وكما جعل بيتهوفن الشعر موسيقى الكلمة ، فقد كان صديقا لجوته، كذلك جعل هيجل الموسيقى أرفع أنواع الشعر، وجعل الأوبرا أرفع أنواع الفنون كلها بعد أن جعل الفنون السمعية أرقى من الفنون البصرية.
كنت عندما أسمع «نشيد الفرح» في آخر السيمفونية التاسعة لبيتهوفن وتكاد تصل متعتي للسماء. لم أكن أعرف أن هذا السمو والاستمتاع والرقي بسبب الموسيقى، أم الشعر أم الفلسفة؟ فلقد عزفت الفنون الثلاثة الفرح. وهو موضوع يجمع بين الموسيقى والشعر في الفلسفة. وكذلك فعل فاجنر في أوبريتاته التي تجمع بين الموسيقى والشعر والفلسفة في «تريستان وإيزولدا». وكما فعل فيردي في «أوبرا عايدة» في مارش «البطولة». وراداميس عائدا منتصرا.
أما الموسيقى الكلاسيكية عند باخ فتشبه فلسفة توما الأكويني في «الخلاصة اللاهوتية». وكما فعل بيزيه في أوبرا «كارمن» عن الحب والتضحية؛ فالموسيقى شعر، والشعر موسيقى. ومعجزة القرآن الكريم في الجمع بين الموسيقى والشعر والفلسفة.
وعندما استعملت الأوتار كآلات إيقاعية ولم تعد تغنى الألحان المتصلة مثل «تقديس الربيع» لسترافنسكي تقطعت الفلسفة في «التفكيكية» في الفلسفة المعاصرة، ولم تعد الفلسفة لحنا غنائيا طويلا كما هو عند ديكارت في منهجه، وشيلينج في الوحدة بين الروح والطبيعة، وفشته في خطابه إلى الأمة الألمانية.
فيمكن قراءة الموسيقى كفلسفة مثل: موسيقى باخ كفلسفة مدرسية، وموسيقى بيتهوفن كالفلسفة الرومانسية، وبوليرو رافيل كفلسفة ما بعد الحداثة التي تفكك كل شيء.
الفصل الثالث
الحب العذري
وصلت إلى مرحلة البلوغ وأنا في المدرسة الثانوية، لا أذكر في الصف الثاني أم الثالث. وعندما وصلت إلى السنة الخامسة «التوجيهية» جلست في المنزل؛ لأستعد لامتحان الثانوية العامة بعد أن بدأ الحضور يتناقص داخل حجرات الدراسة والفصول لنفس السبب، ولكي أستعد أيضا لامتحان المسابقة في الفلسفة والذي كان يقام كل عام. وكانت مكافأته بالإضافة إلى العشرين جنيها، الدخول للجامعة مجانا، فقد كانت مجانية طه حسين في التعليم العام، ثم عممتها الثورة في 1952م إلى التعليم الجامعي؛ فدخلت الجامعة مجانا لثلاثة أسباب: الأول؛ حصولي على الثانوية العامة بدرجة 77,5٪. والثاني؛ حصولي على المرتبة الأولى في امتحان المسابقة العامة في الفلسفة. والثالث؛ قرار مجانية التعليم العالي بعد الثورة.
وكنت أمكث في المنزل ساعات طويلة بمفردي؛ فأخواتي البنات كن يذهبن إلى المدارس، وشقيقي الأكبر في الجامعة، وأبي في عمله؛ موسيقى الجيش، وأمي تزور أمها وأختها في بني سويف.
وكان لجارتنا ابنة أراها من الشباك الملاصق، كانت بيضاء، جميلة، مبتسمة، نشطة. كلها حياة. وكانت تمازحني، وهي صفات كنت أحبها. فكنا نتكلم من خلال النوافذ المفتوحة على الحارة دون أن نشعر بأن أهالي الحارة يراقبوننا وفي مقدمتهم الفران الذي كان يسكن في الطابق العلوي. يرانا وهو جالس أمام الفرن، ويتطلع إلينا، وكان هناك نافذة خاصة في أعلى الحائط المشترك بين شقتنا وشقتها، فكنت أحضر كرسيا أصعد عليه؛ لأجلس على حافة النافذة. وهي تجلس على الحافة الأخرى نتناجى. ولم أكن أشعر أن الصاعد أو النازل على سلم المنزل يرانا؛ فأصبحنا حديث المنزل والحارة. فأول حب عذري كان حب بنت الجيران، كما هو الحال في الأفلام المصرية. لا تفكير عندي في زواج ولا صداقة إنما هو اكتشاف الحديث ومتعته مع الجنس الآخر.
Unknown page