Dirasat Can Muqaddimat Ibn Khaldun
دراسات عن مقدمة ابن خلدون
Genres
إن بعض الطبعات المتداولة في البلاد العربية - مثل طبعة مصطفى فهمي في مصر القاهرة - وضعت أرقاما بجانب عناوين الفصول؛ تسهيلا للبحث والمراجعة، غير أن بعضها - مثل طبعة بيروت، وطبعة مصطفى محمد في مصر - تجاوزت ذلك إلى ترتيب الفصول ترتيبا عدديا، بقولها: الفصل الأول، الفصل السادس، الفصل الثاني والعشرون، وهلم جرا.
ومما يجب ألا يغرب على البال أن الفصول الفرعية لم تكن مرقمة في أصلها، فالطابع الذي يقدم على ترقيم الفصول وترتيبها بهذه الصورة يتحمل مسئولية معنوية كبيرة؛ لوجود بعض الفصول في بعض النسخ دون غيرها ؛ مثلا الفصل القائل بأن «العلم والتعليم طبيعي في العمران البشري»، يكون أول الفصول من الباب السادس في النسخ التي اعتمدت عليها طبعات البلاد العربية، في حين أنه يكون الفصل السادس في النسخ التي اعتمدت عليها طبعة باريس.
ونحن نعتقد لذلك أن ترتيب الفصول بهذه الصورة ترتيبا نهائيا - قبل درس نسخ المقدمة درسا وافيا - مما يخالف الأصول العلمية، ومما يشوش الأمر على القراء والباحثين. (5)
ومما تجب ملاحظته هذه الفصول والأبواب، تختلف اختلافا كبيرا من حيث الطول؛ فإن أطول الأبواب هو الباب السادس (الباحث عن العلم والتعليم)، ثم يليه في الطول الباب الثالث (الباحث عن الدول)، فالباب الأول (الباحث عن العمران البشري على الجملة)، فالباب الخامس (الباحث عن الصنائع والمعاش)، فالباب الرابع (الباحث عن الأمصار)، فالباب الثاني (الباحث عن العمران البدوي).
وإذا أحصينا عدد الصحائف المخصصة لكل واحد من الأبواب الستة المذكورة، وقارنا بعضها ببعض؛ وجدنا أن طول الباب السادس يقرب من سبعة أمثال الثاني، كما أن طول الباب الثالث يناهز ستة أمثال الباب المذكور.
وأما الفصول التي تنقسم إليها الأبواب فهي أيضا تختلف اختلافا كبيرا من حيث الطول؛ إن أطول الفصول هو الباحث عن جغرافية الأرض (33 صفحة)، ويليه في الطول الفصل الباحث عن النبوة والكهانة (28 صفحة)، ويأتي بعد ذلك الفصل الباحث عن مراتب السلطان وألقابها (22 صفحة)، فالفصل الباحث عن الفاطمي المنتظر (19 صفحة).
لقد انخدع بعض الكتاب والباحثين بعدد الصحائف المخصصة في المقدمة لكل فصل من الفصول، وظنوا أن ابن خلدون يعزو أهمية كبيرة إلى البيئة الجغرافية، كما زعموا أنه يعتبر الدين من أهم عوامل الاجتماع، في حين أن الحقيقة تخالف هذا الزعم مخالفة كبيرة، كما سنشرح ذلك في فصول خاصة عندما نقدم على تحليل آراء ابن خلدون وشرح نظرياته.
فنحن نرى أن أهمية الفصول في المقدمة لا يجوز أن تقدر بعدد الصحائف المخصصة لها؛ لأن بعض المباحث المسرودة في بعض الفصول ما هي إلا معلومات تمهيدية أو استطرادية، يقصد منها تارة إعطاء بعض المعلومات الممهدة، وطورا بعض المعلومات المتممة؛ بغية إعداد الأذهان لفهم الموضوع في بعض الأحوال، وزيادة المعلومات المتعلقة بالموضوع في أحوال أخرى، ولذلك نجد أن أهمية المباحث المسرودة في الفصول المختلفة لا تتناسب مع أطوالها بوجه من الوجوه.
إن المباحث الاستطرادية أو التمهيدية محتشدة في الدرجة الأولى في الباب السادس، فالباب الأول، فالباب الثالث، وأما الأبواب الثلاثة الأخرى فيقل، بل يندر فيها مثل هذه المباحث التمهيدية أو الاستطرادية.
مثلا الباب الأول، يقع في ثمان وسبعين صفحة، غير أن أكثر من ثلاث أرباع هذه الصحائف مخصصة لمعلومات استطرادية عن تقسيمات الأرض ومسألة النبوة والكهانة.
Unknown page