Dirasat Falsafiyya Gharbiyya
دراسات فلسفية (الجزء الثاني): في الفلسفة الغربية الحديثة والمعاصرة
Genres
1 (3)
ولما كان الدين هو ينبوع الحضارة ومركزها فقد تمت عدة تحولات في تصور العقائد الدينية من المحور الرأسي إلى المحور الأفقي. حدث ذلك في تصور عقيدة العناية الإلهية التي تحفظ العالم وتعتني به بعد الخلق من خارجه وليس من داخله، وتحوله إلى تصور آخر جعلها قانونا لتطور التاريخ ولتحديد مساره من داخله وليس من خارجه. كما تحولت عقيدة التثليث؛ الأب والابن والروح القدس من قبل في القرن الثاني عشر عند يواكيم الفيوري (1130-1203م) إلى قانون لتطور التاريخ ذي ثلاث مراحل؛ مرحلة الآب وهو الذي يمثل السلطة، ومرحلة الابن وهو الذي يمثل المعارضة، ومرحلة الروح القدس وهو الذي يمثل استقلال الإنسان وعيا وعقلا وإرادة.
2
وظهر ذلك بوضوح في فلسفة التاريخ عند هيجل (1770-1831م) حيث تحول ملكوت الآب وملكوت الابن وملكوت الروح القدس إلى جدل التاريخ، إلى مسار حضاري شامل يتجلى فيه الروح المطلق. كما تحول تطور النبوة من اليهودية إلى المسيحية إلى التنوير إلى قانون عام لتربية الجنس البشري كما هو الحال عند لسنج (1729-1781م) ابتداء من مرحلة الحس والتشبيه الحسي وإله الغضب والعقاب والخوف إلى مرحلة العاطفة والوجدان وإله المحبة والعفو والتسامح والغفران إلى مرحلة العقل والحرية والطبيعة ودين التنوير، دين الإنسانية الجديد، خاتم الأديان، ونهاية التطور وكمال الإنسانية. ولم تعد المعجزة خرقا لقوانين الطبيعة ونفيا لاستقلالها بل حادثة تقع طبقا لقانون طبيعي نجهله. وتقدم العلم يمكن اكتشافه والتنبؤ بمسار الحوادث.
3
أصبح مستقبل الإنسان في هذه الدنيا وليس في الآخرة؛ وبالتالي بدأ الاهتمام بالعالم وبالإنتاج وبالإبداع وبتعمير الأرض وليس فقط بإذكاء الروح وتربية النفس استعدادا للآخرة. اعتمد الإنسان على عقله وإرادته دون الاعتماد على الكتاب المقدس كمصدر للعلم أو على الإرادة الإلهية كوسيلة للتنفيذ. وتم الانتقال من الإرادة الخارجية المشخصة إلى الإرادة الإنسانية الفعلية، ومن الحكمة الإلهية إلى إرادة الشعوب. لم تعد الطبيعة البشرية فاسدة بفعل الخطيئة الأولى لا تقوى على النهوض، ولا تنهض إلا لكي تتعثر من جديد دون منقذ أو مخلص ولكنها أصبحت طبيعة خيرة قادرة على النهوض بذاتها وعلى التقدم بنفسها. وهكذا بدأ مفهوم التقدم في الظهور ابتداء من إعادة تفسير العقائد حتى يمكن الكشف عن الوعي بالتقدم في وعي التاريخ. (4)
وقد استطاع العلم اكتشاف قانون تطور الأحياء. وقد بلغ هذا الاكتشاف الذروة في نظرية النشوء والارتقاء عند دارون (1809-1882م) في القرن التاسع عشر. وقد أعطى ذلك مفهوم التقدم أساسا علميا طبيعيا ماديا حيويا. وامتد ذلك إلى هذا القرن، وظهرت الأنطولوجيا العامة الشاملة عند بيير تيار دي شاردان (1881-1955م)
Chardin
وتصوره لتطور العالم على حرف أوميجا
W
Unknown page