين شوك العوالي زهرة الأمل

فأصبحت مصر تزهو بعد كدرتها

في يانع من أساكيب الندى خضل

لم تنبت الأرض إلا بعدما اختمرت

أقطارها بدم الأعناق والقلل

شنوا بها غارة ألقت بروعتها

أمنا يولف بين الذئب والحمل

حتى إذا أصبحت في معقل أشب

يرد عنها يد العادي من الملل

أخنى الزمان على فرسانها ، فغدت

من بعد منعتها مطروقة السبل

فأي عار جلبتم بالخمول على

ما شاده السيف من فخر على زحل

إن لم يكن للفتى عقل يعيش به

فإنما هو معدود من الهمل

فبادروا الأمر قبل الفوت ، وانتزعوا

شكالة الريث ، فالدنيا مع العجل

وقلدوا أمركم شهما أخا ثقة

يكون رداء لكم في الحادث الجلل

Page 5

ماضي البصيرة ، غلاب ، إذا اشتبهت

مسالك الرأي صاد الباز بالحجل

إن قال بر ، وإن ناداه منتصر

لبى ، وإن هم لم يرجع بلا نفل

يجلو البديهة باللفظ الوجيز إذا

عز الخطاب ، وطاشت أسهم الجدل

ولا تلجوا إذا ما الرأي لاح لكم

إن اللجاجة مدعاة إلى الفشل

قد يدرك المرء بالتدبير ما عجزت

عنه الكماة ، ولم يحمل على بطل

هيهات ، ما النصر في حد الأسنة ، بل

بقوة الرأي تمضي شوكة الأسل

وطالبوا بحقوق أصبحت غرضا

لكل منتزع سهما ، ومختتل

ولا تخافوا نكالا فيه منشوكم

فالحوت في اليم لا يخشى من البلل

عيش الفتى في فناء الذل منقصة

والموت في العز فخر السادة النبل

لا تتركوا الجد أو يبدو اليقين لكم

فالجد مفتاح باب المطلب العضل

Page 6

طورا عراكا ، وأحيانا مياسرة

رياضة المهر بين العنف والمهل

حتى تعود سماء الأمن ضاحية

ويرفل العدل في ضاف من الحلل

هذي نصيحة من لا يبتغي بدلا

بكم ، وهل بعد قوم المرء من بدل ؟

أسهرت جفني لكم في نظم قافية

ما إن لها في قديم الشعر من مثل

كالبرق في عجل ، والرعد في زجل

والغيث في هلل ، والسيل في همل

غراء ، تعلقها الأسماع من طرب

وتستطير بها الألباب من جذل

حولية ، صاغها فكر أقر له

بالمعجزات قبيل الإنس والخبل

تلوح أبياتها شطرين في نسق

كالمرفية قد سلت من الخلل

إن أخلقت جدة الأشعار أثلها

لفظ أصيل ، ومعنى غير منتحل

تفنى النفوس ، وتبقى وهي ناضرة

على الدهور بقاء السبعة الطول

Page 7

البحر : طويل

طربت ، ولولا الحلم أدركني الجهل

وعاودني ما كان من شرتي قبل

فرحت ، كأني خامرتني سبيئة

من الراح ، من يعلق بها الدهر لا يسلو

سليلة كرم ، شاب في المهد رأسها

ودب لها نسل ، وما مسها بعل

إذا ولجت بيت الضمير ، رأيتها

وراء بنات الصدر ، تسفل ، أو تعلو

كأن لها ضغنا على العقل كامنا

فإن هي حلت منزلا رحل العقل

تعبر عن سر الضمير بألسن

من السكر مقرون بصحتها النقل

محببة للنفس ، وهي بلاؤها

كما حببت في فتكها الأعين النجل

يكاد يذود الليث عن مستقره

إذا ما تحسى كأسها العاجز الوغل

ترى لخوابيها أزيزا ، كأنها

خلايا تغنت في جوانبها النحل

سواكن آطام ، زفتها مع الضحى

يدا عاسل يشتار ، أو خابط يفلو

Page 8

دنا ، ثم ألقى النار بين بيوتها

فطارت شعاعا ، لا يقر لها رحل

مروعة ، هيجت ، فضلت سبيلها

فسارت على الدنيا ، كما انتشر الرجل

فبت أداري القلب بعض شجونه

وأزجر نفسي أن يلم بها الهزل

وما كنت أدري - والشباب مطية

إلى الجهل - أن العشق يعقبه الخبل

رمى الله هاتيك العيون بما رمت

وحاسبها حسبان من حكمه العدل

فقد تركتني ساهي العقل ، سادرا

إلى الغي ، لا عقد لدي ، ولا حل

أسير ، وما أدري إلى أين ينتهي

بي السير ، لكني تلقفني السبل

فلا تسألني عن هواي ؛ فإنني

وربك أدري كيف زلت بي النعل ؟

