فشيمة أهل البيت كلهم الرقص
وانتشرت الرشوة والفساد في مؤسسات الدولة والمصالح الحكومية لقضاء أي مصلحة خاصة. وما زالت قضايا الحريات مثارة، وأهمها استشهاد خالد سعيد الذي قتلته المخابرات، وهو يشبه بو عزيزي البائع المتجول الذي كان يسعى إلى قوته اليومي فصفعته شرطية على وجهه ليفسح الطريق لأصحاب العربات فكان الشرارة التي أوقدت الثورة التونسية التي كانت الشرارة التي انطلقت منها ثورات الربيع العربي في مصر وسوريا والعراق وليبيا واليمن. اختزن خالد سعيد في قلوب المصريين حتى اختمر في ثقافة شعب شيمته الصبر، وكما قيل له: «أنتم شعب صبور.» كما كثر الحديث عن حياة البذخ في شرم الشيخ التي يحياها الرئيس المخلوع وأسرته، والبذخ في تزيين منزل الرئيس وراء الشيراتون في الوقت الذي لا يجد فيه الفقير قوت يومه.
الفصل العاشر
الثورة المصرية، والربيع العربي (2011-2018م)
وفجأة وبلا سابق انتظار انفجر القدر بضغط البخار الصاعد منه في يناير 2011م، عيد الشرطة. وقد تطورت المظاهرات الشعبية تدريجيا من عيد الشرطة إلى المطالبة بالإفراج عن المعتقلين الذين احتجزتهم الشرطة بلا سبب وبلا محاكمة، ثم تعالت المطالب حتى وصلت إلى ضرورة استقالة الرئيس الذي رفض الاستجابة لمطالبهم أو حتى لقاء وفد من المتظاهرين الذين كانوا يؤلفون كل القوى الوطنية في البلاد. وجيء بالجمال لتدهس المتظاهرين في ميدان التحرير بما يسمى «موقعة الجمل» ومعارك أخرى مثل معركة «محمد محمود» وهو الشارع المجاور للجامعة الأمريكية وكذلك معركة «ماسبيرو» حول مبنى الإذاعة والتلفزيون، واستشهد المئات. وفي 11 فبراير قدم الرئيس استقالته، وعين عمر سليمان نائبا له. واستمرت المظاهرات تطالب باستقالة الرئيس بعد أن حاصروا قصر الرئاسة، ورفض الجيش التدخل لصالح الرئيس لأنه كان حانقا على التوريث، وسلم السلطة إلى المجلس الأعلى للقوات المسلحة، وعمت الفرحة الشعب. ونظرا لعدم وجود قيادة للثورة الشعبية وعدم وجود تنظيم لها، وإن كانت تطالب بمبادئ أربعة: الخبز، الحرية، العدالة الاجتماعية، الكرامة الإنسانية، ظلت الثورة تتأرجح بين العسكريين والإسلاميين. وبدأ الجدل حول وضع الدستور أولا ثم الانتخابات أم الانتخابات أولا ثم الدستور؟ تنظيم انتخابات برلمانية أولا ثم انتخابات رئاسية، أم انتخابات رئاسية أولا ثم انتخابات برلمانية؟ وكل هذه الدوائر المغلقة التي تدور حول نفسها تهدف إلى إرباك الثورة، ووضع الدستور المؤقت تسير عليه البلاد ثم تجرى الانتخابات، وعين رئيس المحكمة الدستورية العليا رئيسا مؤقتا. وأجريت الانتخابات بين: أحمد شفيق ممثل النظام السابق، محمد مرسي مرشح الإخوان، عبد المنعم أبو الفتوح «إخواني مستقل»، عمرو موسى «ناصري قومي»، حمدين صباحي «ناصري»، وأربعة آخرين، لا ذكر ولا لون لهم، ونجح المرشحان الأولان، ثم أجريت انتخابات الإعادة بين شفيق ومرسي. فانتخب الناس مرسي بأغلبية ضئيلة خوفا من شفيق صديق الرئيس المخلوع وإلا فلماذا كانت الثورة؟
وبعد عام تقريبا لم يسجن فيه أحد، ولم تكبت الحريات، ولكن بدأت أخونة الدولة. وكان الرئيس الجديد يتلقى توجيهاته من مكتب الإرشاد للإخوان المسلمين. كانوا قد رفع العريان شعار «مشاركة لا مغالبة»، ولكن في الواقع مارسوا «مغالبة لا مشاركة». فبدأت القوى السياسية الأخرى، الليبراليون والقوميون والناصريون والماركسيون بالضجر من هذا الحكم الفردي والذي يمد يده إلى قطر وإيران وتركيا، إلى الخارج قبل الداخل، إلى المحيط قبل المركز على عكس البنية الثقافية التي تعطي الأولوية للمركز على المحيط. وأجريت الانتخابات البرلمانية، فأخذ الإخوان الأغلبية، واختير رئيس المجلس إخوانيا، وأظهر بعض السلوك الديمقراطي، ومنع النداء على الصلاة وضبط الجلسات؛ فالصلاة يمكن أن تكون على التراخي وليس على الفور، قضاء وليس أداء؛ أي آجلا وليس عاجلا كما حدد علماء الأصول منعا للمزايدة؛ فالمصلحة العامة مقدمة على المصلحة الخاصة، ورعاية مصالح المسلمين لا تقل إيمانا عن الصلاة. لم ترتفع الأسعار، ولم يقبض على أحد، ومع ذلك تجمعت القوى المناهضة للإخوان بعد عام واحد لعمل ثورة مضادة لحكم الإسلاميين الذين أتوا بالانتخاب الشعبي الحر المباشر في 30 يونيو 2013م، ثم ساندها الجيش بقيادة وزير الدفاع ورئيس المخابرات السابق. ولم يقبل الإخوان انتخابا مبكرا لمعرفة اختيار الشعب تمسكا بالشرعية، ورفضوا إنذار الجيش، مما اضطر الجيش إلى تولي الحكم في 3 يوليو. وقبض بعد ذلك بأيام على الرئيس، وأودع في السجن، من القصر إلى المعتقل مع الاتهام بالتخابر مع قطر. في حين أن الرئيس السابق عليه أودع في جناح في المستشفى العسكري بالمعادي، وله كل الحقوق في زيارات الأسرة والأصدقاء، وهو الآن يطالب بالعودة إلى منزله في شرم الشيخ حتى مع الإقامة الجبرية. كما قبض على معظم أعضاء مكتب الإرشاد من أول المرشد العام حتى كبار الشخصيات في الجماعة. أطلقت الاتهامات بالتكفير والعنف والاغتيالات، وطالت قوائم الممنوعين من السفر، وزادت نسبة الهاربين إلى الخارج، وكانت تركيا هي الأقرب ثم قطر.
