115

أحاط الحمالون بعزيز يجادلونه في أجرتهم. وسبق الآخرون إلى ال 128، حيث انبثق المنادي فجأة لينبههم إلى أن أحد إطارات السيارة نائم، عارضا استعداده لأي خدمة وتركيب الإطار الاحتياطي، مستحقا بذلك الجنيه الذي أخذه، ومتيحا لذات فرصة التعبير عن إيمانها بالنوع الإنساني: «لا يا شيخة»، عندما أسرت لها صفية شكها في أن الأمر لا يعدو أن يكون تمثيلية من إخراج المنادي من أجل مضاعفة دخله بطريقة مشروعة.

جلست ذات في المقعد الخلفي إلى جوار الدكتور الذي بدا حائرا في كيفية مخاطبتها، وقد ألف أن يناديها أيام طفولته ب «الأبلة». وانضم إليهم عزيز أخيرا، لكنه لم يكد يدير موتور السيارة حتى لحق بهم، جريا، أحد الحمالين الذين كانوا يحاصرونه، وهو يجر صبيا صغيرا من خلفه، ومال على النافذة مشيرا إلى الصبي: «ده حمادة.»

تساءل عزيز في دهشة: «حمادة مين؟»

قال الحمال: «ابني.»

أخذ الابن نصيبه قبل أن يتحرك الموكب في اتجاه بوابة الميناء، حيث استوقفهم عند الكشك الزجاجي للحاجز كهل مهيب يرتدي نظارة طبية سوداء، وضع يده على مقدمة السيارة، وانحنى على النافذة قائلا: «حمد الله على السلامة. كل سنة وانتم طيبين.»

أخرجت صفية من جيب سترتها جنيها وقدمته إليه، فأعاده إليها في كبرياء: «لا. خليه لك. يمكن تحتاجيه.»

انفجرت صفية ثائرة وهي تخرج جيبي سترتها الفارغين، وتفتح حقيبة يدها تحت بصره: «معدش معانا ولا مليم.»

أخرجت ذات جنيها آخر من جيبها أعطته للكهل، فأشار إلى شرطي عجوز بعدة شرائط يقف على بعد خطوتين وقال: «هو كمان يستاهل.»

دار البحث في جيوب ركاب السيارة جميعا، بما فيهم الطفلة، حتى تم جمع ثلاث ورقات من فئة ربع الجنيه، قبلها الشرطي في امتعاض، وعندئذ رفع الكهل المهيب يده عن مقدمة السيارة، سامحا للركب بالخروج.

علق الدكتور الذي كانت دراسته ذات طابع نظري، كما أن غربته طالت: «لم أكن أتصور العودة صعبة هكذا»، قاصدا مجموعة من الصدمات لم يكن هو الوحيد الذي تعرض لها؛ فبسبب ضيق المقعد الخلفي في ال 128، والضخامة التي اكتسبها عاصم في الغربة، فضلا عن نتائج كثرة تردد ذات على المرحاض، لم يكن ثمة مفر من التماس الذي حدث. وعلى عكس ما جرى في رحلة الذهاب، كانت حمرة الأذنين هذه المرة من نصيب ذات؛ إذ كان مفعول الساق القوية الصلبة أقوى من سابقتها المراهقة.

Unknown page