وإن كان ممن يُعلِّل الأفعال، قال: فعل بهم هذا ليُعرَّضهم بالصبر عليه لثواب الآخرة وعُلوِّ الدرجات، وتوْفيةِ الأجر بغير حساب.
ولكلِّ أحدٍ مع نفسه في هذا المقام مُباحثاتٌ وإيراداتٌ وإشكالات وأجوبة، بحسب حاصله وبضاعتِه، من المعرفة بالله تعالى وأسمائه وصفاتِه وحِكْمته، والجهل بذلك، فالقلوبُ تغْلِي بما فيها، كالقدْر إذا استجْمعتْ غليانًا.
فلقد بلغنا وشاهدنا من كثير من هؤلاء من التظلُّم للِرَّبِّ تعالى، واتِّهامه، ما لا يصْدُرُ إلا من عدو، فكان الجهْمُ يخرجُ بأصحابِه، فيُوقِفُهم على الجذْمى وأهل البلاء، ويقول: انظروا، أرْحمُ الراحمين يفعلُ مثل هذا؟ إنكارًا لرحمته، كما أنكر حِكمته.
فليس الله عند جهمٍ وأتباعه حكيمًا ولا رحيمًا.
وقال آخر من كبار القوم: ما على الخلق أضرُّ من الخالق
وكان بعضهم يتمثل:
إذا كان هذا فِعله بمحبِّة فماذا تراهُ في أعادِيه يصْنعُ؟
وأنت تشاهد كثيرًا من الناس إذا أصابه نوعٌ من البلاء يقول: يا ربِّ: ما كان ذنبي حتى فعلت بي هذا؟
وقال لي غير واحد: إذا تبتُ إليه وأنبْتُ وعملتُ صالحًا ضيَّق عليَّ رزقي، ونكد عليَّ معيشتي، وإذا رجعْتُ إلى معصيته، وأعْطيْتُ نفسي مُرادها جاءني الرِّزْقُ والعوْنُ، ونحو هذا.
فقلت لبعضهم: هذا امتحان منه، ليرى صِدْقك وصبرك، هل أنت صادقٌ في مجيئك إليه وإقبالك عليه، فتصبر على بلائِه؛ فتكون لك العاقبةُ، أم أنت كاذبٌ فترجع على عقِبك؟
وهذا الأقوالُ والظنونُ الكاذبةُ الحائدةُ عن الصواب مبْنيةٌ على