فما هي إلا أن نظرت فجاءة

بحلوان حيث انهار ، وانعقد الرمل

إلى نسوة مثل الجمان ، تناسقت

فرائده حسنا ، وألفه الشمل

Page 9

من الماطلات المرء ما قد وعدنه

كذابا ؛ فلا عهد لهن ، ولا إل

تكنفن تمثالا من الحسن رائعا

يجن جنونا عند رؤيته العقل

فكان الذي لولاه ما درت هائما

أرود الفيافي ، لا صديق ، ولا خل

فويلمها من نظرة مضرجية

رميت بها من حيث واجهني الأثل

رميت بها والقلب خلو من الهوى

فما برحت حتى استقل به شغل

لقد علقت ما ليس للنفس دونها

غناء ، ولا منها لذي صبوة وصل

فتاة يحار الطرف في قسماتها

لها منظر من رائد العين لا يخلو

لطيفة مجرى الروح ، لو أنها مشت

على ساربات الذر ما آده الحمل

لها نظرة سكرى ، إذا أرسلت بها

إلى كبد ؛ فالويل من ذاك والثكل

تريق دماء حرم الله سفكها

وتخرج منها ، لا قصاص ، ولا عقل

Page 10

لنا كل يوم في هواها مصارع

يهيج الردى فيها ، ويلتهب القتل

مصارع شوق ، ليس يجري بها دم

ومرمى نفوس لا يطير به نبل

هنيئا لها نفسي ، على أن دونها

فوارس ، لا خرس الصفاح ، ولا عزل

من القوم ضرابي العراقيب والطلى

إذا استنت الغارات ، أو فغر المحل

إذا نامت الأضغان عن وتراتها

فقومي قوم لا ينام لهم ذحل

رجال أولو بأس شديد ونجدة

فقولهم قول ، وفعلهم فعل

إذا غضبوا ردوا إلى الأفق شمسه

وسال بدفاع القنا الحزن والسهل

مساعير حرب ، لا يخافون ذلة

ألا إن تهياب الحروب هو الذل

إذا أطرقوا أبصرت ، بالقوم خيفة

لإطراقهم ، أو بينوا ركد الحفل

وإن زلت الأقدام في درك غاية

تحار بها الألباب كان لها الخصل

Page 11

أولئك قومي ، أي قوم وعدة

فلا ربعهم محل ، ولا ماؤهم ضحل

يفيضون بالمعروف فيضا ، فليس في

عطائهم وعد ، ولا بعده مطل

فزرهم تجد معروفهم داني الجنى

عليك ، وباب الخير ليس له قفل

ترى كل مشبوب الحمية ، لم يسر

إلى فئة إلا وطائره يعلو

بعيد الهوى ، لا يغلب الظن رأيه

ولا يتهادى بين تسراعه المهل

تصيح القنا مما يدق صدورها

طعانا ، ويشكو فعل ساعده النصل

إذا صال روى السيف حر غليله

وإن قال أورى زنده المنطق الفصل

له بين مجرى القول آيات حكمة

يدور على آدابها الجد والهزل

تلوح عليه من أبيه وجده

مخايل ساوى بينها الفرع والأصل

فأشيبنا في ملتقى الخيل أمرد

وأمردنا في كل معضلة كهل

Page 12

لنا الفصل فيما قد مضى ، وهو قائم

لدينا ، وفيما بعد ذاك لنا الفضل

Page 13

البحر : طويل

مضى اللهو ، إلا أن يخبر سائل

وولى الصبا إلا بواق قلائل

بواق تماريها أفانين لوعة

يورثها فكر على النأي شاغل

فللشوق منى عبرة مهراقة

وخبل إذا نام الخليون خابل

ألفت الضنى إلف السهاد ، فلو سرى

بي البرء غالتني لذاك الغوائل

فلله هذا الشوق ! أي جراحة

أسال بنا ؟ حتى كأنا نقاتل

رضينا بحكم الحب فينا ، وإننا

للد إذا التفت علينا الجحافل

وإنا رجال تعلم الحرب أننا

بنوها ، ويدري المجد ماذا نحاول

إذا ما ابتنى الناس الحصون ، فمالنا

سوى البيض والسمر اللدان معاقل

فما للهوى يقوى علي بحكمه ؟

ألم يدر أني الشمري الحلاحل ؟

وإني لثبت الجأش ، مستحصد القوى

إذا أخذت أيدي الكماة الأفاكل

Page 14

إذا ما اعتقلت الرمح والرمح صاحبي

على الشر قال القرن : إني هازل

لطاعنت حتى لم أجد من مطاعن

ونازلت حتى لم أجد من ينازل

وشاغبت هذا الدهر مني بعزمة

أرتني سبيل الرشد والغي حائل

إذا أنت أعطتك المقادير حكمها

فأضيع شيء ما تقول العواذل

وما المرء إلا أن يعيش محسدا

تنازع فيه الناجذين الأنامل

