262

Dhakhair

الذخائر والعبقريات

Publisher

مكتبة الثقافة الدينية

Publisher Location

مصر

Genres

وقال عمرو بن قُميئة - شاعرٌ قديمٌ في الجاهلية -:
كأنّي وقدْ جاوَزْتُ تِسعينَ حِجَّةً ... خَلَعْتُ بِها عنّي عِذارَ لِجامِي
على الرّاحتيْنِ مَرَّةً وعلى العَصا ... أنُوءُ ثَلاثًا بَعْدَهُنَّ قِيامي
رَمَتْني بناتُ الدَّهْرِ من حيثُ لا أرَى ... فكيفَ بِمَنْ يُرْمَى وليس برَامِ
فلَوْ أنّها نَبْلٌ إذَنْ لاتَّقيْتُها ... ولكنّني أُرْمَى بغيْرِ سِهامِ
قوله: خلعت بها عني عِذار لِجامي: فالعرب تقول: خلَع فلانٌ العِذارَ يريد: خَلَعَ الحَياء، مثل للشاب المُنْهمك في غَيِّه كما يخلع الفرسُ العِذارَ فيجمحُ ويطمحُ لأنّ اللِّجامَ يُمسكه، والعِذار: الذي يَضُمُّ حبلَ الخِطام إلى رأسِ البعير والناقةِ وعلى ذلك يكون معنى قوله: أنّه أسام سرح اللهو حيث أسام الغواة في هذا العمر المديد، ولعله يريد بذلك عدم التماسك كما بينه في البيت الثاني، وقوله: أنوءُ ثلاثًا يعني: أنه ينهض ثلاثَ مرات بانحناء ثم يستقيم، وبنات الدهر: نُوَبه.
البقاء في الدنيا سبب الفناء
قال سيّدُنا رسولُ الله: (لو لم يكسبِ ابنُ آدم إلا الصحةَ والسلامةَ لكفى بهما داءً) لأن السَّلامةَ تُسلمه إلى الهَرمِ وما يستتبعُه من الهَمِّ والسَّقم.
وقيل لأعرابي: كيف حالُك؟ فقال: ما حالُ مَنْ يَفْنى ببقائِه، ويَسْقمُ بسلامتِه، ويُؤْتى من مأمنِه! وقال حُمَيْدُ بن ثَوْرٍ الهلالي - وهو شاعرٌ إسلامي ترجم له أبو الفرج في الجزء الرابع من أغانيه -:
أرَى بَصَري قَدْ رابَني بَعدَ صِحَّةٍ ... وحَسْبُكَ داءً أنْ تَصِحَّ وتَسْلَما
ولا يَلبَثُ العَصْران: يومٌ وليلةٌ ... إذا طَلبَا أنْ يُدْرِكا ما تيَمَّما

1 / 251