1
ونشأ الجدل: هل ما حدث ثورة أم انقلاب؟ وبعد أربع سنوات وتكشف السياسات التي اتبعت منذ 2014م يعود السؤال مرة أخرى: هل ما حدث انقلاب أم ثورة مضادة؟ فكما كانت هناك أخونة الدولة من الإخوان كما كانت تفعل كل الأحزاب، أصبح هناك عسكرة للدولة من الجيش؛ فهو الذي يقوم بحل كل الأزمات: المواد الغذائية، رصف الطرق، بناء المساكن الاجتماعية، إقامة المزارع السمكية. ويقف الضابط في حفل الافتتاح ويضرب كعبي الحذاء، ويرفع يده إلى الرأس ليحيي الرئيس معرفا بنفسه «العقيد فلان قائد خط الجمبري»، بالإضافة إلى الأمن القومي. وأضيف إليه القبض على المعتقلين مثل زوار الفجر. وأصبح الجيش أكبر شركة استثمارية في البلاد، وبدأ يقابل العنف بالعنف في سيناء. وسألت دماء المصريين من الطرفين، مع أن إسرائيل احتلت سيناء ست سنوات ولم نسمع عن قتال بين بدو سيناء وجيش إسرائيل، بل استطاعت إسرائيل كسب قلوب السيناويين بأداء الخدمات: المستشفيات والمدارس والأندية، وتوفير المواد الغذائية اللازمة والتي تنقص الوادي؛ فهم مواطنون إسرائيليون وليسوا مواطنين مصريين. والمواطنة حيث المصلحة، والمصلحة حيث المنفعة.
وارتفعت الأسعار إلى أكثر من الضعف وأحيانا الأربعة أضعاف بلا مبرر معقول، كما زادت فواتير الكهرباء والغاز، وتذاكر المواصلات، والمترو قادم. وزادت نسبة الفساد ابتداء من الوزراء وكبار المسئولين بالملايين حتى صغار الموظفين بالجنيهات. وأصبح الفقير غير قادر على أن يعيش حتى بالفول والطعمية. وبدأ التجار يخبئون السكر الذي به حياة المصريين ليبيعوه بسعر أعلى، والشعب يخطفه من على الشاحنات. ومن ناحية أخرى يكسب كبار التجار بالتعاون مع رجال التفتيش، يرفعون الأسعار، ويكسبون الملايين. أما الوزراء وكبار رجال الأعمال فيكسبون بالمليارات بطرق غير شرعية. وتم سفر الفقراء على مراكب بحرية فيغرقون، ويزداد عدد المعتقلين بالآلاف. وكان كل شيء لا يحل إلا بالجيش. وبدأ البحث عن التمويل شرقا وغربا من الأشقاء العرب والبنك الدولي. وتركت المليارات تنهب في الداخل، مع أنه يساوي الاقتراض من الخارج عشرات المرات، ولكن رجال الأعمال مثل رجال الأمن هم سدنة النظام. والاستقواء في الداخل تعويض عن الضعف في الخارج. والوطن العربي تسيل دماؤه ومصر لا تتحرك، وهي المناطق التي امتدت إليها الناصرية، سوريا والعراق شمالا، وليبيا غربا، واليمن جنوبا. وتعقد المؤتمرات من أجل تحقيق السلام في سوريا شقيقة مصر التي حملت عربة عبد الناصر على الأكتاف عندما زارها، دون دعوة مصر، وكأن سوريا أقرب إلى روسيا وأمريكا وإيران وتركيا من مصر، وهي القوى التي تتحكم في مصير سوريا على الأرض، بل إن مصر تؤيد «الأسد إلى الأبد» دون الشعب السوري الذي ثار ضد نظام الاستبداد والظلم بدعوى الخوف على وحدة سوريا من التفتت، وكأن وحدة الأوطان لا تتحقق إلا بالاستبداد، وأن الديمقراطية وحكم الشعب يجلبان التفتت والتجزئة.
2
Unknown page