Dirāsāt ʿan Muqaddimat Ibn Khaldūn
دراسات عن مقدمة ابن خلدون
Genres
إن هذه الترجمة أخرجت مقدمة ابن خلدون من دائرة اطلاع المستشرقين المحدودة، ووضعتها في متناول العلماء والمفكرين.
إن المقدمة لم تقدر حق قدرها إلا من جراء الأبحاث التي نشرت بعد ظهور ترجمتها الفرنسية؛ لأنها كانت قد ظلت حتى ذلك الحين محصورة في نطاق أبحاث المستشرقين الملمين باللغة العربية إلماما تاما، وهؤلاء لم يكونوا - بطبيعة الحال - في وضع يساعدهم على تقدير أهمية مباحثها حق التقدير، ولا سيما وأهم أقسام المقدمة وأطرف مباحثها يتعلق بعلم الاجتماع، وهذا العلم كان عندئذ في بدء تكوينه، ومسائله كانت لا تزال خارجة وبعيدة عن اطلاع المستشرقين بوجه عام. ولهذا السبب نستطيع أن نقول إن البارون دو سلان خدم ذكرى ابن خلدون خدمة لا تقدر بثمن، بإقدامه على ترجمة المقدمة بتمامها.
إن انتشار ترجمة المقدمة أثر في العلماء والمفكرين الذين اطلعوا عليها تأثيرا عميقا، وولد في نفوسهم إعجابا شديدا بعبقرية هذا المفكر العربي العظيم الذي كان قد سبق الكثيرين من بحاثة الغرب إلى الكثير من الآراء والنظريات القيمة، حتى إن هذا الإعجاب وصل عند بعضهم إلى درجة الاندهاش. •••
بعد انتشار ترجمة المقدمة صار علماء الاقتصاد والتاريخ والاجتماع يطلعون على آراء ابن خلدون، ويلفتون الأنظار إلى ما يجدون بينها من النظرات القيمة حول بعض المسائل التي لم يفرغوا هم من درسها وبحثها إلا في المدة الأخيرة.
فقد لاحظوا بدهشة كبيرة أن المعلومات التي كانت مقررة في تاريخ العلوم المذكورة تحتاج إلى تبديل وتحوير، على ضوء الحقائق التي وجدوها في مقدمة ابن خلدون.
كانوا يزعمون قبلا أن «فيكو» هو أول من فكر في فلسفة التاريخ، ولكنهم علموا - بعدئذ - أن ابن خلدون كان قد فعل ذلك - في مقدمته - قبل «فيكو» بمدة تزيد على ثلاثة قرون ونصف قرن.
وكانوا يزعمون قبلا أن «أوغوست كونت» هو الذي أسس علم الاجتماع على أسس مستقلة علمية، ولكنهم علموا بعدئذ أن ابن خلدون قد سبق «كونت» إلى ذلك قبل مدة تزيد على أربعة قرون ونصف قرن.
وقد وجدوا أن كثيرا من الآراء والمبادئ التي قال بها علماء الاقتصاد ومفكرو الاجتماع - مثل جان باتيست ساي، وكارل ماركس، وباكونين - في أواسط القرن التاسع عشر، كانت مسطورة في المقدمة التي كتبها ابن خلدون في القرن الرابع عشر، تارة في حالة بذور وفسائل صغيرة، وطورا في حالة أغراس نامية كاملة.
ولذلك نجد أن مطالعة مقدمة ابن خلدون صارت تبهر أنظار العلماء المدققين، وتحملهم على إظهار إعجابهم بها في مقالات أو رسائل أو كتب ينشرونها. •••
إننا نستطيع أن نقسم ما كتبه الغربيون عن ابن خلدون ومقدمة ابن خلدون إلى ثلاثة أنواع أساسية: (أ)
Unknown page