Dirāsāt ʿan Muqaddimat Ibn Khaldūn
دراسات عن مقدمة ابن خلدون
Genres
هذه العبارات تدل دلالة صريحة على أن ابن خلدون قد فهم التطور التدريجي في الحياة الاجتماعية فهما واضحا. (2)
يعود ابن خلدون إلى هذا المبدأ في عدة فصول، ويطبقه على عدة أنواع من الحادثات الاجتماعية والتاريخية.
إنه يخصص فصلا كاملا لشرح «أطوار الدولة، واختلاف أحوالها، وخلق أهلها باختلاف الأطوار» (ص170).
كما أنه يشرح آثار التطور التدريجي في فصول عديدة؛ منها فصل «انتقال الدولة من البداوة إلى الحضارة» (ص172)، ومنها «فصل انقلاب الخلافة إلى الملك» (ص202)، وفصل طروق الخلل للدولة (ص294)، وفصل خراب الأمصار (359)، ومنها الفصل القائل: «إن رسوخ الصنائع في الأمصار، إنما هو برسوخ الحضارة وطول أمدها» (ص401). (3)
يلاحظ ابن خلدون أن الأمور الناتجة من طور من الأطوار لا تزول تماما بمجرد زوال ذلك الطور، بل تترك بعض الآثار بعد ذلك أيضا: «إن رسوخ الصنائع في الأمصار إنما هو برسوخ الحضارة وطول أمدها، والسبب في ذلك ظاهر وهو أن هذه كلها عوائد للعمران وألوان، والعوائد إنما ترسخ بكثرة التكرار وطول الأمد، فتستحكم صبغة ذلك وترسخ في الأجيال، وإذا استحكمت الصبغة عسر نزعها. ولهذا تجد في الأمصار التي كانت استبحرت في الحضارة لما تراجع عمرانها وتناقص؛ بقيت فيها آثار من هذه الصنائع ليست في غيرها من المدن المستحدثة العمران، ولو بلغت مبالغها في الوفور والكثرة.» «وما ذاك إلا لأن أحوال تلك القديمة العمران مستحكمة راسخة، بطول الأحقاب وتداول الأحوال وتكرارها، وهذه لم تبلغ الغاية بعد، وهذا كالحال في الأندلس لهذا العهد» (ص401-402).
وبعد ذلك يشرح ابن خلدون وفرة العمران والصنائع في الأندلس، ثم يقول: «ونجد صنائعها مستحكمة لديهم، فهم على حصة موفورة من ذلك، وحظ متميز بين جميع الأمصار، وما ذاك إلا لما قدمناه من رسوخ الحضارة فيهم، فاستحكمت فيها الصنائع وكملت جميع أصنافها على الاستجادة والتنميق، وبقيت صبغتها ثابتة في ذلك العمران، لا تفارقه إلى أن ينتقص بالكلية، حال الصبغ إذا رسخ في الثوب» (ص402).
يستشهد ابن خلدون على ذلك بأحوال تونس أيضا، ثم يقول: «إلا أن الصبغة إذا استحكمت فقليلا ما تحول إلا بزوال محلها، وكذا نجد بالقيروان ومراكش وقلعة ابن حماد أثرا باقيا من ذلك، وإن كانت هذه كلها اليوم خرابا أو في حكم الخراب ، ولا يتفطن لها إلا البصير من الناس، فيجد في هذه الصنائع آثارا تدل على ما كان بها، كأثر الخط الممحو في الكتاب» (ص403).
وكذلك يقول ابن خلدون في الفصل الذي يشرح «أن الحضارة في الأمصار من قبل الدول، ترسخ باتصال الدولة ورسوخها» - خلال البحث في أحوال إفريقية: «تغلب بدو العرب الهلاليين عليها، وخربوها، وبقي أثر خفي من حضارة العمران فيها، وإلى هذا العهد يؤنس فيمن سلف له بالقلعة، أو القيروان، أو المهدية سلف، فتجد له من الحضارة في شئون منزله وعوائد أحواله آثارا ملتبسة بغيرها، يميزها الحضري البصير بها» (ص370).
إن هذه العبارات تدل دلالة صريحة على أن ابن خلدون كان قد أدرك إدراكا واضحا ما يسميه «التطوريون»
évolutionnistes
Unknown page