224

Al-Dhakhīra fī maḥāsin ahl al-Jazīra

الذخيرة في محاسن أهل الجزيرة

Editor

إحسان عباس

Publisher

الدار العربية للكتاب

Publisher Location

ليبيا - تونس

تفرقت أيدي سبا. كلمات أنثرها عليك، وآمال أصرفها إليك. كنا قبل أن ترمي بنا النوى مراميها، وتلقي الخطوب علينا مراسيها، وتمخضنا الأيام مخضًا، وتركض بنا الليالي ركضًا، تر بي صحبة، وحليفي صبوة؛ قد تخلينا عن الأنساب، وانتسبنا إلى الآداب، والدار إذ ذاك صقب، والملتقى كثب؛ فإذا شمخ بأحدنا مارن، وثار به كمد ساكن، بعتب على زمن، وتقصير بإرادة عن سكن، تعاطينا كأس الشكوى، وتجاذبنا حبل البلوى، والزمان غر، وحواصلنا صفر، نترنم ترنم الحمام، على زق الجمام؛ ثم ألقت الأيام علينا بكلكل، وأناخت من فوقنا بجران، فنثرتنا بكل فج عميق، وأفق سحيق، نثر الدرر، شذر مذر؛ ونفحت عليك رياح السعد، وجاءتك المنى من تهامة ونجد، وامتطيت ظهر الجوزاء، وافترشت لبدة العواء؛ وكلما دعيت إلى النزال والعراك، تترست بالثريا وطعنت بالسماك، فزحمت منكب الدهر، وقضيت أربك منه على قهر. فكان أول حيصتك عن الرفاء، وحيدتك عن رعاية قديم الإخاء، أن تركت المخاطبة، وأضربت عن المكاتبة، خشية أن يكون كلنا عليك، ورغبتنا في ما لديك، وهيهات! يأبى ذلك كرم محض، وهمة علياء ما لها خفض. ثم قلت: حمل أحسن الظن أجمل، والقضاء بأكرم العهد قبل، قد تشتغل الرؤساء، وتتجاذب العظماء، وعينه مع ذلك راعية، وأذنه واعية، وإنما الوصل بالفؤاد لا بالمداد، والالتقاء بالحلوم لا بالجسوم، فانطويت على ود، وثبت على صحة عقد. ثم دارت الدهور، وطلع البشير، أن قيل طالعكم عسكر جرار، فيه لأسد العرين نار، قضي لكم

1 / 228