لعمرك ما الأخلاق إلا مواهب

مقسمة بين الورى ، وفواضل

وما الناس إلا كادحان : فعالم

يسير على قصد ، وآخر جاهل

فذو العلم مأخوذ بأسباب علمه

وذو الجهل مقطوع القرينة جافل

فلا تطلبن في الناس مثقال ذرة

من الود ؛ أم الود في الناس هابل

من العار أن يرضى الفتى غير طبعه

وأن يصحب الإنسان من لا يشاكل

Page 15

بلوت ضروب الناس طرا ، فلم يكن

سوى ' المرصفى ' الحبر في الناس كامل

همام أراني الدهر في طي برده

وفقهني حتى اتقتني الأماثل

أخ حين لا يبقى أخ ، ومجامل

إذا قل عند النائبات المجامل

بعيد مجال الفكر ، لو خال خيلة

أراك بظهر الغيب ما الدهر فاعل

طرحت بني الأيام لما عرفته

وما الناس عند البحث إلا مخايل

فلو سامني ما يورد النفس حتفها

لأوردتها ؛ والحب للنفس قاتل

فلا برحت مني إليه تحية

تناقلها عني الضحى والأصائل

ولا زال غض العمر ، ممتنع الذرا

مريع الفنا ، تطوى إليه المراحل

Page 16

البحر : طويل

عصيت نذير الحلم في طاعة الجهل

وأغضبت في مرضاة حب المها عقلي

ونازعت أرسان البطالة والصبا

إلى غاية لم يأتها أحد قبلي

فخذ في حديث غير لومي ، فإنني

بجب الغواني عن ملامك في شغل

إذا كان سمع المرء عرضة ألسن

فما هو إلا للخديعة والختل

رويدك ، لا تعجل بلوم على امرىء

أصاب هوى نفس ؛ ففي الدهر ما يسلي

فليست بعار صبوة المرء ذي الحجا

إذا سلمت أخلاقه من أذى الخبل

وإني وإن كنت ابن كأس ولذة

لذو تدرإ يوم الكريهة والأزل

وقور ، وأحلام الرجال خفيفة

صبور ، ونار الحرب مرجلها يغلي

إذا راعت الظلماء غيري ، فإنما

هلال الدجى قوسي ، وأنجمه نبلي

أنا ابن الوغى ، والخيل ، والليل ، والظبا

وسمر القنا ، والرأي ، والعقد ، والحل

Page 17

فقل للذي ظن المعالي قريبة

رويدا ؛ فليس الجد يدرك بالهزل

فما تصدق الآمال إلا لفاتك

إذا هم لم تعطفه قارعة العذل

له بالفلا شغل عن المدن والقرى

وفي رائدات الخيل شغل عن الأهل

إذا ارتاب أمرا ألهبته حفيظة

تميت الرضا بالسخط ، والحلم بالجهل

فلا تعترف بالذل خوف منية

فإن احتمال الذل شر من القتل

ولا تلتمس نيل المنى من خليقة

فتجني ثمار اليأس من شجر البخل

فما الناس إلا حاسد ذو مكيدة

وآخر محني الضلوع على دخل

تباع هوى ، يمشون فيه كما مشى

وسماع لغو ، يكتبون كما يملى

وما أنا والأيام شتى صروفها

بمهتضم جاري ، ولا خاذل خلي

أسير على نهج الوفاء سجية

وكل امرئ في الناس يجري على الأصل

Page 18

تركت ضغينات النفوس لأهلها

وأكبرت نفسي أن أبيت على ذحل

كذلك دأبي منذ أبصرت حجتي

وليدا ؛ وحب الخير من سمة النبل

ورب صديق كشف الخبر نفسه

فعاينت منه الجور في صورة العدل

وهبت له ما قد جنى من إساءة

ولو شئت ، كان السيف أدنى إلى الفصل

ومستخبر عني ، وما كان جاهلا

بشأني ، ولكن عادة البغض للفضل

أتى سادرا ، حتى إذا قر أوجست

سويداؤه شرا ؛ فأغضى على ذل

ومن حدثته النفس بالغي بعد ما

تناهى إليه الرشد سار على بطل

وإني لأستحيي من المجد أن أرى

صريع مرام لا يفوز بها خصلي

أقول وأتلو القول بالفعل كلما

أردت ؛ وبئس القول كان بلا فعل

أرى السهل مقرونا بصعب ، ولا أرى

بغير اقتحام الصعب مدرك السهل

Page 19

ويوم كأن النقع فيه غمامة

لها أثر من سائل الطعن كالوبل

تقحمته فردا سوى النصل وحده

وحسب الفتى أن يطلب النصر بالنصل

لويت به كفي ، وأطلقت ساعدي

وقلت لدهري : ويك ! فامض على رسل

فما يبعث الغارات إلا مهندى

ولا يركب الأخطار إلا فتى مثلي

Page 20