137

Dirasat Can Muqaddimat Ibn Khaldun

دراسات عن مقدمة ابن خلدون

Genres

ثم ذهب إلى مدينة «واتوللا» بناء على دعوة أسقف «إيسكيا» لتعليم الحقوق لأحد أقاربه النبلاء، وقضى فيكو هنالك تسع سنوات، وجد خلالها متسعا من الوقت لدرس الكتب القديمة المحفوظة في مكتبة الدير دراسة متقنة.

وعندما عاد إلى نابولي بعد ذلك، وجد أن التدريسات في جامعاتها كانت قد اتجهت اتجاها جديدا تماما، كانت فلسفة «ديكارت» الحديثة قد سيطرت على الجامعة، وأبعدتها عن الفلسفات القديمة، ولا سيما عن الفلسفة الأفلاطونية.

لم يرتح فيكو إلى هذا التيار الفكري الجديد، لا سيما بعد أن لاحظ أن التيار المذكور لم يكتف بإهمال الفلسفة القديمة، بل أخذ يهمل التاريخ والشعر والبلاغة أيضا.

إنه لم يقل بلزوم البقاء تحت سلطة الفلاسفة القدماء، ولكنه لم يسلم بجواز الاسترسال في التفكير الذاتي، والاستسلام إليه استسلاما كليا؛ ولذلك دعا إلى اتباع خطة متوسطة بين التيار القديم وبين التيار الحديث؛ لقد قال بوجوب اتباع المحاكمات الذاتية، مع احترام سلطة أساطين الفكر والعلم القدماء، واتبع بنفسه هذه الخطة في دروسه وتأليفاته المتنوعة.

صار فيكو أستاذا للبلاغة في جامعة نابولي، وتطرق في دروسه إلى مسائل متنوعة، يحوم معظمها حول الحقوق الطبيعية، وتاريخ الحقوق الرومانية، واشتقاق الكلمات اللاتينية. نشر طائفة من الخطب والرسائل في هذه المسائل، وأظهر في جميعها نزعة مستمرة نحو ربط الأبحاث اللغوية بالمسائل الحقوقية والتاريخية، وفي الأخير جمع ونظم معظم الآراء التي سردها في هذا المضمار في سفر واحد أسماه «العلم الجديد»

Scienza Nuava .

إن شهرة فيكو العلمية قامت على هذا الكتاب، فإن الآراء المدونة فيه هي التي حملت الكثيرين من المؤرخين والمفكرين على تلقيبه بلقب «مؤسس فلسفة التاريخ» أولا، وبلقب «مؤسس علم الاجتماع» ثانيا.

نشرت الطبعة الأولى من العلم الجديد سنة 1725، ولكن نسخ هذه الطبعة نفدت خلال ثلاث سنوات، فأعيد طبع الكتاب مرتين خلال حياة المؤلف، وذلك في سنة 1730، وسنة 1744.

خلال هذه الطبعات الجديدة أعاد فيكو النظر فيه، وأدخل عليه تنقيحات وتعديلات كثيرة، غير أن هذه التعديلات لم تبدل شيئا من الآراء الأساسية المدونة فيه، مع أنها غيرت ترتيب مباحثه تغييرا جوهريا، بل صاغته صياغة جديدة، من وجهة كيفية عرض الآراء وكيفية تبويبها.

لقد ترجمت الطبعة الثالثة من العلم الجديد إلى الفرنسية، بقلم المؤرخ الشهير «جول ميشله» بعنوان «أصول فلسفة التاريخ».

Unknown page